كورونا… ومعضلة الأرقام

السيسي يتفقد العناصر والمعدات التابعة للقوات المسلحة المخصصة لمعاونة القطاع المدني لمكافحة فيروس كورونا

والحقيقة أن مؤشرات كورونا ليست مصمتة وهناك الكثير من المتغيرات التي تجعل الاستدلال بتلك الارقام مهمة في غاية الصعوبة بل وتكاد تكون درب من دروب الاستحالة.

منذ ساعات قليلة أعلنت الصين عن إضافة حوالي ١٣٠٠ حالة وفاة جديدة إلى أعداد الوفيات السابقة، والتي كانت تعد على أصابع اليد الواحدة في الأيام السابقة لهذا الإعلان …

هذا الإعلان أثار الكثير من اللغط حول مصداقية أرقام الصين برمتها منذ بداية الأزمة حتى الآن، وأكدت الشكوك التي كانت تراود الكثير من الخبراء حول الهبوط المفاجئ في أعداد المصابين والوفيات التي حدثت في دولة كثيفة السكان والازدحام مثل الصين.
لا اعتقد شخصيا أن هناك من ينكر أنه منذ بداية الوباء وكل الأنظار اتجهت إلى الجداول التي تنشرها مواقع المنظمات العالمية والتي توضح ترتيب الدول وجدولتها من حيث أعداد الأصابات الجديدة والإجمالية، وكذلك من حيث أعداد الوفيات، وتمت إضافة خانات جديدة لأعداد التحاليل التي تجريها تلك الدول ونسبتها بالنسبة لعدد السكان؛ بل واستخدمها البعض في قياس مدى التقدم في الرعاية الصحية في تلك الدول ومدى نجاح استراتيجيات هذه الدول في التصدى للوباء …

بل تم كذلك استخدام تلك الأرقام في مقارنة تفوق بعض الدول على الأخرى في التحكم في مدى إنتشار الوباء.
المعضلة هنا تقع في الدلالة الحقيقية لتلك الأرقام، وفي استبيان مدى قوة النظام الصحي في دولة ما أو في مقارنة دولة بأخرى في قوة استراتيجية مقاومة الوباء فيها …

من أهم المتغيرات التي تظهر على السطح في أوقات الأزمات الصحية واسعة الإنتشار، كما يحدث في ذلك الوباء هو مدى كفاءة النظام الصحى  …

 

والحقيقة كما أراها أن هذه الأرقام ليست مصمتة وهناك الكثير من المتغيرات التي تجعل الاستدلال بتلك الأرقام مهمة في غاية الصعوبة بل وتكاد تكون درب من دروب الاستحالة.
تلك المتغيرات قد تكون من الكثرة بحيث يصعب حصرها، ويكشف عن مدى تأثيرها في القوة الإستدلالية للأرقام والمؤشرات ..

فكل دولة لديها من الخصوصية ما يجعلها تختلف عن غيرها من الدول جملة وتفصيلا وهذا ماظهر في الاختلافات الواضحة بين دول الجوار التي كانت فيما سبق تبدو متشابهة وأحيانا متطابقة.
لو استطعنا أن نعدد تلك المتغيرات سنجد أن بعضها ظاهر ويمكن حصره والبعض الآخر كامن أو مخفى عمدا أو غير ذلك …

فمن المتغيرات الظاهرة نجد على سبيل المثال عدد السكان وتوزيعهم الجغرافي وانتشارهم في الرقعة السكانية وكذلك متوسط أعمارهم السنية ونسبة العجائز أو الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الأمراض والأوبئة …

كذلك يمكن حصر عدد المستشفيات في تلك الدولة وعدد أسرة الرعاية  المركزة، وأعداد أجهزة التنفس الصناعي، ونسبتها بالنسبة لعدد السكان … 

وفي كثير من الدول التي تعتمد أنظمة الملفات الطبية المميكنة يمكن كذلك حصر شيوع الأمراض المزمنة، ومدى القدرة على اكتشافها وإبقائها تحت السيطرة الطبية.
أما المتغيرات الكامنة أو الخافية فهي كثيرة جدا بحيث يصعب حصرها، أو بيان مدى تأثيرها سواء في مصداقية الأرقام أو في دلالتها … ربما يكون من أهم تلك المتغيرات في بعض الدول هو الظرف السياسي في تلك الدولة من حيث النظام الحاكم، وأغراضه الظاهرة والباطنة.

وهل هناك أولويات في عقل ذلك النظام مقدمة على أولوية الحفاظ على شعبه، وضمان أقصى قدر من السلامة الصحية لهذا الشعب، مما قد يدفع النظام  إلى التعتيم أو التكتم على انتشار المرض وتزييف الأرقام للحفاظ على مكتسبات سياسية أو اقتصادية أو حتى علاقات دولية يحتاجها  للبقاء  أو لإطالة عمره ضمن قائمة  الأنظمة الشائخة وغير المستقرة؟
ومن تلك المتغيرات التي يصعب قياسها أيضا هو مدى قوة وعى الشعب الجمعي وخاصة في أوقات الأزمات … وذلك المتغير يعتمد أساسا على نسب الجهل والفقر وشفافية الحكومات وتوفير المعلومات، ومدى كفاءة وسائل الإعلام في إيصال المعلومات والأرشادات المطلوبة للتغلب على تلك الأزمة …

وربما يعتمد ذلك المتغير أيضا على المتغير السابق المتعلق بنظام الحكم ومدى إخلاصه في تطوير السياسات التعليمية والإعلامية لصالح الشعب.

من المتغيرات التي يصعب قياسها أيضا هو مدى قوة وعى الشعب الجمعي وخاصة في أوقات الأزمات … وذلك المتغير يعتمد أساسا على نسب الجهل والفقر وشفافية الحكومات وتوفير المعلومات

من أهم المتغيرات التي تظهر على السطح في أوقات الأزمات الصحية واسعة الانتشار، كما يحدث في ذلك الوباء هو مدى كفاءة النظام الصحي  …

فليس معنى توافر المستشفيات وأسرة الرعاية المركزة أن المنظومة الصحية تعمل بالكفاءة المطلوبة … فهناك الأهم وهو كفاءة القيادات ومدى قدرتهم على اتخاذ القرارات الحاسمة في الأوقات المناسبة؛ بل ومدى نفوذهم وقدرتهم على إنفاذ تلك القرارات في أوقات الأزمات … وكذلك كفاءة الأجهزة التنفيذية في التنسيق والتعديل والتطوير حسب مقتضيات الحاجة …

ويصل الأمر إلى مدى قدرة الأطقم الطبية على التعامل مع الضغوط العلمية والجسمانية والنفسية التي تطرأ عند التعامل مع وباء بهذا الحجم.
أخيرا.
في رأيي أن أخذ تلك الأرقام على عواهلها في الحكم على قدرة دولة ما على التعامل مع وباء ما؛ بل ومحاولة توقع مسارات محدده لهذا الوباء بناء على مسارات دول أخرى هو نوع من التبسط أو الاستسهال في الاستنباط يبنى عليه توقعات ونتائج غير حقيقة، وإن الكثير من المتغيرات التي نعلمها أو لا نعلمها التي تتفاعل مع تطور الوباء ومع بعضها البعض أقوى بكثير مما نستطيع فهمه أو أن تدركه أقوى وأحدث الحاسبات الآلية.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها