كبرى هزائم الثورة المضادة

مر عامان على ذكرى الانقلاب الفاشل في تركيا وعاد أردوغان أكثر قوة وسيطرة، وتمثل فيه القول إن الضربة التي لم تقتل تقوي.

 فشل هذا الانقلاب هو بالفعل أكبر هزائم الثورة المضادة. تلته هزيمة أخرى وفشل جديد في محاولة قلب نظام الحكم في قطر، وكما خرج أردوغان أقوى، تمكنت قطر حتى الآن من الحد من آثار الحصار المفروض عليها من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بل حققت قطر مكاسب على صعيد الاقتصاد الداخلي والسياسة الخارجية، فبعد الانتصارات التي حققتها الثورة المضادة من بعد إسقاط مرسي عام 2013 طمعت الثورة المضادة في توجيه ضربة قاضية للثورات وداعميها من خلال القضاء على أردوغان فدعمت  الانقلاب في تركيا بالفعل ولكنها تلقت الهزيمة التي يمكن وصفها بكبرى الهزائم.

ولنتعرف أكثر إلى أهمية هذا الحدث يجب أن نحدد أطراف الصراع الحالي في الشرق الأوسط وامتداداته الخارجية. فالعالم أمام فريقين رئيسين في المنطقة: فريق الثورة وفريق الثورة المضادة.

فريق الثورة ويتشكل من: أولاً: غالبية الشباب وكثير من المواطنين الذين يتطلعون إلى التغيير في العالم العربي.

ثانيا: تيارات سياسية يسارية وليبرالية، وجماعات أبرزها جماعة الإخوان المرشحة دائما لأن تكون بديلا مستعدا لتولي الحكم.

ثالثا: الداعمون الإقليميون إعلاميا وسياسيا وأبرزهم تركيا التي من مصلحتها التغيير الذي يتوافق مع طموح أردوغان، الذي يدرك أن التغيير سيأتي بحلفاء إسلاميين. كما أن قطر أظهرت مرونة سياسية في التعامل مع مختلف الأنظمة والتيارات في المنطقة.

رابعا: الاتحاد الأوربي الذي بارك التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط بحذر واكتفى بدعم قبول التحول من دون أن يتدخل لحمايته أو دعمه.

خامسا: الديمقراطيون في أمريكا خلال فترة أوباما وبعض المحافظين المعتدلين ولكن أيضا دعمهم كان محدودا. يهدف في الأساس، إلى ضمان الحفاظ على مصالحهم وهي أمن إسرائيل والنفط.

لذلك بدا أوباما ضعيفاً أمام تحقيق توجهه في دعم الثورة، فترك أمر نجاح الثورة أو فشلها للأقوى على الأرض، طالما الموجود سيحافظ على المصالح الاستراتيجية.

 أما الفريق الآخر، وهو الثورة المضادة، فيدعم بقاء الوضع على ما هو عليه والحفاظ على نفس الأنظمة السياسية الموجودة وأهم عناصر هذا الفريق:

أولاً: أجهزة الدولة الأكثر استفادة من الوضع ماديا ونفوذا ومنها الجيش الحاكم غالبا والشرطة والقضاء ورجال الأعمال.

ثانيا: جمع من المواطنين الميسوري الحال وبعض الفقراء الذين يخشون التغيير ويعتبرون أن السيئ أفضل من الأسوأ.

ثالثا: إقليميا: بعض دول الخليج وربما أكثرهم الإمارات التي والسعودية ويسيطر عليهما خوف من أن وصول الإسلاميين للسلطة أو حتى مشاركتهم السياسية قد يهدد عروشهم، ويعملان على إعادة إنتاج الأنظمة العسكرية الحاكمة ولكن بنسخة أكثر قمعا لضمان القضاء على اي محاولة للتغيير ولتحقيق استقرار الحكم.

ويرى كثير من المحللين أن هذا الخوف في محله، فالتغيير الى الديمقراطية في المنطقة بالتأكيد لن يكون متوافقا مع أنظمة ملكية أوتوقراطية.

رابعا: إسرائيل وهي تستفيد من أي صراع في المنطقة (يستنفد)؟ مقدراتها ويضعف محيطها ويفتت دولها.

خامسا: اليمين المتشدد في أمريكا والغرب وترتبط هذه الاطراف بمصالح وأيديولوجيات مشتركة، فطبعا مجيء ترمب أعطى قوة كبيرة لجناح الثورة المضادة.  ويمكن القول إن الثورة المضادة نجحت بالفعل في العودة إلى الحكم  في مصر ونجحت في استغلال تخريب اليمن ونشر الفوضى في ليبيا وسوريا وتصدير انطباع الندم بين الناس على تطلعهم إلى التغيير وتأييده. أما خارج هؤلاء فتوجد أطراف منها إيران تدعم التغيير في الأنظمة الخصم لها وترفض التغيير في الأنظمة المتوافقة معها بل وتسيطر عليها.

وبالنظر إلى هذا التقسيم فإن نجاح الانقلاب في تركيا كان سيفقد فريق الثورة أقوى داعم لها.

 وبالرغم من محاولة تصوير أن تركيا تدعم الإخوان المسلمين فقط فأعتقد أن هذا ليس صحيحا بل إن مصلحة تركيا أردوغان مع التغيير في المنطقة سواء كان الإخوان على رأسه أو مشاركين فيه.

وعلى ذلك فإن تراجع الثورة الحالي وهدوءها أمام الضربات التي تلقتها وبسبب القمع الشديد الذي تلاقيه، مع عدم القضاء على داعميها يعني الأمل في أن تعود الثورة وتهب رياح التغيير من جديد بشكل أخر ربما أكثر نضجا وفي ظل كثير من المتغيرات السياسية التي وقعت والمتغيرات المتوقعة.

فما وقع بالفعل أن أردوغان نجا من القضاء عليه وعاد أقوى، وقطر لم تسقط أمام الحصار عليها وتخطت الأزمة.

 غير أن ظاهرة تأييد اليمين المتطرف في العالم بدأت تنحسر بعدما كانت تمددت بسبب تفاقم مشكلات اللاجئين وتأثيرها السلبي على الاقتصاد والناس في أوربا. ويتجلى ذلك في

خسارة اليمين المتطرف في انتخابات فرنسا وهولندا. أما المتغيرات المتوقعة التي يمكن أن تضعف الثورة المضادة وتعطي دفعا للثورة والتغيير، فتتمثل في أنه من الأرجح ألا يفوز ترمب بفترة جديدة، فضلا عن إنهاك القوى الإقليمية الداعمة للثورة المضادة خاصة اقتصاديا. فالواقع يشير إلى أن الوقت يزيد من كفة القوى الإقليمية والدولية الداعمة للثورة على حساب القوى المضادة للثورة. وإذا كان دوام الحال من المحال فإن السؤال المهم هو: ماذا عن القوى والتيارات السياسية الشعبية العربية الساعية للتغيير من جماعات، وتيارات؟ هل تعمل على استثمار المتغيرات الواقعة. وكيف تخطط لاستقبال أي متغيرات سياسية إيجابية متوقعة؟

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها