لماذا لن تنتهي العنصرية في الولايات المتحدة؟

 

ما هي الدولة التي تقفز لذهنك حينما تقرأ الكلمات التالية؟

Islamophobia, Xenophobia, anti-Semitism

إنها الولايات المتحدة.

ما الذي يربط بين كل هذه المصطلحات؟ اضطهاد الأقليات.

للولايات المتحدة تاريخ يبدأ منذ نشأتها بالعبودية. لكن تجارة الرق عبر المحيط الأطلنطي لم تكن الأولى من نوعها في العالم وقطعاً الولايات المتحدة ليست أول دول العالم في الإتجار بالرقيق وللأسف ليست آخرهم في هدم تلك التجارة.

فلماذا إذا لاتزال أميركا هي محط الأنظار في العنصرية تحديداً أو اضطهاد الأقليات إجمالاً؟

من التبسيط المبالغ أن نحصر الأسباب في مقال واحد. لكن يمكن القول إنها مصفوفة معقدة. هناك النشأة والتاريخ والأنثروبولوجيا والحروب والاستغلال السياسي للحركات الحقوقية والرأس مالية وتوسع ما بعد الاستعمار.

والكثير..

لكن هذا المقال سيركز على جانب واحد فقط. سياسات الهوية Identity Politics

السؤال الثاني:

ما هي الدولة التي تقفز لذهنك حينما تقرأ الهاشتاغات التالية؟

#BlackLivesMatter #LoveWins #MeToo #NotAllMuslimsAreTerrorists

إنها الولايات المتحدة.

ما يجمع بين كل هذه الحملات يسمى بسياسات الهوية. الفكرة ببساطة أن يتعرض فرد ما أو أقلية معينة للاضطهاد التعسفي. هذا الاضطهاد يؤدي لقيام حركة حقوقية تطالب بالدفاع عن حقوق تلك الأقلية. تتطور حركة الدفاع عن الأقلية للمطالبة بحقوق استثنائية للمضطهدين لحمايتهم من الاضطهاد مستقبلاً. وما إن يحصلوا على تلك الحقوق حتى تبدأ طائفة أخرى باتهام المضطهد الأول بالتمييز ضدها، وهكذا تدور الدائرة.

الأمثلة عديدة. بذات الترتيب السابق، تعرض اليهود للاضطهاد على يد النازية، هذا الاضطهاد دفعهم لتكوين حركة حقوقية تمكنت من الدفاع عن الناجين من المحارق النازية. تطورت الفكرة لتأمين وطن لهم ضد أي انتهاك مستقبلي، فنشأت اسرائيل التي تمارس الآن دور المضطهد الأول.

في الولايات المتحدة تتحول الأقلية المضطهدة لمركز ثقل سياسي. تفتح لها المراكز الحقوقية ويصب في خزانتها التمويل وتشيد من أجلها التحالفات السياسية ويترشح نواب باسمها.

يظهر استطلاع رأي أجراه مركز رمسوسن المحافظ إن ٥١٪ من العينة التي تم سؤالها ترى إن الديموقراطيين يستخدمون الهوية لرسم صورة المظلومية بهدف تحقيق مكاسب سياسية.

هل كان أوباما أول رئيس أسود في العالم؟ هل كانت هيلاري لتكون أول امرأة تتقلد هذا المنصب؟ كيف تمكن شاب في مدينة نائية من الوصول لنهائيات سباق الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٠ وهو أصغرهم عمراً، أفقرهم مالاً وخبرة سياسية على كل المستويات؟

إنها الهوية.

تستثمر الأقليات في الولايات المتحدة حوادث الكراهية للحشد السياسي. حتى في الخسارة.

لعل من أبرز المؤصلين فلسفياً لسياسة الهوية في الولايات المتحدة وتأثيرها على المناخ المجتمعي، المؤلف الهام فرانسيس فوكوياما. يقول مدير مركز الديمقراطية، التنمية وسيادة القانون بجامعة ساتفرد العريقة:

” أعتقد أن المشكلة الحقيقية في السياسة الأمريكية هي أننا قد تحولنا من الجدال حول السياسات الاقتصادية إلى الجدال حول الهويات. “

بالرغم من كون فوكوياما من أشد المعارضين لترمب، إلا أنه يلقي باللوم في كتابه الأخير” الهوية“على تيار الحركات التحررية اليسارية التي انشغلت بهوية المضطهدين ونسيت إن الفقر لا يعرف لوناً أو جنساً.

 حينما خسرت هيلاري كلينتون انتخابات ٢٠١٦، لم تعترف بقصور حملتها أو فضيحة تسريب أسئلة المناظرات لها أو ازدرائها للمصوتين لترمب حينما وصفتهم بالحثالة. لكنها ألقت باللوم على:” كراهية النساء بشدة“.

قصة هاربس:

كامالا هاريس خرجت من سباق ٢٠٢٠ أيضاً. لمن لا يعرف هاريس، هي مرشحة ذات أصول هندية وكاريبية كانت ترفض أن يتم ذكرها قبل الترشح للانتخابات. حينما كانت تسأل عن أصولها الإثنية كانت ترفض بشدة أن توصف بأنها من أصول إفريقية وتقول: أنا فقط أميركية.

هذه الإجابة تحولت تماما منذ أن دخلت الانتخابات ليفاجئ الجميع ببلورتها لأصولها العرقية واستغلالها لهذه النقطة في توجيه اللكمات السياسية لمنافسيها. حتى كتاب المقالات احتاروا في أمرها: هل هي من أصول إفريقية حقا؟

حينما خرجت هذه المرشحة من السباق الرئاسي بسبب عدم حصولها على أصوات كافية تمكنها من الاستمرار في المناظرات الرئاسية، اتهمت العنصرية ضد السود والمرأة.

مخطئ من ظن إن المسلمين الأميركيين منزهون عن هذا الاستغلال السياسي. أذكر جيداً حواراً دار بيني وبين مدير تنفيذي لأحد أكبر المنظمات الأميركية المسلمة، سألته عن تنامي حالات الاسلاموفوبيا فأجابني: عمرو، المسلمون من أقوى الجاليات في أميركا. نحن أثرياء جداً، أقوياء جداً ونسبة خريجي الجامعات لدينا لا يناظرها بين الأقليات سوى اليهود. لكن لابد لنا من ذكر هذه الحالات الفردية حتى نستمر في حصاد ثمارها سياسياً.

هل أدركت الآن، لماذا ليس من مصلحة أحد أن تنتهي العنصرية في الولايات المتحدة؟

صورة قاتمة؟ بالتأكيد؟

ما الحل بالنسبة للأقليات المضطهدة حقاً؟

هذا هو موضوع مقال الأسبوع المقبل.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها