من غيابات السجن

يذكر الكاتب المعتقلين بأسمائهم ورتبهم العسكرية، يتحدث عن طباعهم المختلفة، عن ميولاتهم وعن أوساطهم الاجتماعية المتباينة.

بعد العمل الروائي الذي جمعه مع الطاهر بن جلون، الصادر تحت عنوان تلك العتمة الباهرة، والذي تردد كثيرا قبل الإقدام عليه، قرر عزيز بنبين أن ينشر عملا  آخر يتحدث فيه عن تجربته المريرة في سجن تزمامارت مع ثلة من رفاق السراب.

20 عاما من العذاب

كان عزيز بنبين، في طفولته، يحلم أن يصبح صحفيا أو مخرجا، لكن القدر أراد غير ذلك. غداة وقوع الانقلاب الأول على الحسن الثاني في مطلع السبعينات من القرن الماضي، الذي خطط له الكولونيل اعبابو والجنرال مذبوح، كان الشاب عزيز بن محمد (أحد المقربين من الملك آنذاك وأفضل مؤنسيه على وجه الإطلاق،  يشغل منصب ملازم. حُكم عليه إثر ذلك بالسجن لمدة عشر سنوات، غير أنه لم يذق طعم الحرية إلا بعد مرور حوالي 18 عاما ونيف، وبالضبط في بداية شهر شتنبر (سبتمبر/أيلول) من عام 1991.

معتقلون من مشارب مختلفة

يسرد الكاتب من خلال كتابه الموسوم بـ” تازمامور” مسار رفاق معتقل تازمامارت، ذلك المعتقل السري  الذي يقع على أطراف الصحراء الشرقية، بتفاصيل مثيرة سمعها منهم في عتمة ليل الزنازين المظلمة، كيف قضوا طفولتهم، كيف ولجوا عالم العسكرية، وذلك قبل أن تسوقهم الأقدار إلى غياهب السجن.

يذكر الكاتب المعتقلين بأسمائهم و رتبهم العسكرية، يتحدث عن طباعهم المختلفة، عن ميولاتهم  وعن أوساطهم الاجتماعية المتباينة.  أحد هؤلاء مثلا  يسمى محمد القوري، وقد كان “صديقا ورفيقا من نفس دفعتي”، يقول الكاتب، قبل أن يضيف: “بقينا أصدقاء إلى آخر يوم، رغم اختلاف طباعنا. في سن العشرين كان الشيب قد غزا شعره، الشيء الذي كان يضفي عليه نوعا من الوقار. يختار بدقة متناهية أصدقاءه وأنا واحد منهم”، وآخر يلقب بمولاي محجوب واسمه بالكامل محجوب الياقدي:  “كان مولاي محجوب يحشر أنفه في كل شيء. معروف بروحه المراكشية المرحة ومعرفته بعدد كبير من الأمثال والنكت الشعبية”.

 في المجمل،  استقبلت زنازين المعتقل الرهيب حوالي 58 ضابطا، لم ينج منهم سوى حوالي النصف والكاتب واحد منهم من حسن حظنا (إن جاز في هذا المقام استعمال العبارة) ليتحفنا بشهادته عن تلك الفترة العصيبة من تاريخ البلد. تعتبر هذه الشهادة، كما أشار إلى ذلك الكاتب نفسه، بمثابة تكريم لرفاق تقاسم معهم مرارة الإهانة والجوع، ومحاولة لانتزاع ذكرى من فارق الحياة منهم من قبضة النسيان، الذي هو صنو الموت أو أشد منه قليلا.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها