مطهرات الأيدي والوقاية من فيروس كورونا

 

تعد مطهرات الأيدي حائط الصد الأول ضد الميكروبات؛ فإنك تلامس أشياء عدة تستوطنها البكتريا والفطريات والفيروسات، لا بد من استعمال مادة تثبط فعالية الميكروبات ضمانًا لسلامتك وسلامة من حولك. تنقسم العدوى إلى نوعين؛ عدوى ذاتيةAuto Infection وعدوى الآخرين Cross Infection، ولحسن الحظ يمكن الحد منهما عبر العناية بنظافة الأيدي؛ فتكسر دائرة العدوى وتقلل من احتمالات إصابتك بالعوامل المسببة للمرض، والتي ربما تكون مهددة للحياة.

مع ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، زادت حدة الهلع في دول عدة، لا سيّما تلك التي كشفت عن حالات مؤكدة أصيبت بالفيروس، مثلما شاهدنا في الصين وكوريا الجنوبية وإيران وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، والقائمة تتسع والأعداد مرشحة للزيادة. هجم كثيرون على أقنعة الوجه Face Masks حتى إنها سُحبت من الأسواق وتعاني أسواق من نقصها!

تنقسم مطهرات الأيدي بشكل عام إلى قسمين؛ الأول مطهرات كحولية والثاني مطهرات غير كحولية، والفرق بينهما له مجموعة سمات. يتفق خبراء النظافة مثل NHS وPublic Health England على أن المطهرات الكحولية مصمّمة لقتل معظم الفيروسات؛ لكن ما آلية عمل مطهرات الأيدي؟ وما علاقة ذلك بفيروس (كوفيد-19)؟

بدايةً، الفيروسات أكثر مقاومة للمطهرات من البكتيريا، وتنقسم الفيروسات إلى فئتين كبيرتين؛ فيروسات مظروفة Enveloped Viruses، أي يحتوي على غلاف من حوله، وفيروسات غير المظروفة Non-enveloped Viruses، ومعرفة نوع الفيروس تساعد في اختيار المادة المطهرة الأنسب للتعامل معه.

لحسن الحظ، فإن فيروس كورونا هو فيروس مظروف، هذا يعني أنه يمكن للكحول مهاجمته، ومن ثَمَّ القضاء عليه، لكن فيروسات أخرى مثل Norovirus وrhinovirus تعد من الفيروسات غير المظروفة  Non-enveloped وهذا يصعّب المهمة على المواد المطهّرة.

أولًا: المطهرات الكحولية

في بيكرسفيلد بولاية كاليفورنيا عام 1966، حصلت الممرضة الطلابية لوبي هيرنانديز على براءة اختراع لإنتاج هلام/چـل قائم على الكحول؛ لتنظيف الأيدي في غياب مرافق غسل اليدين. مع تفشي وباء أنفلونزا الخنازير H1N1 في عام 2009، انتقل المنتج من المؤسسات والمراكز الطبية والأماكن العامة إلى عبوات صغيرة يحملها الجمهور. يومها، ارتفعت مبيعات المواد المضادة للبكتيريا والمواد الهلامية في الولايات المتحدة بأكثر من 70% خلال ستة أشهر، وبحلول سنة 2010، كانت عبوات المواد الصغيرة موجودة في كل مكان.

المطهرات الكحولية سهلة الاستخدام، وفعالة جدًا في القضاء على نسبة كبيرة من الميكروبات، لا تتطلب التردد على مرافق المياه لشطف الأيدي، وذلك لأنها تتركب من هلام (چـل) مائي، ولا يترك ملمسًا دهنيًا على الأيدي، فضلًا عن أن الكحول سريع التطاير، ما يسمح بتطهير فوري دون طقوسٍ معقّدة.

تحظى المطهرات الكحولية بثقة منظمة الصحة العالمية WHO، ومنظمة الغذاء والعقاقير FDA، ومركز السيطرة على العدوى والوقاية منها CDC، وهذا في حد ذاته غاية في الأهمية، وللسبب ذاته فهي المادة المطهرة للأيدي الأكثر انتشارًا في المستشفيات والمرافق الصحية. لكن المطهرات الكحولية لها بعض المخاطر، ويتعين الإلمام بها تجنبًا لوقوع أي كارثة تنجم عن التهاون أو التساهل.

تتركب مطهرات الأيدي الكحولية من چـل مائي Water-Based Gel، يذاب فيه الكحول بنسبٍ متفاوتة، تتراوح ما بين 60 – 95% كحول، وبارتفاع نسبة الكحول في التركيبة يزيد مدى التطهير. قد يستخدم نوع واحد من الكحولات في تلك التركيبات، على الأغلب يكون الكحول الإيثيلي (الإيثانول)، أو الكحول البروبيلي (الأيزوبروبانول)، وأحيانًا يستخدم خليط منهما، وربما يستخدم معهما الأيزو-بيوتانول، وكلها من فئة الكحولات صغيرة الوزن الجزيئي القابل للذوبان التام في الماء.

  1. ارتفاع نسبة الكحول في التركيبة مرتبط بملمحٍ آخر، جفاف الجلد وتشققه وربما الحكة والتهاب الجلد على المدى الطويل، ومبعث ذلك أن الكحول يذيب الزيوت الطبيعية في البشرة، ومهمة تلك الزيوت أن تحفظ للجلد قدرًا من الرطوبة، وبفقدان الزيوت يفقد الجلد رطوبته، وتزيد حساسية الجلد التالف من قابلية الإصابة بالعدوى.

قد نتغلب على هذه الجزئية باستعمال كريمات ترطيب الجلد من آن لآخر، وإن كان الأمر يتعلق بحساسية الجلد؛ فلا مجال للمخاطرة باستعمال الكحوليات، ويفصل في ذلك الطبيب المختص.

  1. المركبات الكحولية سامة عند الابتلاع: قد يحدث الابتلاع عرضيًّا، لا سيّما في حالة الأطفال، ناهيك عن أن العبوات تكون سهلة الفتح، ومع ارتفاع نسبة الكحول تكون الخطورة أكبر، مما قد يؤدي إلى تسمم كحولي حاد.
  2. المركبات الكحولية تضر بالحوائط والأرضيات عند ملامستها، إذ تؤثر على الدهانات والسيراميك والأرضيات الباركيه والخشب، وعلى المدى البعيد تتلف هذه الأسطح.
  3. الكحوليات لها قابلية عالية للاشتعال، وقد تعد قنبلة موقوتة إن لم تحسن الجهات المختصة تدبير إجراءات النقل والتخرين، ويجب على المستشفيات والمرافق -التي تشتري كميات كبيرة من مطهرات الأيدي الكحولية- أن تلتزم بإجراءات السلامة المنصوص عليها في صحيفة بيانات سلامة المنتج MSDS.
آلية عمل المطهرات:

المعرفة الدقيقة لآلية عمل المواد المطهرة غير معلومة على وجه الدقة، لكن الافتراضات العلمية تشير لاحتمالات أقرب إلى الصحة، ومن بين هذه الافتراضات أن المواد الكحولية تتداخل مع طبيعة عمل الميكروبات. يُرجّح أن المطهرات بشكلٍ عام تتداخل مع الغشاء الخارجي والسيتوبلازم في خلايا الميكروب، ما ينجم عنه تمزق الأغشية الخليوية، وفقدان القدرة على النفاذ ، وتجلّط السيتوبلازم الميكروبي، وبالأخير يموت العامل المسبب للمرض.

حتى مع هذه الافتراضات، إلا أنه لا يمكن تحديد المرحلة الأولية والمرحلة الثانوية لعمل المطهرات، نظرًا لتداخلهما بدرجة كبيرة.

ترتبط مركبات الأمونيوم الرباعية بمواد تدعى “الفوسفوليبيدات” والبروتينات المكونة للغشاء الخليوي، ويفقد الغشاء قدرته على النفاذية، ما يؤثر على حياة الميكروب. هنا تختلف مركبات الأمونيوم الرباعية عن الكحوليات في طريقة ارتباطها بالأغشية الميكروبية؛ فمثلًا تصلح الكحوليات للارتباط بأي غشاء خليوي، في حين أن مركبات الأمونيوم لها انتقائية عالية التخصص، تمامًا مثل الإنزيمات، تحتاج إلى تطابقٍ بين نوع المادة الفعالة فيها والغشاء المُستهدف.

بعض مركبات الأمونيوم الرباعية المحتوية على مجموعة ألكيل، ترتبط بطبيعة دهنية “ليبوفيليا” على غشاء الميكروب، ويفضل أن يكون طول السلسلة الكربونية لمجموعة الألكيل يحوي 12 – 16 ذرة كربون، وذلك للتأثير على البكتريا بنوعيها (موجبة الغرام، وسالبة الغرام).

عدد كبير من مركبات الأمونيوم الرباعية له تأثير ضعيف على بعض الميكروبات مقارنة بغيرها؛ فتأثيرها على جنس الزائفة الزنجارية Pseudomonas spp أقل منه في حالة البكتريا العصوية Bacillus spp؛ لوجود طبقة من البروتينات الدهنية والدهون السكرية على الغلاف الخارجي (البيبتيدوغليكان)، ما يقلل من فعالية مركبات الأمونيوم خلال مهاجمتها للزوائف الزنجارية.

تأسيسًا على ذلك، فإن استعمال نوع واحد من المطهرات ليس كافيًا، لا سيّما في المؤسسات الطبية ومناطق العدوى، وإنما يجب اختيار المطهر المناسب وفق أسس بعينها، تشمل أخذ عينات من ردهات المستشفيات وغرف العمليات وعنابر المرضى ومطابخ المستشفيات، ثم زراعتها معمليًا والتعرف إلى الأنواع البكتيرية والفطرية والفيروسية الأكثر انتشارًا في المكان، ويتبع ذلك تصميم مطهرات تتوافق مع البيئة المحيطة.

يبقى التأكيد على أن الاستعمال العشوائي للمطهرات قد ينجم عنه مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية، وليس الأمر مقتصرًا على الاستعمال العشوائي للمضادات الحيوية نفسها؛ فقد أثبتت الدراسات أن البكتريا تطوّر من قدرتها على المقاومة في الحالين، ما يلزمنا أن نقنّن استعمال المطهرات، وألا يكون الأمر مشاعًا في غير موضعه.

تعمل الكحولات على إذابة دهون الغشاء الخليوي، فضلًا عن تجلّط بروتينات الغشاء، ما يعقبه فقدان الغشاء قدرته على النفاذ ؛ فتصاب الخلية بالجفاف وتموت.

ثانيًا: المطهرات غير الكحولية

إن كانت المطهرات الكحولية على الأغلب في صورة چـل مائي ونادرًا في صورة رذاذ (سبراي)؛ فإن المطهرات غير الكحولية تكون في شكل رغوة، وتعرف كيميائيًا Non-Alcoholic Foam، وتكون المادة الفعالة في هذه الحالة مختلفة بدرجة كبيرة. ربما تكون المادة الفعالة من مواد النشاط السطحي، خصوصًا مركبات الأمونيوم الرباعية، والتي تمتاز بفاعلية واسعة المجال ضد الميكروبات، ومن أشهر أمثلتها مادة بنزالكونيوم كلوريد Benzalkonium Chloride، أو تكون من المواد الأخرى مثل ترايكلوسان Triclosan ويدخل في عددٍ من مستحضرات العناية الشخصية، من الصابون إلى معجون الأسنان.

لكن ارتباط ترايكلسان بإحداث مشاكل في الغدد الصماء وعدم تحلله البيولوجي يقللان من فرص استعماله، وتأسيسًا على ذلك حظرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية استخدام الترايكلوسان في منتجات النظافة مع نهاية عام 2017.

من المواد الفعالة الأخرى في مطهرات الأيدي، مادة كلوروزيلينول Chloroxylenol والمعروفة اختصارًا PCMX، في حين تستخدم مادة بوفيدون آيودين Povidone-iodine -والمعروفة اختصارًا PVP- بشكل محدود مقارنة بالأنواع الأخرى؛ لأنها تصبغ الجلد والملابس بصبغة بنية، ويقتصر استعمالها حاليًا على تطهير الأسطح قبل الجراحة. دخلت مياه الأوكسجين (هيدروجين بيروكسيد) وحمض الهيدروكلوريك إلى دنيا مطهرات الأيدي، لكنها لم تلقَ انتشارًا كبيرًا حتى الآن.

لم تكتسب معظم المطهرات غير الكحولية ثقة الهيئات العالمية ذات الصلة، وربما سيتطلب الأمر مزيدًا من الوقت مقارنةً بمطهرات الأيدي الكحولية، كذلك فإنها تحتاج جهاز توزيع Dispenser، وتكلفته قد تكون عالية مقارنة بعبوات الچـل التي يسهل حملها في حقيبة اليد، أو حقيبة الظهر، أو حتى في جيب البنطال أو المعطف.

مسألة أخرى شائكة، وهي أن عبارة “خالٍ من الكحول” تنطبق على عددٍ كبير من المنتجات في السوق، ما يجعل قبول أغلب مطهرات الأيدي غير الكحولية بعيدًا عن موافقة FDA، ومن ثَمَّ لن تتح على المدى المنظور ضمن فئة OTC في الصيدليات والمراكز الطبية. في السياق، توجد مواد يجب أن يستعمل فيها الكحول ضمن هذه الفئة من التركيبات، ما يعني أنها ليست خالية تمامًا من الكحول، إنما يستخدم الكحول لإذابة المادة الفعالة في الماء، لكن دخوله بنسبة تقل عن 2.5% يجعلها خالية وفق القانون الأمريكي من الكحول.

الرغوة تغري العميل بالنظافة، إذ يربط كثيرون بين الرغوة والقوة التنظيفية والتطهيرية، وهذا الربط لا يستند إلى علم، خصوصًا وأن بعض الشركات تتجه إلى مواد ضعيفة الرغوة أو تضاف موانع الرغوة ومثبطاتها، وكذلك موانع تكسير الرغوة، وتستبدل المركبات الفوسفاتية غزيرة الرغوة بمركبات السيليكون عديمة الرغوة، كل ذلك تأسيسًا على ندرة المياه، وبُغية الحفاظ عليها قدر الإمكان، ولأسباب بيئية أخرى.

لعل الفرق بين النوعين، يفسر لنا الإقبال الكبير على المطهرات الكحولية، وخلال الأيام الماضية نفدت المطهرات من المملكة المتحدة، في محاولات مستميتة للحيلولة دون الإصابة بفيروس كورونا المستجد.

وعلى الهامش: ماذا عن غسل الأيدي بالماء والصابون؟ وهل يكفي لمحاربة كوفيد-19؟

للصابون خصائص مضادة للبكتيريا لكنها ضعيفة، ما لم يكن الصابون يحتوي على مادة قاتلة أو مثبطة لنمو البكتريا، في الوقت نفسه لا يقتل الفيروسات. يفضل غسل الأيدي بالماء الساخن والصابون وشطفها جيدًا تحت الماء لمدة 20 ثانية، ثم جفف يديك جيدًا بمنشفة يمكن التخلص منها، واغلق الصنبور بهذه المنشفة ورميها.

العام الماضي، أجرت الجمعية الأمريكية للميكرو-بيولوجيا دراسة، وتوصلت إلى أن استخدام الماء الجاري والصابون لغسل الأيدي يكون أكثر فعالية من كمية هلام مطهر توضع على الأيدي دون أن تُفرك جيدًا.

قد يبدو الأمر غير بديهي، لكن دراسة نشرت في المجلة الطبية Mayo Clinic Proceedings، في عام 2012، خلصت إلى أنه من وجهة نظر النظافة “المناشف الورقية أعلى من مجففات الهواء”، وذلك لأن المناشف تجفف يديك بسرعة أكبر وأكثر شمولية مما تفعل المجففات، ويحدث التلوث من خلال الأيدي الرطبة أكثر منه الجافة.

نفهم من ذلك، أن الماء الساخن والصابون يسهم في نظافة الأيدي، وتقليل نسبة العوامل المسببة للمرض، لكنه لا يفيد في كبح جماح الفيروسات بأي حال، وعليه فالحاجة إلى المواد المطهرة قائمة؛ لكسر دائرة العدوى وحماية النفس والآخرين من خطر الفيروسات.

ومن باب الإمعان في الوقاية، تجنب لمس أي شيء لا تحتاج إلى لمسه، وكن على دراية بما تلمسه مثل مقابض الأبواب وأعمدة الحافلات، وإذا لم تتمكن من غسل يديك أو استخدام الهلام بعد ملامسة الأشياء؛ فلا تلمس وجهك، لا تفرك عينيك، أو تلمس فمك، أو أي جروح إذا كانت يداك غير نظيفتين. حافظ على يديك بعيدًا عن وجهك، حتى تتمكن من الوصول إلى الهلام المطهر أو يمكنك غسلهما.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها