مصارحة حرة

أخبرتني بصوت مبحوح ونظرات فارغة:  

” أنا تلك التاء التي سقطت سهوا أو قصدا. أحملها كل حين وأستلقي على كل شاطئ يجرني إليه مركبي آملة أن تكون آخر المحطات فقد أتعبني التجديف. مركبي، كما هي روحي، مليئة بالثقوب، خشبه مخروم لم يعد يقوى الأمواج.”

ظللت أصغي و أنا في حيرة من أمري،  لماذا في كل مرة أتقاسم الحديث مع إمرة ناجحة مهنيا وحرة فكريا، أجد داخلها منخور؟

أهي ضريبة النجاح والاستقلالية؟ أم ضريبة الأنفة والكرامة؟

استرسلت قائلة:

أتعلمين أني وإن حققت ذاتي مهنيا وتحررت نوعيا، أظل ناقصة في أعينهم؟ 

لم أجبها إلا بوجه صامت فأنا أعرف مسبقا ما ستقوله، أتممت:  

” سأظل ناقصة يا صديقتي وستلتصق بي كل الصفات المؤنثة التي لا تعيب إلا جنسنا. سيتفنون في اختراع عيوب لي، وسينتقصون من أنوثتي فأنا الثلاثينية العازبة.

ستظهر بصديقاتي المرتبطات أعراض الخوف من العين والخوف على أزواجهن.

سيصفني بعضهم بالمتطلبة وأني أبحث عن ذاك الغني ذو القبعة والنظارة السوداء وسيتعاطف بعضهم معي، أترين إلى أي حد يقصيني هذا المجتمع في كل مرة أخالف نماذجه؟

رمى بي حديثها إلى عالمي المليء بالتساؤلات:

كيف يستطيع المرء تجريد نفسه من أحكام المجتمع ؟ كيف يستطيع أن يجانس مجتمعه من دون أن يصاب بإسكزوفرينيا؟

هل يستحق المجتمع منا كل هذا العناء؟ ماذا لو عاش كل منا حياته من دون أن يعاني من فوبيا الاختلاف؟

ماذا لو نتزوج من نحب من دون نضع بعضنا في قوالب المادة والبحث عن المراتب كأننا في مزاد علني لهذه الروح؟

هل ستغير الأرض منحى دورانها لو تحررت كل واحدة من زوج أتعبها حتى اعتنقت الصمت والدمع والأسى، من دون أن تخاف لقب مطلقة؟

ماذا لو تركونا نناقشهم عما قد يسعدنا من دون أن نخاف عقولهم الضيقة؟ سنرتاح حتما إن تركونا نحتضن هذه النفس المتعبة ونصارح بعضنا ونتصالح مع ذواتنا.

 ماذا لو نرحل عنهم ويرحلون عنا إذا ما انتهى هذا الحب الذي يهب النبض للعمر من دون أن يمنعنا قرض البيت المشترك الخالي من الحياة وعقد السيارة وربما أجر “البيبي سيتر”؟ ماذا لو تركونا نختار الشريك الذي سنهبه العمر وربيعه وكل مدخرات الروح وإن واشك اختيارنا سن اليأس؟

 آه لو نعيد ترتيب حساباتنا بعيدا عن مركبات العقد اللمفاوية التي تهاجم كل عنصر مختلف وكأنه خلية سرطانية.

يكفينا حروبا نفسية، ارتقوا بالنفس لنصل ذروة من المبادئ الكونية للسلام الروحي.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها