موريتانيا والانقلابات

تعيش موريتانيا اليوم فترة مفصلية في تاريخها المعاصر، فبلاد شنقيط بين العودة إلى نقطة الصفر التي تعني الرجوع سنوات إلى الوراء، وبين معجزة من الصعب أن تتحقق بأن يرفض الشعب كل المقترحات المقدمة من طرف النظام المنقلب على كل شيء دستوري في بلد اعتاد على الانقلابات العسكرية منذ العاشر من يوليو/تموز سنة 1979م: تاريخ أول انقلاب في البلاد حين بدأت قصة حب العسكر والانقلابات لموريتانيا دون أن تسأل إن كانت راضية فقد أخذوها عنوة ولا يزالون يصرون على ذلك جنرال بعد جنرال، والبلاد تعود الى الخلف.

صيف ساخن تشهده مدن البلاد الثلاثة عشر، مظاهرات معارضة تنتهي بقمع واعتقالات، وفي الصف الثاني مهرجانات واحتفالات وتسخير لكل مفاصل الدولة من أجل نجاح الاستفتاء، وكأن الاستفتاء على النظام نفسه وليس على العلم والنشيد ومجلس الشيوخ وغير من ذلك.

فالاستفتاء بالنسبة لنظام الجنرال الرئيس مسألة حياة أو موت يوهم الناس كعادته بأنه طوق نجاة وأن الخير الذي طوال ثمان سنوات قادمة لا محالة بمجرد أن تأتِ نعم كاملة غير ناقصة وتلك وحدها كفيلة بأن تمنح نظام الرئيس الجنرال المزيد الصلاحيات غير التي يمتلكها بحسب الدستور والذي يعطي أصلا في الدول المعسكرة صلاحيات واسعة لرئيس البلاد بحكم النظام الرئاسي.

نظام ولد عبد العزيز يبدو مصمما على تمرير استفتاء بأي ثمن ويريدها مأمورية ثالثة كما صرح المسئولون علنا كقول وزيرنا الأول رئيس الحكومة إن نظام ولد عبد العزيز لن يترك السلطة، وكما لمح لذلك الرئيس نفسه حين قال على “الطريقة السيساوية” إن: “المأمورية الثالثة بيد الشعب، يتشابه الجنرالان والمقصد واحد والطريق واحد، الانقلاب ثم الانقلاب”.

فالرئيس الجنرال هنا لم يثنه اسقاط مجلس الشيوخ للتعديلات الدستورية وذلك حسب الدستور الذي أقسم عليه الرجل كفيل بإنهاء كل شيء.  

اختار الانقلاب كما فعل من قبل إبان حكم أول رئيس مدني سيد محمد ولد الشيخ عبد الله حين أطاح به في ليلة لن تمحى من ذاكرة موريتانيا التي حولها العسكر إلى مجرد ذكرى مؤلمة جدا.

المعارضة الموريتانية وان كانت تتحرك على مستوى الضغط الشعبي عن طريق التظاهر والمسيرات إلا أنها تبدو عاجزة عن إيقاف الجنرال وقد استولى على كل شيء وجمع كل السلطات والصلاحيات والشعوب في هذه الحالة تميل إلى جانب الحائط الأيسر الذي يعني الرضى بالأمر الواقع في علوم السياسة أما في علوم الدين وعلماؤه فالحكم بالغلبة جائز، وخصوصا إذا كان المتغلب جنرالا قد أطعم الموريتانيين من جوع وأمنهم من خوف كما قال رئيس حزبه عنه.

وكأننا أمام المشهد المصري يتكرر في موريتانيا التي لا تشبه مصر إلا في انقلاباتها، وطريقة حكم جنرالاتها فالنقاط المشتركة بين السيسي والجنرال عزيز كثيرة جدا هذه الأيام، فكلا الرجلين انقلب على أول رئيس مدني منتخب وكلاهما يعشقان الرز السعودي كعشقهما للزعامة والانقلابات على كل شيء.

موريتانيا اليوم تنقص من عمرها سنين أخرى وتصرف أموالها على استفتاء لا طائل من منه مادامت الدبابة والمدفع يستطيعون تغيير كل شيء وفي لحظات معدودات.

لتبقى موريتانيا في مكان لا يليق بها بين الشعوب منتظرة الطبيب المداوي الذي يهبها مكانة أخرى غير التي عودها عليه العسكر.

فاستفتاء الخامس من أغسطس/آب ليس الأول ولن يكون الأخير فكم أجرينا من استفتاء حتى الآن؟ وكم بدلوا من رؤساء؟ كلهم تغيروا ورحلوا وبقيت موريتانيا على حالها تحتاج لتغيرات عديدة لن يكون من أولوياتها النشيد أو العلم قطعا.

غيروا الفقر الذي أنهك المطحونين، غيروا حالة التعليم المزرية، غيروا حالة الصحة والمنظر العام والعاصمة.

غيروا يا من اعتدتوا على تغيير كل شيء في الوطن إلا حاله الذي لا يليق بدولة في القرن الحادي والعشرين. 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها