كي لا يفشل العالم في اختبار كورونا القادم

الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أثار جدلًا واسعًا حول علاجات فيروس كورونا
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أثار جدلًا واسعًا حول علاجات فيروس كورونا

عندما يكتشف العالم أن بعض الدول الديكتاتورية قد أخفت معلومات أ و زيفت تقارير ستتسبب في موجات متتالية من الوباء لكي تضيف إلى مساحيق وجهها الشائخ أو تمد في عمرها المنتهىة صلاحيته

مخطئ من يظن أن وباء كورونا أو (كوفيد ١٩) سيكون الوباء الأخير في تاريخ البشرية التي نعرفها …
فهناك أدلة كثيرة أن الطبيعة غاضبة من البشر وأنها قررت معاقبتهم على ممارساتهم الخاطئة في حقها بما يخالف العقد الضمني بينها وبين  الإنسان ،وبدأت تلوح بغضبها داعية إلى العودة إلى بنود العقد أو سيكون العقاب أشد والحساب أعسر.

 ولكن مما لا شك فيه أن العالم قد فشل وبجدارة في اختبار كورونا الأول،وأن معظم الدول حتى العظمى منها قد رضخت تحت براثن الوباء وأعلنت استسلامها لمصيرها المحتوم …
فهناك خسارة فادحة في الأرواح وخسائر هائلة في الموارد والاقتصاد  حتى الدول التي تصنف على أنها ناجحة في تقليل إنتشار الوباء أو في تقليل أعداد الوفيات الناتجة عنه، هي في الحقيقة لم تكسب معركتها ولكنها قامت بتقليل خسائرها .
فلا زالت دولة مثل المانيا التي تعتبر من أنجح الدول في إختبار الكورونا تئن تحت وطأة خسائر الأرواح وتباطؤ الآقتصاد بل وينتظرون ماهو أسوأ في مرحلة مابعد الوباء وتداعياته.
وربما تكون من أقوى الدروس المستفادة من هذا الوباء أن العالم كله قد أدرك أنه يعيش في قرية واحدة … واقعاً وليس مجازاً …
فما حدث في مطعم للحيوانات البرية في حارات مدينة وهان الصينية، كان وراء فقد ذلك الرجل الذي كان يجلس ببدلته الأرمنية الفاخرة في مكتبه الزجاجي في إحدى ناطحات سحاب وول ستريت حياته …
بل أن منع مسافر من ركوب الطائرة من إيران إلى لندن كان يمكن أن يمنع حدوث جريمة قتل أب لزوجته وأبنائه في البرازيل نتيجة فقد عمله في شركته الإنجليزية التي أفلست من جراء تبعات كورونا.

من أقوى الدروس المستفادة من هذا الوباء أن العالم كله قد أدرك أنه يعيش في قرية واحدة … واقعاً وليس مجازاً

وعلى ذلك فإن نجاح العالم في إختبار الوباء القادم سواء كان كورونا، أو غيره لن يكون عن طريق الحلول الفردية أو أن تستقل كل دولة بسياساتها وقراراتها بل يجب أن تكون الحلول عالمية و دولية أو بالأصح كونية …
ولا أعتقد أن أي دولة مهما بلغت قوتها السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والصحية قادرة على منع إجتياح الوباء القادم لأراضيها مهما أتخذت من قرارات قوية وسريعة وحاسمة.
سأطرح هنا بعض الأفكار التي أعتقد أن العالم يجب أن يتدبرها في مرحلة مابعد الوباء الحالي واستخلاص دروسه ونتائجه.

أولا  : إعادة ترتيب الأولويات
في الآونة الأخيرة أتضح أن دول العالم كلها قد أجمعت على تغليب المصلحة الفردية في السياسة والاقتصاد وأن مبدأ ( أنا ومن بعدي الطوفان ) قد أصبح المسيطر على استراتيجيات تلك الدول الداخلية والدولية وأصبحت النفعية الميكيافيلية هي ميزان التفاوض بين الدول وأقرانها …
ليأتي ذلك الوباء ويثبت أن لا مفر من الطوفان إلا بالوقوف أمامه متماسكين متعاضدين وداعمين للضعيف قبل القوي …
 لذلك فإن الأولويات العالمية يجب أن تتغير نحو حل للمشاكل السياسية العالقة وإيقاف للحروب الإقليمية المزمنة لايقاف مايحدث من هدر للموارد البشرية والمادية في منازعات لا طائل منها وتوجيه تلك الموارد إلى إشكاليات أكثر أهمية كمقاومة أوبئة أو كوارث مستقبلية.

ثانيا: اتفاقيات أممية جديدة

تكشف الجائحة الحالية أن العلاقات الدولية تحتاج إلي إعادة صياغة فيما يختص بالشفافية
والوضوح خاصة في مجالات الرعاية الصحية والسياسات الوقائية ..
فلو كانت هناك اتفاقية دولية تلزم الدول بتداول المعلومات الكاملة حول الوباء بمنتهي الشفافية، كما تفرض العقوبات على الدول اتفاقيات دولية تحتم على الدول مشاركة معلوماتها حول الوباء بشفافية كاملة وتلزم  بفرض  المجتمع الدولي عقوبات مغلظة ضد الدول التي تخفي معلومات أو تزيفها بطريقة ما.
لأمكن السيطرة على وباء من ذلك النوع عن طريق منع السفر من وإلى تلك المناطق أو الدول وعمل حظر صحي دولي عليها. وقد يكون للامم المتحدة دور كبير في إقرار تلك الاتفاقيات في المستقبل حيث أنها الألية الوحيدة التى توافقت عليها جميع دول العالم.

بعد الكورونا سنكتشف أن بعض الدول الديكتاتورية قد أخفت معلومات أ و زيفت تقارير ستتسبب في موجات متتالية من الوباء

ثالثاً: تعاون دولي أكبر
بعد مرحلة بسيطة من بداية الوباء الحالي تم ترك كل دولة لمصيرها بدون أي مساعدة من الدول الأخرى سواء في مراحل إتخاذ القرارات أو تنفيذها، في حين اقتصر دور منظمة الصحة العالمية على رصد الإصابات ونشر الإرشادات العامة بدون الية واضحة لإنفاذ تلك الإرشادات أو سياسيات محددة تستطيع الدول تطبيقها …
وهو ماظهر تأثيره فيما بعد من أن إتباع سياسات خاطئة في دولة بعينها قد يؤثر بشكل كبير على دول أخرى سواء كانت دولا مجاورة أو دولا تقع في نهاية الكوكب … وأن الطريق لحل تلك المعضلة هو تعاود دولي أكبر سواء في مجالات تبادل المعلومات أو حتى الدعم المادي في مجالات الرعاية الصحية والوقائية.

رابعاً: البحث العلمي

التفت جميع أعناق البشر الآن صوب معامل البحوث بدلا من الاستادات الرياضية والمسارح الفنية وأيقنت جميع الحكومات ( باستثناء الاغبياء  منهم ) أن البحث العلمي هو سفينة نوح التي ستنقذ البشرية من طوفان جامح لا قبل لهم به …
فمن كان يصدق أنه رغم كل التقدم التكنولوجي والعلمي الذي نعيشه وبعد مرور خمسة اشهر بأكملها لم يستطع العالم بأكمله أن يجد لقاحا أو علاجا لفيروس ضعيف بل حتى الآن لم نستطيع فهم طريقة إختراق الفيروس لأجسادنا والعبث به كما يحدث حاليا

خامساً: الديموقراطية ليست رفاهية

العالم سيدرك قريبا جداً أن الديموقراطية ليست رفاهية،كما أنها ليست حكرا على شعوب بمفردها وأنها ليست هبه يتم منحها أو منعها حسب توجهات دول أو مصالحها …
 وأن الديكتاتورية مكلفة جدا على المستويين المحلي والعالمي … وسيحدث ذلك عندما يكتشف العالم أن بعض الدول الديكتاتورية قد أخفت معلومات   أو زيفت تقارير ستتسبب في موجات متتالية من الوباء لكي تضيف إلى مساحيق وجهها الشائخ أو تمد في عمرها المنتهىة صلاحيته  لسنوات قليلة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها