ما الحل لأزمة اضطهاد الأقليات؟

 

أربعة إجابات لسؤال طرحته في المقال السابق حول مآلات العنصرية في الولايات المتحدة بين التاريخ والانتهازية السياسية.

هذه الحلول الأربعة لاضطهاد الأقليات ليست مذاهب صاغتها قريحتي أو تمخضت عنها إرادتي. هي ممارسات تاريخية سنسوق لها تأصيلها ودلائلها ونمر سريعاً على تقييمها.

لا أزعم بداية إن أحد الحلول مفضل على الآخر وكما نقول في المثل الصعيدي: كل شيخ وله طريقة.

الاندماج:

هي النظرية المفضلة للقوميين واليمينيين والجمهوريين والمحافظين ومن على هواهم السياسي. مثلاً: أن تُقدم إلى فرنسا مهاجراً،فهذا يعني سلفاً أن تنصاع لهوية مجتمعية وثقافية واحدة، الفرنسية.

هذا الحل يرحب بك ولو نظرياً إذا ما ذبت تماماً في هذه الهوية. عليك أن تنحي لكنتك وجذورك العرقية ومعتقداتك الدينية إذا ما تعارضت مع الهوية الأولى، الفرنسية.

هذا الحل يهرب من الصدام الثقافي والإجابة عن تساؤلات الهوية والعرقية، وكيف يمكن استيعابها في مجتمع متنوع. لكنه لا يتورع عن الصدام متى أتيحت الفرصة ليثبت تفوق الهوية القومية على ما عداها.

يقدس المؤمنون بالاندماج علم بلادهم. هم قوميون حتى النخاع. تراهم أوائل المتطوعين في الجيش، وأول المهللين لفوز المنتخب الوطني والمتعصبين ضد من ثقُل لسانهم عن إتقان لكنتهم. هم الـ Patriots كما يسميهم المؤرخ الأميركي اليساري الراحل هاورد زين.

يقول عنهم: “تقوم فكرة الوطنية على مبدأ توافق مصلحة الفرد والحكومة. لذلك، إن قررت الحكومة خوض حرب ما، فمن واجب الفرد الوطني الانصياع لهذا القرار من مبدأ إثبات حبه لوطنه. “

ما الذي يدفع المهاجر حديثاً للخوض في غمار حروب معظمها على البلد التي جاء منه أصلاً؟ إنها وثيقة المواطنة غير المكتوبة. أن تخدم في الجيش فذاك الوسام الذي سيجبر كل جيرانك – خصوصاً البيض منهم- على الاعتراف بحبك لأمريكا وبالتبعية، عدم تطرفك.

هذا يفسر موقف المهاجرين المندمجين من قضايا الهجرة، أمن الحدود، الشرطة، التسليح والإرهاب. هم جند الدولة المخلصون ولذلك تغذيهم دوماً بالخوف الذي يحكم وشائجهم. منبع هذا” البعبع“قد يكون داخلياً أو خارجياً (الحرب على المخدرات أو الإرهاب).

الحل لدى هؤلاء: إما أن تكون شبهي، أن تذوب في مجتمعي أو تختلف فتكون عدوي.   

لذلك كانت قدرة المسيحيين العرب على الاندماج أكبر.

تؤكد المؤرخة الأميركية -اللبنانية الأصل أليكسا ناف- أنه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومع بدأ وصول وفود المهاجرين العرب للأميركيتين، كانت تلك الأفواج في معظمها من الشوام المسيحيين الذي وجدوا أنفسهم في مأزق لا يحسدون عليه: من الغرب، أوروبا تستخدمهم كورقة ضغط بزعم اضطهادهم دينياً. ومن الشرق، روسيا تجتاح أطراف مملكتهم في البلقان وشبه جزيرة القرم.

 لا نأمن على أنفسنا مع القيصر ولا المستعمر الأوروبي. فأين المفر؟

 بيض البشرة ملونو الأعين ويصلون للمسيح المخلص حتى وإن كانوا من الأرثوذكس الشرقيين. يؤمنون بالأسرة وتكوين الثروة الفردية ويبغضون الإجهاض والمثلية ويعشقون تراب أمريكا التي أنقذتهم من جور الدولة العثمانية.

حل الاندماج بين المحافظين والعرب منطقي: المجتمع العربي الأمريكي المسيحي يتفق ماليا مع الجمهوريين في الإيمان برأس المال. اجتماعياً: يؤمن الفريقان بالقيم المحافظة للمجتمع من الأسرة النووية، عدم تعدد الزوجات أو ممارسة الجنس خارج العلاقة الشرعية. ثقافياً: يتفق الفريقان في قضايا الأسرة، التدين، المثلية، الإجهاض. إلخ

أهلاً بكم في الحلم الأميركي!

لذلك وحتى اليوم، يصنف العربي عرقياً على إنه من البيض! حتى أنا مع بشرتي التي لا تختلف كثيراً عن لون طمي وادي النيل صنفوني كأبيض.

لعل ذلك يفسر تصويت العرب الأمريكيين” تاريخياً “بنسبة كبيرة للحزب الجمهوري الذي دوماً ما يرفع شعارات قومية محافظة.

يقول مدير معهد العرب الأمريكيين والسياسي المخضرم جيمس زغبي:

“هناك عرب أمريكيون ملتصقون بالجمهوريين من الناحية الثقافية، وببساطة لا يمكنهم أن يصوتوا لصالح ديمقراطي“.

كل ذلك كان يعني إن العرب قذ وجدوا بالفعل الحل لحمايتهم من الاضطهاد. لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أجبرتهم على الاقتناع بأن الاندماج الكامل ليس الحل.

على خلفية تلك الهجمات، اجتاحت الولايات المتحدة موجة مضادة من ترهيب المسلمين. ولأن العرب المسيحيين والمسلمين أبناء جلدة واحدة، ذاق كثير من المسيحيين صنوف الاضطهاد الذي لطالما أمنتهم هويتهم الدينية منه.

كثير من المسيحيين العرب انسلخ طواعية من عباءة الاندماج تضامناً مع جاره المسلم. كانت القومية العروبية أقوى من الأميركية. لم يطق كثير منهم الانتظار ليؤكلوا كما أكل الثور الأسود.

فشل حل الاندماج إذاً، فما البديل؟

إلى المدونة القادمة

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها