مفاهيم أساسية على ضفاف نهر الحب

الحب لا يمكن تفسيره، ولا يمكن إلا معايشته واختباره، ومع أن الحب لا يمكن تفسيره ولكنه يفسر كل شيء.

الحب ُهو مدينة السعادة التي ندخلها بقلوب تنبض حياة وروح تحترق من الخوف الممتع، لا تتعجب يا صديقي لأنه في الحب تتضاد الأشياء: نريد ولا نريد، نطمئن ونخاف نقترب ونبتعد فلا تتعجب حينئذٍ لأن الحب هو الشيء الوحيد القادر على أن يُفقد روحك توازنها ويجعل عقلك يتجرع الشتات.

جميل هو الحب لأنه يجعلنا سعداء وكثيراً ما ينتشلنا من ألم عدم إنصاف الحياة لنا في كثير من المواقف. الحب هو الأمان الوحيد على هذه الأرض، وهو الملجأ الوحيد الذي نرتمي في أحضانه عندما يتملكنا الخوف في هذه الحياة.

ولعل أجمل ما في الحب أنك تجد فيه شخصاً آخر يهديك قلباً آخر تختبئ فيه بدون مقابل .. الحب يا صديقي غريزة جميلة زرعها الله في قلوب عباده ليحيوا بها ويموتوا على أنغام ألحانها الرقيقة، فهل من رأيك يا صديقي ألا يستحق ذلك الحب أن نتعرف على بعض من ثقافته وأن نمر مروراً لطيفاً على بعض من مفاهيمه؟ إن كان جوابك نعم فاسمع إذن: 

أصدقُ العشاقِ همُ الكرماءُ في الحبِ، لقد حرَّم الله الإسراف في كل شيء إلا في الحب فإنه فيه واجب، يحتاج الحب دائماً إلى كرماء معه لكي يدوم ويستمر، يحتاج الحب إلى عروق تنبضُ بالوفاء وقلوب لا تعرف النهايات، يحتاج منا الحب دائما ً أن نستيقظ في كل صباح ونحن نفكرُ فيما يمكنُ أن نقدمه لهذا الحب لكي يدوم بيننا.

يحتاج الحب دائماً إلى العطاء من كلا الطرفين وقبل العطاء فإنه يحتاج إلى صادقين في هذا العطاء.

الحب لا يرضى أبداً بالفتات، فتات الأوقات وفتات الاهتمام، الحب لا يرضى بالكسور العشرية أبدا ولا يحيا ويدوم إلا عندما يأخذ رقما واحدا صحيحاً، إن للحب كبرياء على المحبين أنفسهم وحتى على أعظم العشاق، ولذلك كان الحب عظيماً.

إن من كبرياء الحب أنه لا يعرف الإهمال أبداً. الإهمال يقتل الحب ويدمره ويُفقده شغفه ولذته وما عُرف داء أشد على جسد الحب من الإهمال، الإهمال كالحمى التي تُفقد الحب كل قواه وتُضعفه، وفي بنك الحب يجب الإيداع حتى تستطيع السحب، والإهمال هو أبشع عمليه سحب بدون إيداع يتم فعلها في النظام المصرفي للحب.

ولنا في الحبيب صلى الله عليه وسلم معلم البشرية الأول والأخير خير قدوة في الحب، كيف كان يلاعب عائشة ويضاحكها، كيف كان يستمع لحديثها بشغف واهتمام، كيف كان يهتم بها ويعتنى بأدق أمورها، والأجمل من ذلك كيف كان يحبها!

انظر يا صديقي إلى حب الحبيب صلى الله عليه وسلم لعائشة، وهو يقول لها “حبي لك يا عائشة كعقدة في حبل، فكلما مرت عليه قالت له كيف حال العقدة! فيقول لها كما هي، تضحك عائشة”، كان حب الحبيب -صلى الله عليه وسلم- سمته الكرم؛ ولكأني أستشعر في كلام الحبيب -صلى الله عليه وسلم- إحساس الحب الأبدي، لأن القلب الذي ينبض بالحب الصادق لا يعرف النهاية أبداً، جميل هو الحب وجميلة، مشاعره ورائع هو الحب عندما نكون كرماء معه.

الحب يا صديقي هو ياسمينة جميلة تبتسم وردته كل صباح مفعمة بأمل واحد يجعلها تبتسم، هذا الأمل هو العطاء وطالما ظل هذا العطاء مستمراً ستظل تبتسم في كل صباح.

أقوى دعائم الحب هي التفاصيل، ألم تسمع يوما عاشقاً يخبرك أن الحب مثل الياسمينة تحتاج إلى الماء وماء الحب هو التفاصيل، يدوم الحب بيننا عندما نهتم بالتفاصيل، تلك التفاصيل يكون لها دوماً أثر السحر على من نحب.

إن اهتمامك بتفاصيل من تحب يشعره حقاً بالحب ويشعره بأهميته ومكانته في قلبك، ذات مرة أراد الحبيب -صلى الله عليه وسلم- مداعبة حبيبته أم المؤمنين عائشة فقال لها: إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت على غضبى، قالت: فقلت من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت لا ورب إبراهيم، قالت: قلت أجل والله يا رسول الله .. ما أهجر إلا اسمك” هكذا كان اهتمام الحبيب -صلى الله عليه وسلم- بأدق تفاصيل حبيبته عائشة، وهكذا كان اهتمامه بكلامها وتفاصيله البسيطة، دائما يا صديقي ما يكون الحب حساساً ورقيقاً ودائماً ما تُحيه وتُنعشه التفاصيل، وبدون تلك التفاصيل تذبل ياسمينته وتموت.

الحب هو الأمان، في يوم من الأيام حدث خلاف بين الحبيب -صلى الله عليه وسلم- وبين حبيبته أم المؤمنين عائشة، فقال لها: من ترتضين بيني وبينك حكماً يا عائشة؟ قالت أبى، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر، فلما جاء أبو بكر قال لها النبي: تتكلمين أنت يا عائشة أم أتكلم أنا فقالت له، تكلم أنت ولا تقل إلا حقاً، فلما سمع ذلك أبو بكر غضب غضباً شديداً وهمّ أن يضرب ابنته فهرعت عائشة تختبئ في حضن الحبيب -صلى الله عليه وسلم- خوفاً من أبيها، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: لم ندعك لهذا يا أبا بكر، هذا والله هو الأمان الحقيقي، الأمان الذي يجعل زوجة ترتمي في حضن زوجها تستمد منه الأمان حتى من أبيها نفسه.

سأل أحد العشاق حبيبته ما هو الحب؟ قالت له الحب هو الأمان، قال لها وكيف أهبك الأمان؟ قالت له بأن تزرعه في قلبي، قال لها وكيف ذلك؟ قالت له بأن تجعلني أهرب من الدنيا إليك وأن تجعل من نفسك أماني الوحيد، الأمان بأن أجدك ممسكاً بقلبي لا بيدي، الأمان أن تجعلني أهرب من خوف الحياة ووحشتها إلى ملجئك الآمن فأجد في قلبك حناناً وفي كلامك طمأنينةً تحتضن روحي الخائفة، هكذا هو الحب.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها