ما لا نعرفه عن معاني الثقافة والزراعة والسرعة!

الفلاح المصري

اتفق الرياضيون وتبعهم اللغويون و المعجميون و أقرتهم المجامع اللغوية على أن المقابل العربي لكلمة Velocity هو (السرعة) أما المقابل العربي لكلمة Speed فهو (مقدار السرعة).

عرف من عبقرية اللغات أنها تستطيع أن تعبر بكلمة واحدة عن كلمات متعددة، وهذه هي العبقرية التي تتمثل بوضوح في فكرة المصطلحات.

فالمصطلح يختصر جملة (قد تكون طويلة) أو فقرة كاملة في كلمة واحدة أو في كلمتين ، وهذا واضح في كلمات من قبيل الديموقراطية والرأسمالية والاشتراكية والديكتاتورية والجدوي والكفاءة والاحتلال والاستقلال والتدافع والحلول.. الخ.

لكن من طرائف اللغات وطبائعها  العبقرية أنها  تفرض علينا حالات تلزمنا بضرورة اللجوء إلي كلمتين لنترجم أو نقابل بهما كلمة واحدة لا يمكن أبدا أن تترجم بكلمة واحدة كالعادة..

وفي مقابل هذا فإن هناك حالات أخري تتمثل في كلمتين لا يمكن لهما أن يترجما إلا بكلمة واحدة وإلا صارت الترجمة مضحكة وساخرة.

سأبدأ بالمثل الأول لأنه يحتاج إلي توضيح لابد منه في الفكر العمومي وفي الفكر السياسي أيضاً.. نحن نعرف في اللغة الإنجليزية كلمتين للدلالة علي السرعة هما كلمتا  Speed & Velocity  ..

ما الفارق بين الكلمتين وهل نحن مضطرون إلي إثبات هذا الفارق في المقابل العربي لهاتين الكلمتين أو المصطلحين بتعبير أدق؟

مفهوم الزراعة

 

و للإجابة علي هذا السؤال نبدأ بداية رياضية علمية ونقول إن السرعة ليست مقداراً فحسب وإنما هي مقدار واتجاه..

وببساطة شديدة (بعيداً عن الآلات الدقيقة وحركة الأجسام في أوساطها الرياضية والفيزيقية) فإننا إذا تركنا القاهرة في السيارة بسرعة 100 كيلومتر في الساعة فلا بد عند الحسابات أن نحسب هل هذه السرعة في نفس الاتجاه أو في الاتجاه المعاكس، أي هل تتحرك هذه السيارة في اتجاه الإسكندرية أم في اتجاه أسوان؟

فإذا كنا مثلا سنحسب الفارق في المسافة بيننا وبين من يسير بسرعة 80 كيلومترا في الساعة في اتجاه الإسكندرية فإن الفارق بيننا بعد ساعة سيكون 20 كيلومترا فقط أما إذا كان الآخر يسير في إتجاه أسوان فإن الفارق بيننا بعد ساعة سيكون 180 كيلومتراً.

هنا نفهم أن السرعة التي تعنيها كلمة Speed هي السرعة بدون ذكر الاتجاه ، أما السرعة التي تعنيها كلمة Velocity فإنها تستلزم ممّن يستخدمها أن يكتب الاتجاه مع السرعة، فلا تكون هناك 80 أو 100 وإنما تكون +80 أو -80 أو +100 أو -100 أي أن الكلمة تحتاج إشارة الاتجاه بالإضافة إلي المقدار.

اتفق الرياضيون  وتبعهم اللغويون و المعجميون و أقرتهم المجامع اللغوية على أن المقابل العربي لكلمة Velocity هو [السرعة] أما المقابل العربي لكلمة Speed فهو [مقدار السرعة.

وهكذا فإن المصطلح ذي الكلمة الواحدة في اللغة العربية يقابله في الرياضة عنصران [إشارة الاتجاه وعدد] وبالعكس فإن المصطلح ذي الكلمتين في اللغة العربية الذي هو مقدار السرعة يقابله في الرياضة عنصر واحد هو رقم واحد يحدد مقدار السرعة بدون ذكرٍ لاتجاهها. وببساطة شديدة فإن:

السرعة = +60 = Velocity 

ومقدار السرعة = 60 = Speed

اتفق الرياضيون  وتبعهم اللغويون و المعجميون و أقرتهم المجامع اللغوية على أن المقابل العربي لكلمة Velocity هو [السرعة] أما المقابل العربي لكلمة Speed فهو مقدار السرعة.

ننتقل من هذا المثل إلي مثل آخر ربما يتعجب له القارئ وربما يصادفه لأول مرة بالطريقة التي نعرضها به هنا ، فنحن نعرف ان هناك وزارتين مختلفتين وبعيدتين في مجال عملهما هما وزارة الزراعة، ووزارة الثقافة.

لكن اللغة وبخاصة اللغة الإنجليزية لا تعرف فارقاً بين اسمي الوزارتين فالزراعة هي Agriculture والثقافة هي Culture  وليس هذا بغريب، وإذا أردنا الترجمة العربية الدقيقة فإن الأولي بكلمة وزارة الزراعة هي وزارة الثقافة ، وليس وزارة الزراعة!

أما المعني الحقيقي لاسم وزارة الزراعة في اللغة الإنجليزية فهو زراعة الأراضي وليست الزراعة علي وجه العموم لأن الزراعة التي  علي وجه العموم [في الحقيقة] هي الثقافة،وكما يدل المقابل العربي الذي نستخدمه دون انتباه إلي هذه الجزئية..

وإذا فهمنا كلمة الثقافة علي حقيقتها وهي أنها الزراعة فسوف ندرك الفارق الحقيقي بين الثقافة والتربية، وهو الفارق الذي يتجلي في فصل الوزارتين أو في فصل المفهومين في الحياة.. 

فالتربية عملية موجهة تفاعلية مقصودة ذات بداية ونهاية وهدف مرتبط بأطرافها (أو بأطراف العملية التربوية من المتلقي والقائم بالتربية أو الأستاذية) أما الزراعة فهي كما يفهمها المختصون والتربويون عملية أوسع نطاقاً وأوسع أثراً وأرحب مدي، وإن كانت في جوهرها عملية تربوية اختيارية ذكية..

ولهذا فإننا إذا استحضرنا من العالم الآخر عالم الخلود عالما من علماء المصطلح  والمعاجم توفي قبل قرون ولم يعلم بأمر التطور التاريخي في استعمال اللفظين فإنه سيُسمي وزارة الزراعة وزارة زراعة الأراضي بينما يحتفظ باسم الزراعة لوزارة الثقافة وحدها.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها