مايكل سيدهم يكتب: الحرب المقدسة والحقيقة المطلقة

الحقيقة البسيطة واضحة وضوح الشمس، وقلتها هنا منذ البداية، وهي أن المسيحية لا يوجد بها فكر الشريعة أو الجهاد أو غيره من الأمور التي تصيغ علاقة الفرد بالمجتمع. يتبع

 

أود أن أبدأ هذا المقال بتنبيه القارئ أننا بصدد الحديث عن أحد الموضوعات التي يتداخل فيها ما هو ديني عقيدي مبني على الغيبيات الإيمانية بما هو سياسي مبني على الحقائق والأرقام والمصالح.

ومن هنا يجب أن نفهم أن حجم الدين الحقيقي في المعادلة لا يتخطى حجم تأثيره في ثقافة الشعوب فقط؛ أي أن المسألة لا تتعلق بإيمان أحد أياً من كان، بل تتعلق بالسياسة والمصالح، وهنا فأنا أجيب على تساؤلات بديهية في ظل متغيرات واقعية، الآن أبدؤها بطرح السؤال التالي: هل يوجد شيء اسمه الحرب المقدسة في المسيحية؟!

ومجدداً نظراً لأننا لسنا بصدد الجدل الديني الطويل فأنا سأصل للنتائج الفكرية المعروفة والمسجلة ويعرفها أي مطلع وباحث في العالم كله بمسيحييه وغيرهم، وهي أن صفة الحرب وصفة التقديس لا يمكن أن يتلاقيا أبداً في المسيحية، بل إن فكرة الحرب في المسيحية هي فكرة مرفوضة تماماً من الأساس، وهي سلوك فردي لفرد أو مجموعة أفراد لا أساس مسيحي له خاصة أن المسيحية لا تعرف فكرة الشريعة.

و من هنا فإن تصرف الكنيسة الروسية هو تصرف خاطئ بمقاييس المسيحية البسيطة التي يعرفها ويفهمها حتى الأطفال في الكنائس، وهي المسئولة عنه، وهو بالطبع له تفسير في الإطار السياسي الذي تحدثنا عنه باعتبارها مؤسسة روسية تساند وتدعم الحكومة الروسية في مواقفها وقرارتها السياسية فلا يوجد في المسيحية فكرة الجهاد أو رفع السلاح عموماً واستخدامه تحت أي مسمى ديني باسم الله أو غيره بأي شكل من الأشكال.
ولذلك فإن من يموت من المسيحيين في الحروب كمقاتل في تلك الحروب لا يعتبر شهيداً دينياً أو شهيداً في الكنيسة، بل يمكن أن يعتبر شهيداً لدى الدولة كشهيد لوطنه ليس إلا؛ وإلا لكان شهداء حرب أكتوبر من المسيحيين شهداء في الكنائس، فهم ليسوا كذلك بل يعتبروا شهداء للوطن وللدولة.

و لعل تلك الخطوة الروسية التي أخذت طابعا دينيا في شكلها الظاهر هي بهدف إظهار واستعراض القوة الثقافية أو الحضارية إلى جانب العسكرية في صراعها مع تنظيم الدولة (داعش) الذي يقوم بالمثل مستخدماً المظاهر الإسلامية في الجانب المقابل، وهي تأتي كرد على داعش في هذا الإطار خاصة في ظل الصمت المتغاضي أو الراضي بالفكر الداعشي داخل المجتمعات الإسلامية في الشرق والغرب.

وكأنها تقول العين بالعين، وكأنها تضع العالم المسيحي في كفة في مواجهة العالم الإسلامي لكي يخرج مسيحيون يدافعون أو يهاجمون أو يصمتون على التصرفات الروسية هذه، ولكن باختلاف الخلفية الثقافية المسيحية عن الإسلامية فلا يحتاج أحد من المسيحيين في العالم أفرادا أو مؤسسات لفعل هذا.

ولكن حينما ننظر للأمور من هذا المنظور ستأتي الصدمة لمن اختار أن يكون نصيراً للعقل والإنسانية، إذ أن الحقيقة البسيطة واضحة وضوح الشمس، وقلتها هنا منذ البداية، وهي أن المسيحية لا يوجد بها فكر الشريعة أو الجهاد أو غيره من الأمور التي تصيغ علاقة الفرد بالمجتمع وشكل ذلك المجتمع.. إلخ؛ بل هي مقتصرة على علاقة الفرد بالله.

فالإسلام إذن يقدم نموذجاً للمجتمع ويقدم أسلوباً للمعيشة بالطبع يربط ما هو ديني أو عقيدي بما هو حياتي في ذلك النظام؛ ولكن الأمر لا يتوافر في المسيحية، بل يقتصر على اليهودية والإسلام. ولذلك إن اعتبرنا وجود طرفين للاختيار بينهما في تلك المعادلة فإننا نستطيع أن نقول إننا إمام حزبين: الأول له كيان ومنهج وطريقة عمل، أما الآخر لا، وبالتالي نحن حقيقة أمام اختيار واحد، إذ أن البديهي والمنطقي والنتيجة الوحيدة هو أننا لسنا أمام اختيار أساسا، إذ لا وجه للمقارنة، فالعاقل وبغض النظر عن معتقداته الدينية أو الإيمانية سيختار الإسلام، لأن الاسلام وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه كنموذج هو نموذج وطرف حقيقي.

ولكي تستطيع أن تفهم هذه النتيجة أشير عليك بأن تقرأ عن تاريخ الإسلام وتاريخ المسيحية و مراحل تطورهما المختلفة مستدلاً في بحثك بطبيعة الاختلاف بينهما من الناحية الدينية.

وأعتقد أن رؤية الأمور من هذا المنظور هي التي تستطيع أن تجيب على التساؤلات وعلامات الاستفهام والتعجب التي يواجهها مسيحيو الشرق الأوسط في سوريا والعراق ومصر خلال محاولاتهم لتفسير وفهم الواقع الذي يجري من حولهم حتى يدركوا أن الرجاء بروسيا أو غيرها ليس حلاً، ولن يغير في واقعهم شيئاً إلا إلى الأسوأ كورقة يتم التلاعب بها وعليها في الصراع الدائر في الشرق الأوسط.

مايكل سيدهم

ناشط سياسي مصري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها