كاد المعلم أن يموت مقتولا

يبدو أن الوقت حان لترسيخ ثقافة تربوية تعليمية جادة، بمشاركة كل الأطراف الفاعلين، وإعادة النظر في ثقافة وسلوك وكفاءات المنظرين أنفسهم داخل قطاع التعليم ببلادنا، قبل أن تتفاقم الأوضاع أكثر داخل قطاع التعليم، ونهوي مستقبل البلاد إلى المنحدر المجهول. ثقافة لا يمكن أن تنفرد في صياغتها الوزارة الوصية، ولا المجلس الأعلى للتعليم، بل يجب أن تفتح من أجلها ورش داخل القطاعات الحكومية والمجتمع المدني والإعلامي، والقطاع الخاص.

ويجب أن يكون الهدف منها إعادة الثقة في المدرسة، وإنصاف المدرس. إذ لم يعد لمعلمي أمير الشعراء الراحل أحمد شوقي أية مكانة داخل مؤسساتنا التعليمية، ولم يعد لهؤلاء التربويين الذين صنفهم قبل وفاته في خانة الرسل والأنبياء، أدنى احترام ولا قيمة داخل مجتمعنا.

بعد أن أصبح (المعلم) شماعة الحكومات، تعلق عليها فشلها في كل برامجها ومخططاتها، وبعد تواطؤ الكل من أجل النيل من سمعته وشرفه، وقتل روح التربية والتعليم في داخله، فقد المعلم هيبته، لا قيام ولا تبجيل ولا تقدير، ولا حتى وقار، المفروض أنه الأستاذ والأب والمربي، يتلقى المهانة والسخرية والتهم الملفقة من التلامذة والآباء والوزارة الوصية.  

قبل أيام تعرض أستاذ لعنف جسدي أثناء مزاولته مهامه، والجاني ليس مجرما ولا مضطربا نفسيا، بل تلميذا من تلاميذه، وبحضور كل تلاميذ صفه، داخل مؤسسة أحدثت من أجل التربية والتعليم، مدرس وارزازات الذي تعرض لاعتداء عنيف، لو سقط تحت رحمة لص أو مجرم في الخلاء، لكان أرحم وأحن عليه من ذاك التلميذ المنحرف الذي ضل يتلذذ بتعنيفه.

هناك الكثيرون، ضحايا تلاميذ منحرفين، استباحوا أجسادهم وشرفهم، وضربوهم باللكمات والصفعات والرفس، وباستعمال العصي والسكاكين والمديات داخل المؤسسات التعليمية وخارجها أثناء الامتحانات الإشهادية، أو داخل أقسام الدراسة ومحيط المؤسسات التعليمية، ولم يتم إنصافه، بل إن معظم الضحايا استجابوا لتوسلات أقارب وأصدقاء أو زملاء أو أفراد من أسر الجناة، وتنازلوا عن متابعتهم قضائيا فيما تنازل بعضهم خوفا من الانتقام.

هؤلاء لم تعد تحق عليهم الأبيات الشعرية التي تغنى بها في حقهم، الأمير الراحل شوقي، بعد أن نسجت الحكومة بديلا لها في صيغة جديدة  مطلعها

قم للمعلم وفِّه “التبهديلا” كاد المعلم أن يموت قتيلا، ليتم  ترسيخ ثقافة العنف والإهانة والسخرية من المدرسين.  من منا سينسى لائحة المتغيبين، التي أشهرها وزير القطاع السابق، والتي تضمنت أساتذة يرقدون في المستشفيات، وآخرون ذهبوا لحج بين الله. كما ضمت بالخطأ اسم أستاذة لم يسبق لها أن تغيبت.

من منا سينسى ما صرح به وزير الوظيفة العمومية، عندما لم يستسغ الأمر الملكي بقطع العطلة الصيفية على بعض الوزراء المعنيين بمشاريع منارة الحسيمة. حيث طالب بمنع العطلة الصيفية على الأساتذة بحجة أن هناك تلاميذ داخل فصولهم الدراسية رسبوا،  ومن منا لا يتذكر العنف اللفظي والجسدي الذي تعرض له الأساتذة المتدربون، حينما طالبوا بإنصافهم، و(السلخة والتبهديلة) التي تغذى بها هؤلاء.

هجوم دموي يوحي وكأن هؤلاء الأبرياء كانوا بصدد ارتكاب عمل إرهابي أو عدائي للبلاد، أو أنهم قاموا بالهجوم على الأمن العمومي أو تخريب ممتلكات عمومية أو خاصة، والحال أنهم كانوا مسالمين يؤمنون بقوة وفاعلية الاحتجاج السلمي.

لابد إذن من تغيير منهجية التعليم، والاعتماد على المدرس، من أجل تشخيص وتشريح واقع التعليم، واقتراح الآليات والسبل الكفيلة بنهضته، ولابد من تغيير حتى اسم الوزارة الوصية التي لا تتضمن كلمة (التعليم المدرسي)، وتكتفي بكلمتي (التربية الوطنية) لأن هذه التربية الأخيرة هي واجبة على كل المغاربة داخل وخارج فصول الدراسة وبغض النظر عن أعمارهم، ويمكن أن تلقن دروسها داخل كل المرافق والقطاعات العمومية والخاصة، ونحن في حاجة إلى التعليم الذي افتقدناه وسط زحمة الكتب والبرامج  ورؤى المنظرين القصيرة. 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها