كيف يتدخل السيسي عسكريا في ليبيا؟

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي(يمين) واللواء المتقاعد خليفة حفتر
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي(يمين) واللواء المتقاعد خليفة حفتر

من الممكن أن يتدخل الجيش المصري تدخلا جزئيا من خلال الدعم العسكري الجوي، وقد سبق للقوات الجوية المصرية بضرب أهداف في مدينة درنة الليبية.

في 20 يونيو الماضي، هدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا؛ إذا ما أقدمت حكومة   الوفاق  وحليفها التركي على اقتحام مدينة سرت، وقاعدة الجفرة العسكرية.

ثم أتبع ذلك بعدد من الإجراءات مثل المناورة العسكرية “حسم 2020” قبل نحو أسبوعين تحت عنوان “الجيش المصري يحمي ولا يهدد” والتي نفذتها وحدات وتشكيلات المنطقة الغربية بالتعاون مع الفروع الرئيسية للقوات المسلحة.

ما ألحقه بلقاء عبدالفتاح السيسي مع وفد من المجلس الأعلى لشيوخ وأعيان القبائل الليبية وصل من مدينة بنغازي إلى العاصمة المصرية في 16 يوليو تموز الماضي، واعتبر نظام السيسي هذا اللقاء بمثابة تفويض للتدخل في الصراع الليبي لصالح قوات خليفة حفتر.

ويتوقف التدخل المصري على ما ستقوم به قوات حكومة الوفاق في محور سرت والجفرة، التي أعلنت عن أنها تُعد بكل مالديها من قوة لعملية عسكرية لتحرير سرت وقاعدة الجفرة. وبناءً عليه تم وضع ثلاثة سيناريوهات للتدخل:

التدخل الجزئي:

من الممكن أن يتدخل الجيش المصري تدخلا جزئيا من خلال الدعم العسكري الجوي، وقد سبق للقوات الجوية المصرية بضرب أهداف في مدينة درنة الليبية؛ عقب قتل 21 مصريا في فبراير  شباط من العام 2015 من قبل تنظيم الدولة.

وبعد هجوم المنيا الذي قتل فيه 29 شخصا وتبناه تنظيم الدولة أيضا في مايو أيار 2017، أمر السيسي بضرب ما وصفها بمعسكرات الإرهابيين خارج مصر.

وكذلك التدخل من خلال الدعم البحري خاصة مع حجم المعدات والأسلحة البحرية المتطورة التي اشترتها مصر أخيرا.

وهي بالمناسبة نفس المشاركة التي شاركت بها مصر من خلال عاصفة الحزم في اليمن، حيث جاءت مشاركة مصر في تحالف “عاصفة الحزم” بجهد من القوات الجوية والبحرية،

وبحسب موقع “الهيئة العام للاستعلامات” التابعة لرئاسة الجمهورية المصرية أن مشاركة مصر كانت في إطار تنفيذ ما أكده الرئيس المصري (مسافة السكة)، في نصرة أهلها في دول الخليج العربي، الذين يتعرضون من خلال الحالة اليمنية إلى ضغوط جمة تؤثر على استقرارهم وحاضرهم ومستقبلهم.

عبد الفتاح السيسي خليفة حفتر

 

وكانت محددات الموقف المصري للمشاركة في عملية عاصفة الحزم  تتشابه في جزء ليس بالقليل منها مع المشهد الليبي. بالإضافة إلى تقديم مصر دعما للقبائل الليبية في الشرق خاصة في إقليم برقة –شرق ليبيا_ وهي قبائل تتبع بشكل كبير للمخابرات المصرية، وهو مادعا إليه السيسي في خطابة الأخير بقوله: “أن مصر على استعداد لتدريب القبائل الليبية“.

التدخل الشامل:

كما أنه من الممكن أن يكون التدخل المصري تدخلا شاملا جوا وبحرا وبرا، فمصر لديها حدود مع الدولة الليبية تمتد إلى مايقارب 1115 كم. وتمثل ليبيا بالنسبة إلى مصر مسألة مهمة في الأمن القومي المصري واستقراره. فهناك تحدٍ أمني منذ سقوط القذافي، وتصاعد العنف على طول الحدود إلى حدٍّ كبير.

ونظرا لغياب الاستقرار في الداخل الليبي وعلى الشريط الحدودي، فإن ضمان أمن الحدود الكامل يعتبر مهمة في غاية الصعوبة للجانب المصري، بالرغم من انتشار عشرات الآلاف من القوات المسلحة والآليات على طول الشريط الحدودي، وكذلك المقاتلات التابعة لسلاح الجو تظل الحدود مركزا رئيسيا لتهريب الأسلحة والمخدرات والأفراد، ومنهم المتطرفون والمسلحون.

كذلك تصاعد التخوفات المصرية من التبعات غير المباشرة لنشاط المجموعات الجهادية وكذلك المجرمين على أراضيها.

والذي يعضد هذا الطرح هو تصريحات الرئيس المصري أثناء زيارته لقاعدة “سيدي براني” الجوية في 20 يونيه حزيرن الماضي، قائلا: “أي تدخل مباشر لمصر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية سواء للدفاع عن النفس أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة في ليبيا وهو مجلس النواب (في طبرق)”، و”ستكون أهدافنا حماية الحدود الغربية، وسرعة دعم استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية، باعتباره جزءا من الأمن القومي المصري”. كما أكد أن “تجاوز سرت والجفرة خط أحمر بالنسبة لمصر”.

عدم التدخل:

كذلك من المرجح عدم تدخل مصر عسكريا في ليبيا، لارتباط مصر بكثير من المصالح مع ليبيا من الممكن أن تفقدها مصر في حال استقرار الأوضاع لصالح “حكومة الوفاق” ودحر مشروع خليفة حفتر.

فالمصالح الاقتصادية تقوم بدور رئيسي في سياسة مصر تجاه ليبيا، فليبيا على مر عقود شريك اقتصادي مهم للدولة المصرية.

كذلك من المرجح عدم تدخل مصر عسكريا في ليبيا، لارتباط مصر بكثير من المصالح مع ليبيا من الممكن أن تفقدها مصر في حال استقرار الأوضاع لصالح “حكومة الوفاق” ودحر مشروع خليفة حفتر.

ويتوافق هذا الموقف مع ماذكره عبدالفتاح السيسي سابقا في أكثر من مناسبة خلال حديثه في الفيلم التسجيلي (شعب ورئيس 2018)، وكذلك خلال حديثه ضمن فعاليات مؤتمر “حكاية وطن” في يناير/ كانون الثاني 2018.

حيث انتقد مشاركة مصر في حرب اليمن 1962، ذاكرا آثارها الكارثية على الاقتصاد المصري الذي يعاني حتى اليوم قائلا: “هذه الدولة عام 67 لم تكن مديونة، عام 60 كان هناك غطاء ذهب للجنيه المصري، الكلام ده راح في حرب اليمن، انتهى كل الغطاء الذهبي اللي كان موجود، ثم ابتدت المديونية عام 68 و69 و70، بدأت في الزيادة بأرقام بسيطة إلى أن وصلنا اليوم إلى تريليونات من الجنيهات”.

أتى هذا في سياق تردد أنباء عن  صور لرصد أقمار صناعية أظهرت سحب الجيش المصري طائرات مقاتلة من قاعدة سيدي براني على الحدود المتاخمة لليبيا، ممايبدو أن ماتحدث به السيسي ونشر هذه المقاتلات وسرعة سحبها كان هدفها توجيه رسائل سياسية لا أكثر، أهمها محاولة السيسي فرض نفسه رقما صعبا في المعادلة الليبية.

وأن يكون هذا الاستعراض لتشتيت الداخل المصري عما يعانيه من أزمات حقيقية على المستوى الاقتصادي والأمني والموارد المائية لمصر وأزمتها مع إثيوبيا.

وتتوقف جميع السيناريوهات على موقف قوات الوفاق وداعمها التركي وتحركهما العسكري على المحور الذي اعتبره “السيسي” خطا أحمر، وهو محور سرت وقاعدة الجفرة.  في حال فشل الجهود والحلول الدبلوماسية لكل الأطراف.

والمرجح هو تدخل مصر جزئيا من خلال الدعم الجوي وكذلك الدعم البحري، خاصة وأن مفهوم الأمن القومي المصري قد تغير إلى (أمن النظام) منذ وصول عبدالفتاح السيسي إلى رأس السلطة في مصر، وهو مايراه السيسي مهددا في حال وجود سلطة مركزية في ليبيا تترأسها قوى ذات توجه إسلامي ومدعومة من تركيا.

هذا الاستعراض لتشتيت الداخل المصري عما يعانيه من أزمات حقيقية على المستوى الاقتصادي والأمني والموارد المائية لمصر وأزمتها مع إثيوبيا.

إلى جانب دفع مصر من قبل دول خليجية باتجاه الحرب بحجة “حماية أمن الحدود الغربية المصرية”، فأعربت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان لها عن “دعم أبو ظبي لمصر في جميع التدابير التي تتخذها لضمان استقرارها وأمنها”.

وكذلك الأكاديمي الإماراتي “عبدالخالق عبدالله” والقريب من السلطة الإماراتية قال: (طرابلس أصبحت أول عاصمة عربية تقع تحت الاحتلال التركي، والرهان على الدور مصري حاسم، خاصة الجيش المصري الذي هو ضمن أقوى 10 جيوش في العالم، لردع أردوغان ووقف مرتزقته شرقا وغربا وجنوبا).

كما دعمت الخارجية السعودية موقف السيسي مشيرة أن “السعودية تقف إلى جانب مصر، وتدعم حقها في حماية حدودها وشعبها” واعتبرت أن “أمن مصر من أمن المملكة”.

إضافة إلى ما أثاره تقرير لموقع “تاكتيكال ريبورت” عن استعداد وليي عهد الإمارات والسعودية، تحويل دعمهما من قوات حفتر إلى السيسي مباشرة على أن يأمر الجيش المصري بالتحرك عسكريا داخل ليبيا قبل سيطرة الوفاق على الهلال النفطي.

وأن هناك عقبتين تواجهان وليي العهد، الأولى تردد عبدالفتاح السيسي في خوض حرب مفتوحة في ليبيا، والثانية الموقف الأمريكي الرافض للحل العسكري هناك.

إلى جانب دعوة مايسمى “الجيش الوطني الليبي” التابع لخليفة حفتر، ورئيس البرلمان اللليبي “عقيلة صالح” بالتدخل العسكري المصري، حيث قال: “الشعب الليبي يطلب رسميا من مصر التدخل بقوات عسكرية إذا اقتضت ضرورات الحفاظ على الأمن القومي الليبي والأمن القومي المصري.

وذلك سيكون دفاعا شرعيا عن النفس حال قيام المليشيات الإرهابية والمسلحة بتجاوز الخط الأحمر الذي تحدث عنه الرئيس السيسي ومحاولة تجاوز مدينتي سرت أو الجفرة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها