من يربي صلاح الدين؟!

تسلم الأزمةُ أختها في بلاد العرب؛ لذا أصبح العرب متخصصين في بوستات النواح وتغريدات التنديد وبروفيلات التضامن ومشاركات التأبين- ونحن لا نقلل من ذلك ولكن نحذر من الوقوف عنده- وتُنسي المصيبة، ونتسلى عن الهم بالهم، ولا جديد في أمة فاقت المليار غير زيادة الأرقام وازدحام الآلام، ومرور الأيام .

سقط القناع عن الوجوه، وتبين للقاصي والداني أن الحرب العالمية الثالثة ستستضيفها عنوة البلاد الإسلامية – مجبر أخوك لا بطل – فماذا أعد المسلمون لهذه الحرب؟

إن إعلان ترمب أن القدس عاصمة إسرائيل  يثبت أن هؤلاء تأكدوا من موت الضمير العربي ومن احتضار كرامة الشعوب، وموقف العرب والمسلمين من الأزمة لم يتعدى المألوف للآن، والأيام حُبلى بالأحداث؛ فترى ما الذي يحاك لنا ؟ ومتى سنرد ردًا رادعًا مؤثرًا؟

إن الأعداء أعدوا لهذه الحرب شعوبًا ألفت المصائب وتربت على المذلة، وحكامًا تفننوا في الخيانة وتمرسوا عليها، أعدوا إعلاما يهون الكوارث ويكبر الصغائر ويحط من قدر الكريم ويرفع اللئيم، فماذا أعددنا نحن؟

إن الأجيال التي انتصرت في جميع مراحل التاريخ الإسلامي توجت جهود أجيال سبقت وآباء ربت وأمهات ضحت، فهل الجيل الحالي سينتصر؟ أم سيربي جيل الانتصار؟ أم أنه مستمتع بمقاعد المتفرجين؟

إن الأزمات والنكبات تدمر شخصية الأطفال وتؤثر في نفسية الأجيال اللاحقة وتجعلها تعتاد الهزائم ؛ ولذا وجب علينا أن نقف وقفة حراس للعقيدة والنخوة، وجب علينا أن نكون مصابيح للعزة، قدوة لجيل نعده لملاحم كبيرة؛ فالأمة تحتاج لمن يربي لا من يبكي، من يصبّر الناس لا من يزعزع إرادتهم، من يبذر بذور الأمل ليحصد أبناؤه ثمار النصر.

لقد مللنا من مناداة الشعراء والخطباء لصلاح الدين ورفاقه، من مخاطبة عمر وسعد وخالد؛ فقد أدوا دورهم وجاء دورنا، لن نراهم إلا يوم القيامة، فبماذا سنخبرهم عن أمانتهم؟! هل سنجرؤ على أن نخبرهم باحتلال القدس واقتحام الأقصى ودمار بلاد الشام ؟! فلنتركهم في روضاتهم يحبرون، وليرب كل منا في بيته قائدا يقتدي بصلاح صلاح، وبقوة خالد، وشجاعة سعد، وعدل عمر، فلنرب في مدارسنا جيلا يحاكي جيل الفاتح وجيش قطز، فلنرب مجتمعًا يضحي من أجل دينه ووطنه لا شعبًا يغني على أنغام هلاك وطنه.

لا تيأسوا؛ فليس اليأس من أخلاق المسلمين، ولا تجزعوا فلن يربي المنتصرين الخائفون، ولا تبكوا أمام صغاركم على أمتكم بل علموهم كيف يكفكفوا دمع الباكين، اغرسوا في صدورهم حب الدين والأوطان، تدارسوا معهم سيرة الأبطال والفاتحين، عرفوهم كيف كانت أمة الإسلام أيام الرسول والخلفاء، اعرضوا عليهم الخرائط التي توضح انتشار الإسلام في العالم في أعوام معدودات؛ فلم يصبح الفاتح فاتحا إلا بعزيمة أمه وتربيتها له؛ فقد كانت تقف به أمام أسوار القسطنطينية كل صباح قائلة له لقد قال النبي محمد :” لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش”. فغرست فيه طموح القائد الأمير الفاتح؛ فأثمر ذلك وهو في 24 من عمره بساتين الفتح وحدائق الانتصار .

لا تتخذوا من النكبات وسائد للراحة والبكاء، بل اجعلوها سهاما للغد المنتصر؛ فقطز (محمود بن جلال الدين)  رغم أنه بيع في سوق الرقيق فإنه لم ينس تربيته الجهادية التي ترباها في بيت أبيه وجده حتى أصبح قائدًا لجيوش الانتصار التي دحرت وأذلت التتار ، وصلاح الدين ولد في أوج قوة الصليبيين لم يجلس والده به في قاعة المستسلمين، ولم يذرف الدموع أمامه ليستكين، بل علمه كيف يكون النضال وكيف يكون الجهاد، علمه أن الحياة من دون هدف موت، وأن العمل للانتصار انتصار ، وأن الفرد قد يحرر أمة لو علت به الهمة؛ فكان صلاح الدين الذي يعطينا ذكر اسمه رشفة عزة ولمسة كرامة وكأس نخوة، الذي لو قرأ الآباء والأمهات سيرته على أولادهم وربوهم بها لصار عندنا ألف صلاح وصلاح.

فربوا أولادكم بسيرة صلاح، وبحماس قطز، وبهمة الفاتح، وببصيرة خالد، وبحب بلال، وبإخلاص مصعب، وبكرم عثمان، وبتضحية علي، ربوهم بسيرة الأوائل وبعزة المنتصرين .

لا تشاركوا في تنشئة جيل ممسوخ الهوية، خال من دسم الكرامة والشهامة، لا تربوا جيلا يكمل مسيرة النكبات، بل قدموا للأمة جيلًا يحررها ويعيد لها ما قد فات، ربوا جيلا يرفع شعارات النصر، وشارات البطولة، وأعلام الوطنية، ولسان حاله دوما قول شاعرنا القدير:

سأنزع من بين شدق الأفاعي       حقوقي التي ضيعوها سدى

سأمضى إلى القدس في عزمة      واجعــــل حطين تأتي غدا

نطهرها من دنــــايا اليــــهود           ونطلق من حبسه المسجدا

إن الأمة تنظر بعيون دامعة وقلوب متحسرة إلى الآباء والمربين؛ تخشى أن تتكرر النسخ المهزومة، فقفوا مع أنفسكم وقفة لابد منها، ولتكن التربية من اليوم تربية جهادية إسلامية وطنية؛ يعرف بها الطفل من هو؟ ولمن يعيش؟ وما قضيته؟ وما دوره؟

اعلموا أن البكاء على اللبن المسكوب لن يرجعه للكوب، وحرب الهاشتاغات لن يجلب وحده الانتصارات، وأن الجبناء لا يربون الشجعان، وأن المنكسرين لا ينتصرون، وفي ظني أن هذا الجيل لن يرحمه التاريخ إلا إذا ربى جيلا يعيد تغيير الواقع ويكتب بملاحمه التاريخ؛ فلنغير من أنفسنا ليتغير واقعنا المرير” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” ؛ فاجلسوا مع أولادكم وتدارسوا سيرة الأبطال، علموهم كيف يتعاطفون مع قضايا الأمة ويتفاعلون معها، اجعلوا للأولاد دور في قيادة الأسرة، اغرسوا فيهم حب النجاح وحب الجهاد وحب الأوطان ، واعلم- أيها الأب الفاضل-  أنك لو قدمت لأمتك بطلًا تفتخر الأمة به ستفتخر أنت به أمام الخلائق يوم يسألك الله : ماذا قدمت لدين الله؟ واعلمي- أيتها الأم الفاضلة- أنك لست بأقل من أم صلاح الدين أو أم قطز أو أم الفاتح؛ فلقد ربوا أبناءهم بالفطرة وأنت معك كل علوم العالم وتقنيات البحث؛ فلا تبخلي على أمتك وربي قادة يخدمون الدين.

بقى أن نعرف أن الدين سينتصر بنا أو بغيرنا، والقدس ستتحرر بنا أو بأبطالها المرابطين، والحق سينتصر مهما طال به ظلام الليل، ولكن شتان بين من يشارك في الانتصار ومن يكتفي بالانكسار!!

فهنيئا لكل من قدم بطلا أو ربى أبطالا أو علم رجالا أو كان بأخلاقه قدوة وشامة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها