من هؤلاء؟

لو أن الغانم لم يطرد مندوب الكنيست بمثل هذه الطريقة  البشعة_في نظرهم_ وسلك أسلوبا دبلوماسيا راقيا متحضرا بدلا منها، فان هذا كان أوفق في منظورهم ويتلاءم مع الأعراف الجيدة والنبيلة.

لا أدري لماذا يسمي بعض الناس المواقف العظيمة، التي تستوجب منا التقدير والفخر والإكبار، لا أدري لماذا يسمونها بغير أسمائها، وينزعون عن هذه المواقف العظيمة والقوية كل صفاتها وما تميزت به، بل إنهم يلبسونها لباسا آخر، فتبدو للآخرين علي ما بها من عظمة وجلال هي الشر بعينه، وأن صانعيها هم  في النهاية ممثلون ومزيفون مقتدرون لا أكثر!

من هذه المواقف العظيمة التي وجدت قبولا واستحسانا ورضا كبيرا في العالم الإسلامي، هو ذلك الموقف الذي أبداه مرزوق علي الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي في الأيام الماضية، أثناء انعقاد  الجلسة الختامية لمؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في سان بطرسبورغ في روسيا، عندما طالب الوفد الإسرائيلي بمغادرة قاعة الجلسة بعد رفضه_ كما هو متوقع_ تقارير الإدانة بشأن النواب الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، حين طالبهم بمغادرة القاعة  كان الغانم يسجل موقفا تاريخيا عظيما، كان يصفهم بأنهم يمثلون أخطر أنواع الإرهاب، وهو إرهاب الدولة وأنهم قتلة الأطفال، وللأسف فان هذا الموقف القوي والبطولي للغانم تمت تسميته من بعض الناس بأنه موقف همجي!

بل إنه يفتقد إلي الكياسة والفطنة والإنصاف، ولو أن الغانم لم يطرد مندوب الكنيست بمثل هذه الطريقة  البشعة_في نظرهم_ وسلك أسلوبا دبلوماسيا راقيا متحضرا بدلا منها، فان هذا كان أوفق في منظورهم ويتلاءم مع الأعراف الجيدة والنبيلة، ومع هذا فان آخرين لا يتفقون مع ذلك الوصف وتلك التسمية بأن الغانم ما هو إلا همجي بدوي، يفتقر إلي الدبلوماسية ومعرفة السلوك النبيل، ولكنهم يجزمون قاطعين أنه ممثل جيد، وأن الأمر برمته مسرحية متكاملة الأدوار، أجاد فيها كلا الفريقين وفد الكنيست والوفد الكويتي الأدوار إجادة تامة!

وقبل أن نعقب علي هذه التسميات الشاذة وغير المقبولة من أذناب اليهود، والتي تنطوي علي الاستهزاء من أي موقف يمس إسرائيل، ومحاولة إحداث هزة معنوية ونفسية للشعوب العربية والمسلمة، فإنه ينبغي أن نشير أولا، إلى أن القضية الأم لا تزال في وجدان المسلمين قاطبة بدليل هذا القبول والرضا الكبير، الذي وجده  الموقف البطولي من ذلك الأسد، وينبغي أن نشير أيضا إلي أن أشواق العالم الإسلامي تتجاوز ذلك الطرد المحدود  لوفد الكنيست في بطرسبورغ، ولكن هذه الأشواق في حقيقة الأمر تصل إلي أكبر من ذلك وهو طرد الصهاينة المحتلين الغاصبين إلي خارج فلسطين، وأن يتم تحرير مسرى رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهذا هو ما تحدث به كل مسلم نفسه.

وعن هذا التزييف الذي يركب موجته البعض بشكل مفزع، ويحاولون به قلب الحقائق ما استطاعوا، فإنه يوضح أولا وقبل كل شي جزءا من الاعتراف الضمني بالمحتل، إلا أنه مع هذا تنقصهم القوة والجرأة لإظهار ذلك الاعتراف، وهو من ناحية أخري (اعني التزييف وقلب الحقائق) إنما يوضح حجم الانحياز الظاهر للوفد البرلماني الإسرائيلي ويمثله نحمان شاي الذي رفض تقارير الإدانة، التي أعدتها اللجنة الفرعية في الاتحاد المعنية بحقوق الإنسان، وهذا الانحياز يشابه دعوات التطبيع ودعوات الصداقة، ودعوات السلام الدافئ وغيرها من الدعوات والمفردات الملتوية، التي يدعو لها عملاء إسرائيل وأبواقهم في المنطقة، وبعض حكامنا للأسف الشديد، وليست هذه الدعوات في الحقيقة إلا صورة واضحة لحجم الارتماء والعمالة  للكيان الصهيوني. 

أما الادعاء أن ما جري ما هو إلا تمثيل جيد الأدوار بين الفريقين الكويتي والإسرائيلي، فان المقصد الظاهر من ذلك هو الإساءة لسمعة الدولة العربية، وفي الوقت ذاته الإيحاء بالقوة الإسرائيلية التي تستطيع فرض رغباتها وسياساتها علي أية دولة، وهو ادعاء يستهدف بصورة مكشوفة زعزعة الثقة في نفوس الأمة، وهزيمة أي موقف يحارب إسرائيل أو ينتقص منها!

لماذا يخذل المسلمون هؤلاء؟ من هؤلاء؟

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها