مبادرات “التطبيق” لا “التصفيق”

كلامي ليس نوعا من نشر الاحباط واليأس، بل محاولة لوصف واقع مرير نحيا فيه، فإن لم نحسن الوصف، فلن نحسن العلاج، ولابد من الوصف بشفافية كنوع من قياس الواقع

منذ الانقلاب العسكري وحتى الآن تخرج علينا مبادرات وإعلانات ووثائق بأسماء مختلفة، وتصدر من حركة أو تنظيم أو جماعة أو جمعية أو رابطة أو حتى شخصيات.. إلخ، تصدر باسم تجمع أو ائتلاف أو شخص واحد أو عدة شخصيات.

ظهر للعيان ونشر وأعلن الكثير مما ذكرنا، فهل يستطيع القارئ المتابع للأحداث والمهتم بالشأن الوطني أن يذكرها ويحصيها، فضلا عن ذكر أهدافها ومراميها؟ لا أنتظر الإجابة فهي متوقعه ومعلومة، فلن يكون هناك من يقول “نعم أنا لها” إلا بالرجوع لمحركات البحث على شبكة المعلومات مع إعطائه الوقت الكافي للتمحيص ليعطينا إجابة وأظنها ستكون تقريبية، وليست على سبيل القطع، هذا عن المهتم بالشأن الوطني، فما بالنا بالشعب وهو المعنى بالموضوع أصلا، ومن المفترض أنه هو موضوع المبادرات المختلفة.

ونجد في النهاية تلك المبادرات وغيرها، تأخذ حظها من الإعلام لأيام أو ساعات، ثم ما تلبث حتى يطويها النسيان، إلا على أصحابها الذين يطول معهم الأمد قليلا، فتجدهم يستخدمون اسمها عند إصدار بيانات تعليق على أي حدث، أو يظهرون على فضائيات لا يشاهدها إلا نحن وينعتون أنفسهم باسمها، ثم بعد ذلك يطويها النسيان، بل وتجد أصحاب هذه المبادرة أو تلك يدشنون أخرى بعد فترة وتمر بذات الطور من الحياة حتى الممات، وهلم جرا.

ولو دققنا البحث سويا لفحص ما صدر من مبادرات بأشكالها المختلفة منذ الانقلاب حتى الآن للوقوف على الفوائد التي قد تكون تحصلت للقضية المصرية بالداخل والخارج، وحجم هذه الاستفادة، أظنكم ستشاركونني الرأي بأن الفائدة ليست على المستوى.

لايزال الانقلاب بكل أدواته يعيث فسادا ويحقق نجاحات على المستويين الإقليمي والدولي، فضلا عن المستوى الشعبي، الذي أتفق مع من يقول عنه إن شعبية السيسي قد قلت، ولكنها لاتزال قوية، بالرغم من الإخفاقات الاقتصادية واستشراء الفساد والمحسوبية وتسلط العسكر على كل مفاصل الدولة، ولاتزال شريحة عريضة من الشعب مؤيده للانقلاب، إما حبا وإما جهلا أو تغييبا.

ومازالت آلة البطش تدور رحاها في صفوف مناهضي الانقلاب وغيرهم، ومازال الآلاف يقبعون في المعتقلات محرومين من أبسط حقوقهم وحاجاتهم الإنسانية، وتمارس ضدهم صنوف من التعذيب البدني والمعنوي، بما فيها سياسة التجويع، ويقتل المرضى منهم بالإهمال الطبي المتعمد، فضلا عن إصابة الكثير منهم بالأمراض جراء ظروف المعيشة غير الآدمية والتي لا تتناسب حتى مع الحيوانات.

وعلى الصعيد الدولي، السياسي والحقوقي والقانوني، لا نجد إحرازا لأي تقدم، فالدول سياسيا تتعامل مع الانقلاب بأريحية كاملة، وحتى الدول التي كان لها موقف من الانقلاب في أوله بدأت مواقفها تتبدل، وحتى الداعمة لمناهضي الانقلاب بالخارج ضعف دعمها شيئا فشيئا، وحدث ولا حرج عن الملفين الآخرين فلم يحدث فيهما أدنى تقدم.

فرغم الجرائم التي ارتكبت وترتكب من الانقلاب وأجهزته، فإننا لم نستطع حصاره قانونيا ولا حقوقيا، اللهم إلا النزر اليسير في ملف حقوق الإنسان، بل وحوصر الكثير من مناهضي الانقلاب خارجيا بسبب نجاح الانقلاب في تحريك قوائم الإنتربول والتنسيق الأمني حتى مع دول يقال إنها ضد الانقلاب.

وتحليلي هذا للمشهد لا يعنى أني أنكر الجهد المبذول في الملفات الثلاثة من بعض الأفراد أو الكيانات أو المؤسسات، شكر الله لهم جهدهم، ولكني أتحدث عن المردود والعائد وإنجاز الأهداف، ورغم المجهود المبذول – الذي أراه غير كاف بالمرة – لا نكاد نرى مردودا.

وكلامي ليس نوعا من نشر الإحباط واليأس، بل محاولة لوصف واقع مرير نحيا فيه، فإن لم نحسن الوصف، فلن نحسن العلاج، ولابد من الوصف بشفافية كنوع من قياس الواقع، ولابد أن نقيس لكي نستطيع أن نطور، فما لا يمكن قياسه، لا يمكن تطويره.

كلامي محاولة لرسم واقعنا أمام أعيننا عسى أن نراه بعين البصيرة لا البصر، فنحاول جاهدين تغييره والانتقال من التصفيق إلى التطبيق، من المبادرات الورقية والاستعراض الإعلامي إلى المبادرة للتوحد ولم الشمل والعمل بجد واجتهاد.

أدعو كل القوى، الحركات، التنظيمات، المستقلين، الحزبيين، كل من في عروقه دم وطني أيا كان انتماؤه، الكبير والصغير، الشاب والعجوز، الرجل والمرأة، المسلم والمسيحي، أدعوكم إلي كلمة سواء، تجمعنا ولا تفرقنا، كلمة يتنازل فيها الكبير للصغير، القوي للضعيف، يتراجع كل منا خطوة للوراء لتنظيم الصفوف، ننحي خلافات الماضي ولا نجترها، فلكل منا أخطاؤه في الماضي والحاضر، ندع الاتهامات جانبا، ونضع نصب أعيننا وطنا غاليا نفيسا يدمر.

لا كلام عن محاصصة، الكل سواء حتى يضع الانقلاب أوزاره، تجمعنا مائدة واحدة، مستديرة لا رأس لها، كل القضايا مفتوحة للنقاش والتحاور، لا فرض لأجندات مسبقة، ولا خطوط حمراء، ولا فرض لوصاية، لا حظر ولا تهميش لأحد ولا لفصيل، الكل سواء، لا فضل لذي العدد الكبير، ولا غمط لذي العدد القليل.

الوحدة والاتحاد هدفنا، فما نجح الانقلاب إلا بتفرقنا، نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بَعضُنَا بعضا فيما اختلفنا فيه، ولئن نجتمع على الصواب خير من أن نفترق على الأصوب، مصلحة الوطن تقتضي التنازل ولين الجانب بيننا وبين بَعضنا، ونكون غلاظا شدادا على الانقلاب.

تلك أوليات لابد من الاقتناع والإيمان بها قبل أن نتحدث عن فحوى أي مبادرة أو إعلان، اخلعوا عنكم كل الأسماء والمسميات، أيا ما كانت جماعة أو جمعية أو مجلس أو تنظيم.. إلخ، إلى بوتقة واحده تجمعنا، يكفينا مصريتنا ووطنيتنا، نتجمع ونأتلف وننحي الخلافات والأخطاء والأغراض الشخصية ونعمل لهدف واحد، إنقاذ وطن يدمر وبلد يحرق وشعب يباد، أنقذوا الوطن، أنقذوا ما تبقى من الوطن.

وللحديث بقية إن شاء الله

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها