ماجدة العرامي تكتب: زجاجة عطر أم كتاب؟

بعيدا عن السياسة والضخ (الزخم) اليومي لأحداثها وبحثي عن مستجدات تكتب صادفني موقف يلخص قضية “حرية المرأة في مجتمعاتنا العربية”. يتبع

 

بعيدا عن السياسة والضخ (الزخم) اليومي لأحداثها وبحثي عن مستجدات تكتب؛ صادفني موقف لم أتردد في تدوينه يلخص قضية ليست اقل أهمية من السياسة، وهو “حرية المرأة في مجتمعاتنا العربية”.

الموقف آثار استغرابي و أسفي في ذات اللحظة، فكأي إنسان يؤمن بقيمة الحرية ويدافع عنها فلا بد لي من الاستماتة في الدفاع عنها.

ونظرا لكوني امرأة فلا عيب أن أدافع عن حرية المرأة في مجتمعي.

والأهم من ذلك أن إسلامنا خص المرأة في الذكر، وكرمها في العديد من الآيات. والحرية قيمة لا يمكن العيش من دونها؛ فالإنسان الكائن العاقل خلق حرا، والعصفور الكائن الغريزي يطوق للحرية، والدليل ردة فعله عند إطلاق سراحه من القفص.

و لكي لا نضيع في الأمثلة

كنت كأي فتاة أسعى للدفاع عن حريتي وحرية المرأة في مجتمعي؛ خاصة وأنه صار ضحية نظرة الاحتقار التي يوجهها له الغرب.

بخصوص هذه القضايا فالغرب ينظر لمجتمعنا العربي نظرة “المجتمع الذي يقيد حرية المرأة” .. المجتمع المتصلب الذي يمجد الرجل ويقصي المرأة المجتمع الرجعي الذي يضغط على المرأة وبالأغلال يقيد حريتها.

المفارقة هو أن نظرة الغرب ضيقة أمام هذه القضية، وهذا لم يعد يؤسفني بقدر ما أسفني تفكيرنا نحن العرب تجاه هذه القضية، فالموقف الذي صادفني يبدو في ظاهره بسيطا لكنه يخفي في باطنه استنتاجا واضحا رأي العين.

والدليل ما تبثه أفلامهم من صور، فمثلا يجسدون الرجل العربي في صورة رجل يرتدي العمامة والجبة ويمتطي حمارا للتنقل، ولا تختلف صورة المرأة أيضا التي يرمزون لها بصورة الكائن المطيع الذي ينحصر دوره على شؤون المنزل، ولا يملك مثقال ذرة حرية.

المفارقة هو أن نظرة الغرب ضيقة أمام هذه القضية، وهذا لم يعد يؤسفني بقدر ما آسفني تفكيرنا نحن العرب تجاه هذه القضية؛ فالموقف الذي صادفني يبدو في ظاهره بسيطا لكنه يخفي في باطنه استنتاجا واضحا رأي العين.

فقد مررت ببائع كتب على الرصيف فجذبني عناوين الكتب، ووقفت أتصفحها عساي أظفر بكتاب أو رواية تحملني إلى عالم الخيال وتبعدني عن ضجيج الحياة ورتابتها.

وكما كان في الحسبان عثرت على الكتاب المرجو، وعلى رواية جذبني غموض عنوانها. ابتعت الكتاب الفلسفي والرواية و توجهت إلى العمل.

أول ما اعترضني نظرات زميلة لي، نظرة استغراب إلى الكتب تصاحبها ضحكة تنم عن سخرية، وبادرتني بقهقهة و قالت “هل اشتريت كتب.. أما كان أحسن أن تشتري أدوات تجميل أو قارورة عطر .. نحن مجتمع نقيم حرية المرأة من مظهرها الخارجي لا من فكرها .. كم أنت تقليدية يا صديقتي.

وهنا تقبلت رؤيتها وقلت: هذا موقفك وأنا على يقين تام بعدم انضمام أحد إلى موقفها. تعهدنا أن نطلع على مواقف بقية الزملاء وكأننا نلعب لعبة الورق، ورحنا نستكشف آراء البقية بخصوص هذا الأمر.

ربما تكون هذه عينة صغيرة؛ لكنها ليست بمعزل عن رؤية مجتمعاتنا لهذه القضية أو ربما الأجيال التي تعقبه. كيف لا والإعلام الغربي يسعى لزرع فكره في مجتمعاتنا والمنبني على عقلية  أن المرأة مادة و جسد، ومناداة المرأة الغربية للحرية عن طريق حركة فيمن أو غيرها كتعبير لحرية المرأة.

كانت العملية شبيهة بسبر الآراء، وكنت أسأل وأنا على ثقة بانضمام شخص أو شخصين على الأقل إلى موقفي في أن حرية المرأة مرتبطة بالفكر قبل المظهر. والحرية ليست قارورة عطر أو لباس على الموضة بقدر ما هي حرية فكر وثقافة، حتى بانضمام زميلتين إلى  موقف زميلتي لم يثنني عن الاطلاع عن مواقف البقية وحتى الرجال منهم.

كان الهدف من سؤالي هو الوقوف على نظرة جيلنا إلى حرية المرأة في فكرها.

 ودفاعي عن الكتاب لحظتها لا يعكس رفضي لقارورة العطر طبعا؛ ولكن يعكس تفضيلي للكتاب لو خيرت بينه وبين أدوات تجميل أو قارورة عطر.

وإيمانا مني بأولوية تعطير فكري بالعلم قبل أن أعطر جسمي بعطر زائل يتلاشى في الهواء في أول هبة ريح، فكل منا له  سلم أولوياته الذي يجب احترامه.

وما أثار أسفي أن الكل دافعوا عن موقف زميلتي، خرجت أشعر بمرارة؛ لا بمرارة الهزيمة في هذه اللعبة لكن بمفعول ما تراءى لي من نظرة أبناء وبنات جيلنا إزاء هذا.

ربما تكون هذه عينة صغيرة؛ لكنها ليست بمعزل عن رؤية مجتمعاتنا لهذه القضية أو ربما الأجيال التي تعقبه. كيف لا والإعلام الغربي يسعى لزرع فكره في مجتمعاتنا والمنبني على عقلية أن المرأة مادة وجسد، ومناداة المرأة الغربية للحرية عن طريق حركة فيمن أو غيرها كتعبير لحرية المرأة.

ألا يقيم هذا دليلا صارخا عن نظرتهم الضيقة لحرية المرأة؟ والتي بدأت تنقل عدواها إلى عقول مجتمعاتنا ليصبح عيبا أن تفضل المرأة كتابا على قشور زينة خارجية؟

و يا أسفاه أن تصبح الحرية لباسا و مظهرا.

صحفية ومدونة تونسية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها