مصر ليست مؤهلة للديمقراطية…ولا للكورونا

ممرضة بمستشفى مبرة مصر القديمة تعلن إصابتها بكورونا

في بداية فبراير/شباط 2011 وأثناء لقائه إحدى القنوات الأجنبية، صرح اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصري الأسبق بأن “مصر ليست جاهزة للديمقراطية بعد”.

في بداية فبراير/شباط 2011 وأثناء لقائه إحدى القنوات الأجنبية، صرح اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصري الأسبق، والذي أصبح نائبا لرئيس الجمهورية أثناء الثورة المصرية بأن “مصر ليست جاهزه للديمقراطية بعد “.
بنى عمر سليمان استنتاجه هذا – والذي ثبتت صحته فيما بعد – بناء على المعلومات المتوفرة لديه كرئيس للمخابرات المصرية ومطلع على العديد من بواطن الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لا يعلمها إلا من كان في موقع السلطة التي كان يمتلكها، ومن الصعب أن يمتلكها غيره ممن هم في سلطة أدنى .

إذا فليس من الصعب أن تتوقع الحاضر أو المستقبل إذا كنت تمتلك ما يكفي من معلومات الماضي ومعطياته، وهذا مايمكن أن نطبقه اليوم على موقف مصر من أزمة وباء كورونا الحالية.

لكي نقرأ الماضي يجب أن نرجع عددا من السنوات إلى الوراء، ربما في بداية فبراير/شباط ٢٠١١ أيضا أثناء أحداث ثورة يناير عندما تجمع عدة آلاف من الأطباء بمعاطفهم البيضاء في ميدان التحرير ليقوموا بمسيرة في شارع القصر العيني ليطالبوا بسقوط النظام.
ورغم مهابة المشهد لمن حضره فإن المغزى من ورائه كان أكثر مهابة، ما الذي حرك كل هؤلاء الأطباء ليقوموا بكل تلك المسيره؟ لابد أنه شئ شاهدوه وعايشوه على مدار سنوات قبلها دفعهم إلى هذا الفعل الفريد.
من عمل في المجال الصحي في مصر في الثلاثين عاما الأخيرة – ربما منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي – يعرف تمام المعرفة مدى التدهور الذي لحق بهذا المجال، بداية من التعليم الطبي في كليات الطب المصري الذي لحقه مالحق من فساد وإفساد للتعليم المصري برمته، وصولا إلى التدريب الطبي من بعد التخرج والذي يحدث من دون منهجية ولا مساواة لإنتاج طبيب كفؤ قادر على التعامل مع الأمراض المختلفة.
 ومرورا بإهمال واضح من الدولة لأولوية المنظومة الصحية في الإنفاق وفي الرعاية، وانتهاء إلى فشل كامل في المنظومة الصحية في مهامها المعتادة من دون أي ضغوط مضاعفة.
فشل المنظومة الصحية في مصر لم يظهر مؤخرا فقط، بل كان له علامات ومؤشرات واضحة لايمكن أن تخطئها الأعين الخبيرة،  وإن كانت الحكومة تحاول التعتيم عليها طوال الوقت بالتصريحات والتبريرات التي لا تعدو كونها قنابل دخان! قد تخفي الحقيقة لبعض الوقت ولكنها لاتستطيع أن تمحيها أو تخفيها لكل الوقت.

تلك المؤشرات كانت تظهر في عدم كفاية أسرة الرعاية المركزة أو الحضانات للمرضى المحتاجين في الأيام المعتادة، تظهر أيضا في عدم وجود معلومات أو بيانات عن أعداد المرضى أو الإجراءات الطبية التي تمت لهم حتى نستطيع تقييم تلك الإجراءات أو تعديلها عند الحاجة، تظهر كذلك في عدم وجود بروتوكولات موحدة للتعامل مع الأمراض المختلفة في المستشفيات المختلفة، وبالقطع فإن نقص المستلزمات والأدوية والأجهزة في المستشفيات هو مؤشر  دامغ على فشل المنظومة .
وربما تصبح الأمور أكثر وضوحا واقترابا من الوضع الحالي، إذا عرفنا أن أساليب مكافحة العدوى التي يتوقف عليها التعامل مع الأزمة الحالية قد تم إهمالها عمداً أو عرضا على مدى عقود.
 فلم يتم تدريب الأطقم الطبية عليها بطريق أمنة،  ولم يتم توفير متطلباتها ومستلزماتها في كل الأوقات،  حتى أصبحت معظم الوفيات داخل المستشفيات والرعايات المركزة في مصر نتيجة للعدوى وليست بسبب الأمراض الأصلية، وهذا ما أسفر عن المشهد الحالي والذي نجد فيه أن إصابات الأطقم الطبية تشغل نسبة كبيرة من إصابات فيروس كورونا الحالية والتي قد تصل لـ١٥٪ من نسبة الإصابات.
لن نتطرق أيضا إلى عجز القيادات عن التعامل مع الأزمات الطارئة السابقة، أو عدم كفاية القوانين التي تحمي الأطقم الطبية من الاعتداءات أو حتى جدية السلطة في تنفيذ تلك القوانين
الخلاصة أنه من شبه المستحيل أن تأتي بطالب اعتاد الرسوب في الشهادة الإعدادية ثم تختبره في اختبار للفيزياء الكمية في نهائي كلية العلوم  وأنت تتوقع له النجاح، وكذلك فإن منظومة لا تستطيع أن توفي بالتزاماتها في الظروف العادية، من الصعب جدا أن تتوقع لها النجاح في اختبار فشلت فيه أعتى الأنظمة الصحية في دول العالم المتقدم، وذلك للأسف الشديد.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها