كيف يؤمن السيسي نفسه من انقلاب الجيش عليه؟

السيسي وسط وزيرالدفاع ورئيس أركان الجيش المصري

يدرك السيسي تماما عواقب ما فعله بمنظومة الاقتصاد المصري، ويدرك كذلك أثر إجراءاته على ملايين المصريين لكنه يعلم تماما أن الدعم المالي لجنرالاته عامل مهم من عوامل استمراره في الحكم.

بعد بضعة أسابيع من انقلابه العسكري دشن عبد الفتاح السيسي معادلته الخاصة لحكم مصر والسيطرة عليها والقضاء على أي احتمال مهما كان ضئيلا قد يزيحه عن منصبه وربما يحيله إلى المحاكمة .

أيام الانقلاب الأولى:

الجنرال كان وقتها لايزال منخرطا في صخب السياسة ومشاغلها بعد بيان الانقلاب العسكري فدعا إلى تفويض وجمع حوله رموز من يسمون أنفسهم “بالتيار المدني

وأهدى أيقونتهم محمد البرادعي المنصب التنفيذي الوحيد الذي شغله مؤسس حزب الدستور في حياته فعينه نائبا لرئيس جمهورية الانقلاب.

وجعل على رأس حكومته حازم الببلاوي أحد مؤسسي الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي كما وضع مؤسسا آخر من الحزب نفسه، هو محمد أبو الغار، في لجنته لتعديل الدستور مع آخرين من التيار نفسه.

ذهاب السَكرة:

السيسي أدرك سريعا أن قدراته لا تؤهله للمنافسة على منصب الرئاسة في جو من الحرية، كما كان واضحا له من البداية أنه لن يكون الخيار الأمثل للفاعلين الدوليين ولا للناخبين المصريين فقرر الاعتماد على المعادلة الأسهل والأقرب لكل عسكري: كل عوامل البقاء على كرسي الرئاسة يمكن استبدالها إلا عامل القوة العسكرية المسلحة!

الفاعلون الدوليون إذا ضغطوا من أجل شكل أكثر ديمقراطية يمكن الضغط عليهم بإسرائيل.

الاقتصاد ومعاش الناس يمكن دعمه من مخازن رز الخليج، ولو على حساب جزيرة هنا أو منتجع هناك.

والأحزاب السياسية التي تمثل دور المعارضة، في غياب المعارضة الحقيقية خلف القضبان، يمكن تجنب دفع فواتير لها عن طريق استخدام الأحزاب المصنعة في أقبية المخابرات الحربية.

البرلمان كذلك يمكن تخليقه ذاتيا بذريعة الخوف من عودة الإخوان.

النخبة السياسية يصنعها وينتقيها على عينه ويمنحها المساحة المطلوبة لإبرازها ولو كانت على مستوى علي عبدالعال وأحمد موسى.

الإعلام تمت السيطرة الكاملة عليه من خلال مكاتب ضباط الشؤون المعنوية داخل ستديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي.

إذا من الواضح أن تعويض الشكل اللازم للاستمرار في الحكم سهل، لكن ما قيمة هذه العوامل كلها اذا غضب ” المسلحون” عليه؟

وإذا كان الجيش يقف بكامل قوته خلف السيسي في أيام الانقلاب الأولى تحت وقع سَكرة الدعاية المستمرة فماذا يضمن للسيسي أن يستمر هذا الدعم من دون نقصان ولا تغيير؟

لأجل ذلك اتخذ السيسي عدة خطوات بعضها غير مسبوق لضمان استمرار الدعم الكامل من قوات مصر المسلحة له:

1–     القضاء على المنافسين المحتملين.

لم يبد السيسي أي قدر من التسامح تجاه أي شخص قد ينافسه على دعم المسلحين .

السيسي أدرك أن ما يحدد بقاءه في السلطة ليس أصوات الناخبين الذين يحق لهم التصويت في الصناديق، وإنما دعم المسلحين الذين لا يصوتون في صناديق الاقتراع وإنما يحتكرون صناديق الذخيرة.

فأقصى سامي عنان وحارب أحمد شفيق من اليوم الأول وأقال كل رفاقه من المجلس العسكري من مناصبهم المهمة إلى البيوت أو إلى أماكن تبعدهم عن الاتصال بصغار المسلحين! جدير بالذكر أن المجلس العسكري الذي وقف خلف السيسي في الانقلاب لم يبق فيه جنرال في مكانه مع استثناء رفيق السيسي المحصن، والذي سنأتي على ذكره لاحقا.

2عزل الجيش اقتصاديا عن الشعب.

يدرك السيسي تماما عواقب ما فعله خلال السنوات الماضية بمنظومة الاقتصاد المصري، ويدرك كذلك أثر إجراءاته على ملايين المصريين، لكنه يعلم تماما أن الدعم المالي لجنرالاته عامل مهم من عوامل استمراره في الحكم ولو كلفه رضاء الناس .

السيسي زاد من المجالات الاقتصادية المحتكرة من قبل الجيش فدخل به مجال صناعة الأدوية والاتجار في المستلزمات الطبية وجعله “كفيلا” لمجال العقارات يبني المشروعات بنفسه أو يكفل شركات العقارات المدنية ليتربح من السمسرة

احتكر رصف الطرق وفرض على المصريين رسوما لاستخدام تلك الطرق للانتقال أو للنقل. دخل مجال الاستزراع السمكي والتأمين كما دفع بالعصار رفيقه السابق في المجلس إلى مجال التصنيع المدني عن طريق وزارة الإنتاج الحربي التي تورد الأجهزة الطبية وتصنع عدادات المياه وعدادات الكهرباء كما اقتحم السيسي بالجيش مجال مكيفات الهواء صناعةً واستيرادا وفي كل مجال من هذه المجالات كان آلاف وربما ملايين المصريين يفقدون وظائفهم لصالح المجندين الذين يقومون بنفس تلك الأعمال من دون مقابل يذكر، في المحصلة السيسي استخدم المصريين الذين يجندهم من مدن وقرى مصر للعمل لصالح مشروعات تدر مليارات الجنيهات على جنرالات يتكسبون من خلال نظام مالي دشنه السيسي بعيدا تماما عن المصريين العزل هذ النظام به صناديق سيادية مثل صندوق تحيا مصر الذي لا يعرف أحد كم به من مبالغ وتحال إليه أرباح مشاريع تم تأميمها لصالح الجيش خصيصا منها طرق وملاعب رياضية وصالات أفراح ومخابر ومصانع .

كل ما سبق بخلاف الزيادات المباشرة للبدلات والمرتبات التي أحصاها البعض ووصلت إلى 15 زيادة خلال بضع سنوات، في ظل تسريح للموظفين الحكوميين وتقليل مستحقاتهم.

في المحصلة المسلحون حول السيسي يزدادون غنىً في الوقت الذي ينزل فيه مصريون جدد يوميا تحت خط الفقر بسبب سياسة ” هتدفع يعني هتدفع ” المطبقة على المدنيين العزل وحدهم.

3تجفيف منابع العسكريين المتعلمين

تتركز القوة الأساسية للجيش المصري في الضباط وضباط الصف الذين التحقوا بكليات ومعاهد القوات المسلحة بعد دراستهم الثانوية في سن مبكرة (19 عاما) بعد دراسة متعثرة في الغالب لم يُحَصِلوا فيها مجموعا كبيرا، ما يفصل هؤلاء الضباط عن مجتمع الجامعات المصرية الأكثر انفتاحا من بقية المجتمع، والتي يختبر فيه الطلاب أفكارا جديدة ويقابلون فيها رفاقا من محافظات أخرى لهم أفكار واتجاهات أخرى.

وبخلاف هؤلاء الذين لم يعرفوا حياة بعد الثانوية خارج معسكرات التدريب هناك الضباط المتخصصون وهم طلاب مصريون تخرجوا من جامعات مدنية زاملوا فيها أقران لهم ومارسوا معهم حرية نسبية يدخلون الجيش بعد دراسة الطب لمدة سبع سنين أو الهندسة لخمس سنين.

وللضباط المتخصصين سوابق في الخروج على النسق العسكري السائد أشهرها ما عرف بقضية الفنية العسكرية التي حاول فيها عدد من هؤلاء الضباط القيام بانقلاب عسكري عام 74 أسفر عن مقتل 17 من الجيش في محاولة السيطرة على مبنى الكلية الفنية العسكرية كمقدمة للسيطرة على مبنى البرلمان ومبنى الاتحاد الاشتراكي.

وبعد الانقلاب حكم القضاء العسكري على 21 ضابطا أغلبهم ضباط متخصصون بالحبس مددا طويلة بعد اتهامهم بالتخطيط لانقلاب عسكري على السيسي

أدرك السيسي خطورة أن يكون بالجيش ضباط لا يسيرون مع التيار العسكري بنسبة 100% فوضع قبل الانقلاب العسكري بأيام أساس كلية الطب بالقوات المسلحة، التي بدأت عملها فعليا من العام الدراسي 2013/2014، ومن المتوقع أن تنتهي تعيينات خرجي الطب بالقوات المسلحة بعد تخريج الدفعة الأولى من هذه الكلية عام 2022، ليكون كل المسلحين بالجيش منفصلون عن الحياة المدنية من يوم تخرجهم من الثانوية.

4استنزاف وإبعاد المجندين

على عكس ما كان متوقعا خفف الجيش كثيرا من معاييره التي كان يطبقها لاستقبال المجندين الجامعيين والفنيين بعد الانقلاب.

كل من مر بمراكز التعبئة والتجنيد التابعة للجيش قبل الثورة يعرف أن انتماء المجند أو أحد أبويه أو أحد أعمامه إلى أي تنظيم سياسي أو اجتماعي، بخلاف الحزب الوطني الحاكم وقتها، مبرر كاف لاستبعاده من الخدمة بالجيش واستلام ورقة “الإعفاء الأمني” هذا الاجراء لم يتوقف مع دخول دفعات 2011 و2012 رغم قيام الثورة فتم استبعاد الطلاب أبناء الاخوان وأبناء الكوادر السياسية.

لكن العجيب أن هذه “الفلترة” توقفت مع دخول أول دفعة للتجنيد بعد الانقلاب العسكري على عكس ما كان متوقعا!

أبناء الإسلاميين وحتى أبناء الإخوان يتم تجنيدهم بالجيش ثم يتم إرسالهم مع عدد كبير من المجندين مجهولي التوجهات إلى سيناء المعزولة عمليا عن بقية الدولة بفعل الجغرافيا أولا وبفعل الانشغال الكبير لقوات الجيش هناك بسبب الحرب الدائرة هناك ثانيا.

لست هنا من أنصار نظرية افتعال السيسي للحرب هناك، لكني أؤمن أن السيسي يستفيد من استمرار الحرب هناك هو من جهة يجمع المسلحين المعارضين في أرض لا تشكل تهديدا استراتيجيا لحكمه، مقارنة بوجودها في الدلتا والصعيد، ومن جهة أخرى يبقي نسبة معتبرة من قوات المشاة المسلحة منشغلة عن مجرد التفكير في السياسة ومغانمها.

طبعا في ظل شح المعلومات عن توزيع قوات المجندين إلزاميا بين الوادي وسيناء لا نعرف تحديدا كم بقي من أبناء المصريين المجندين في مراكز الجيش في الدلتا والصعيد، لكننا نعرف عشرات الأمثلة لمجندين من أبناء عائلات عرفت بعدم توافقها مع سياسات الجيش قضوا في تفجيرات سيناء وفي حروبها على يد مسلحين ربما يشاركونهم عدم الرضا عن الأوضاع.

5جيش خاص في مواجهة الجيش.

قضى عبد الفتاح السيسي شهوره الستة الأخيرة قبل أن يغادر منصب وزير الدفاع في تشكيل قوات التدخل السريع.

القوات التي تعمل تحت القيادة المباشرة لوزير الدفاع تم تسليحها بأحدث المعدات والذخائر التي لا يملك بعضها الجيش المصري نفسه.

وهي رغم أنها جهزت خصيصا للتدخل السريع، كما يظهر اسمها، فإنها مسلحة بفرق دبابات وبطائرات مقاتلة وطائرات نقل عسكرية بخلاف الأسلحة المتوسطة والخفيفة وبمعدات للدفاع الجوي المتحرك وللقذف المدفعي المتحرك أرض أرض.

تاريخيا كانت حماية الرئيس من انقلاب الجيش ضده مهمةَ سلاح الحرس الجمهوري، لكن ربما الدور الذي لعبه هذا السلاح في ثورة يناير وانضوائه عمليا وقتها ضمن أسلحة الجيش ورفضه تقديم حماية خاصة لمبارك في وجه المجلس العسكري دفع السيسي لتأسيس جيش خاص يختار قياداته وضباطه على أساس الانتماء له أولا والكفاءة القتالية ثانيا بعيدا عن البيروقراطية العسكرية التي تسيطر على بقية أفرع القوات المسلحة والتي ظهر أثرها في كفاءة عمليات الجيش بسيناء في مواجهة عشرات المسلحين.

صدقي صبحي والاستثناء المربك.

مما تقدم يبدو واضحا كيف أن السيسي يفعل ما بوسعه لتعزيز علاقته بالقوات المسلحة التي هي رافعته للحكم عن طريق استخدام كافة الطرق والوسائل لاحتكار تمثل المسلحين ولضمان استمرار دعمهم له.

وفي هذا السياق يظهر وزير الدفاع صدقي صبحي كاستثناء وحيد لهذه القاعدة، رفيق السيسي نجح في تحصين منصبه كوزير للدفاع في دستور الانقلاب وتراوحت مواقفه السياسية المعلنة تجاه السيسي بين الدعم والتأييد الكاملين الى السكوت وربما استخدام عبارات حمالة أوجه في مناسبات أخرى.

وبما أننا نعلم أن السيسي دائم التشكك والريبة في أي شخص قادر على إحداث تغيير في معادلة القوة، ورغم العلاقة الطويلة والتاريخ المشترك بين صبحي والسيسي، فإننا وبتتبع ما اتخذه السيسي من إجراءات سابقة ربما نشهد حدثا ما يزيح أحد الرجلين من طريق الآخر عاجلا أم آجلا.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها