لا تنميةَ بدون بَحْثٍ علميٍّ

مجلس النواب المغربي

تتناسل الأسئلة المُمِضّة حول الاتصال والانفصال بين البحث العلمي بالمغرب وبين النموذج التنموي المأمول في أعقاب التصويت في البرلمان على مطلب إعفاء تعويضات البحث العلمي من الضرائب.

 

تتناسل الأسئلة المُمِضّة حول الاتصال والانفصال بين البحث العلمي بالمغرب وبين النموذج التنموي المأمول لاسيما في أعقاب التصويت في البرلمان على مطلب إعفاء تعويضات البحث العلمي من الضريبة على الدخل، فهل يمكننا بلورة نموذج تنموي بدون بحث علمي؟
كيف نصل لصياغة هذا النموذج وإرسائه بدون إسهام نخبة المجتمع وصفوته المؤلفة من هيئة الأساتذة الباحثين؟
هل يمكن للجامعات ومؤسسات التعليم العالي التابعة لها وغير التابعة، أن تظل بمنأى عن الإسهام الفعلي في رسم معالم هذا النموذج وتحقيقه وتنفيذه على أرض الواقع؟
لابد أن نؤكد حيوية البحث العلمي بالنسبة للأساتذة الباحثين في الصنفين معا من مؤسسات التعليم العالي والمحددين بموجب القانون 01.00، ولذا أطلق عليهم في النظام الأساسي الخاص بهم اسم “هيئة الأساتذة الباحثين” بالجامعات وبمؤسسات تكوين الأطر العليا.
البحث العلمي جزء هام من هوية أساتذة التعليم العالي الذين يزاولون مهام التأطير والتدريس والتكوين أيضا.
والجدير بالإشارة أن مؤسسات التعليم العالي الجامعي تضم الجامعات وما تفرع عنها من كليات ومدارس عليا، وهناك مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات، تضم حاليا (71) مؤسسة خاضعة لوصاية قطاعات وزارية مختلفة، وتتوزع على أربعة أقطاب للتكوين، وهي:
المؤسسات العلمية والتقنية؛
مؤسسات التكوينات الإدارية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية؛
مؤسسات بيداغوجية؛
مؤسسات للتكوينات العسكرية وشبه العسكرية.
 وتساهم مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات بحسب القوانين المؤسسة لها بكيفية ملحوظة في المجهود الوطني لتكوين الكفاءات الإنسانية الضرورية من أجل مواكبة المشاريع الكبرى المهيكلة والبرامج القطاعية لتنمية البلاد.
ويغطي العرض التربوي لهذه المؤسسات تخصصات تتسم بالتنوع، وتتوزع على تسعة (09) قطاعات، وهي:
قطاع الهندسة، والتعمير، وإعداد التراب والبيئة؛
 قطاع الفن، والثقافة، والرياضة؛
قطاع الدراسات الإدارية والقانونية والتدبير؛
قطاع علوم الفلاحة، والغابة، والبحر؛
 قطاع علوم التربية؛ ويضم المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين ومركز تكوين مفتشي التعليم ومركز التوجيه والتخطيط التربوي
قطاع العلوم الحية والأرض؛
قطاع علوم وتقنيات المهندس؛
قطاع العلوم وتقنيات الإعلام والاتصال؛
قطاع العلوم الاجتماعية والصحة. (https://enssup.gov.ma/ar)
ما علاقة التصويت في البرلمان على مطلب إعفاء تعويضات البحث العلمي من الضريبة على الدخل بالنسبة للأساتذة الباحثين، بالنموذج التنموي؟
لابد في البدء أن نذكر بأن مطلب إلغاء الضريبة على البحث العلمي المفروضة على دخل الأساتذة الباحثين، ظل نقطة مدرجة في الملف المطلبي للفاعل النقابي بقطاع التعليم العالي، لكن هذه المصادقة لم تدم طويلا حيث أسقطتها القراءة الثانية.
إن التنمية ليست معدلات ومؤشرات وأرقامًا وإحصاءات، كما أنها ليست برامج ومشاريع ومخططات فقط، التنمية استعداد وعزم وبناء…وسيرورة ممتدة في الزمان والمكان…
وهل هناك مهمة أصعب وأعسر وأعقد من مهمة بناء الإنسان؟
التنمية ليست قطعا استنساخًا لأنموذج ناجح في بيئة وتربة أجنبية والسعي الحثيث لاستنباته وزرعه في بيئتنا.
التنمية يجب أن تُرسى بعقول نخب البلد وبسواعد أبنائه وبناته وشبابه وشاباته.
وهنا مربط الفرس بشأن السؤال حول علاقة البحث العلمي بتحقيق التنمية والإسهام في ترسيخ النموذج التنموي.
إن العقول المغربية ممثلة في النخب المثقفة والمكونة والمدربة كما تجسدها -على سبيل المثال لا الحصر- فئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات التعليم العالي الجامعي وغير التابعة للجامعة، مؤهلة للإسهام في إنجاح النموذج التنموي بواسطة البحث العلمي النظري والميداني التطبيقي…فضلا عن وظائفها التكوينية والتأطيرية لرجال الغد ونسائه؛ شباب المستقبل…
ولنا في الدول المتقدمة التي تسترشد بتوجيهات مراكز البحوث والدراسات الأكاديمية والاستراتيجية عبرة ودليل على صدق هذا الاستنتاج.
لكن ماذا يجب على الجهات الوصية لتوفير المناخ والبيئة المناسبين لهذه الفئة لتمارس هذه الوظائف الأساسية والهامّة؟
أولا لابد من الزيادة في مخصصات ميزانية البحث العلمي والتي مع الأسف لا تتعدى ببلادنا 0,7% من الناتج الداخلي الخام، في حين أنها تصل في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى 2,26 %.
كما يجب تحسين الوضعية المادية للأساتذة الباحثين لتمكينهم من مباشرة أعباء البحث العلمي المسهم في تحقيق التنمية، حيث ليس هناك بحث علميّ فعّال بدون باحثين مواظبين على هذه المهام بواسطة دعم الدولة لهم.
ومن أجل النهوض بالبحث العلمي النظري والتطبيقي، يجب توحيد المشاريع البحثية من خلال تسطير استراتيجية وطنية للبحث العلمي بتفعيل المادة 16 من القانون الإطار 51.17 والتي أتى فيها:
يحدث بنص تنظيمي مجلس وطني للبحث العلمي يناط به تتبع استراتيجية البحث العلمي والتقني والابتكار، وكذا التنسيق بين مختلف المتدخلين في هذا المجال.
إن مهام الأساتذة الباحثين لا تنحصر في التدريس والتأطير والتكوين، بل تتعدى ذلك إلى البحث العلمي الذي يشكل مكونا هاما من أجرة الأستاذ (ة) الباحث (ة)، لذا نرجو أن تضعه اللجنة المكلفة بصياغة النموذج التنموي في قلب اهتمام هذا النموذج سواء في عمليات التخطيط أم الاستشراف أم التتبع والتقويم المصاحب والبعدي.
لا يمكننا البتة أن ندقق تشخيص مشاكلنا إلا بالبحث العلمي، كما لا يمكننا اقتراح الحلول وتمحيصها وتسديدها إلا بواسطته.

 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها