قهر الأحرار.. وموت الضمير!

القيادي بحماعة الإخوان المسلمين في مصر، الراحل عصام العريان

كم هي مرعبة الأخبار التي سرعان ما تصاغ بسهولة إلينا؛ ويكون وقعها على النفس صعبا حتى تآلفنا معها وأصبحنا نردد في أنفسنا ” المزيد من هذه المأساة قادم لا جدال في ذلك”.

ثمة أمور في الحياة اليومية تدور في خلد الإنسان وأعني هنا الإنسان الذي لم تجرده الأحداث التي تعصف بمنطقتنا العربية والإقليمية اليوم؛ لاسيما خلال السنوات العشر الماضية عن إنسانيته، عند مرور خبر وفاة رجل أو امرأة فرض عليهما واقع مرير العيش خلف غياهب السجون مجرد أن رفضا الانصياع لفكرة ” الخنوع والظلم” وطالبا في الوقت نفسه ترسيخ مبدأ” العيش بكرامة”.
كم هي مرعبة الأخبار التي سرعان ما تصاغ بسهولة إلينا؛ ويكون وقعها على النفس صعبا حتى تآلفنا معها وأصبحنا نردد في أنفسنا ” المزيد من هذه المأساة قادم لا جدال في ذلك”، لأن سيناريوهات الواقع تجيب قطعا عن ذلك، ولأن تجارب الماضي أيضا أضافت إلى رصيد ذاكرتنا الكثير من المآسي والمصائب.
في وقتنا الحالي أصبحت فكرة الظلم أمرا عاديا نراها واقعة أمامنا إن صرخنا وشجبنا في وجه الظالم تارة رغبة منا في الحديث والتعبير عما يجول في خواطرنا وعجزنا وقلة حيلتنا تارة أخرى لأن الأيام والسنوات أصبحت تشبه بعضها بعضا في استقبال المزيد من القهر وسط معان أصبحت شبه ميتة للضمير الإنساني العربي منه والدولي.

الدكتور عصام العريان عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين

الرابع عشر من آب/ أغسطس عام 2013 مشهد لا يمكن أن يغيب عن عيني؛ وأنا أرى صنع الإنسان وظلمه عند فض اعتصامي ” رابعة والنهضة” في مصر.

ولست هنا معنية بسرد سيناريوهات سياسية ومآلات الواقع هناك بقدر الحديث عن مشاهد أصبحت خالدة في ذاكرتي، وعن كم القهر الذي عشناه وإن اختلفت الأيدولوجية والديانة والتاريخ والعرق إلا أن الإجماع على لفظ الظلم هو سمة نبيلة الأجدر بالبشر جميعا أن يتحلوا بها.

 

كم هي مرعبة الأخبار التي سرعان ما تصاغ بسهولة إلينا؛ ويكون وقعها على النفس صعبا حتى تآلفنا معها وأصبحنا نردد في أنفسنا ” المزيد من هذه المأساة قادم لا جدال في ذلك”

اليوم ومع تزامن الذكري السابعة لجريمة إنسانية شهد لها القاصي والداني تفجعنا وسائل الأخبار بوفاة القيادي في جماعة الإخوان والمسلمين عصام العريان” لم يتوقف الخبر هنا؟ بل ” داخل محبسه في سجن العقرب”!

ولا أعتقد أن مثل هذه الأخبار ستكون سهلة على أسرته ومحبيه؛ وكل حر رفض الظلم وحاول قدر المستطاع لفظه.
تواتر مثل هذه الأخبار التي ربما أصبحت طبيعية بعد تداول مثيلاتها كما جرى مع الرئيس المصري المنتخب المرحوم” محمد مرسي العياط”, ستخلف مزيدا من القهر والحسرة وسط ضبابية المشهد وغياب أدنى مستويات الضمير الإنساني وصمت عربي ودولي مريب، حتى بات السؤال :” هل سنكتفي بتقديم العزاء وتفريغ طاقاتنا الكامنة بالعجز والضعف عبر منصات التواصل الاجتماعي، أم أن المشهد أصبح طبيعيا في ظل ما نعيشه اليوم”؟

اليوم ومع تزامن الذكري السابعة لجريمة إنسانية شهد لها القاصي والداني تفجعنا وسائل الأخبار بوفاة القيادي في جماعة الإخوان والمسلمين عصام العريان” لم يتوقف الخبر هنا؟ بل ” داخل محبسه في سجن العقرب”!

لست بصدد الحديث عن سيرة القيادي في الإخوان ” العريان” والحافلة بالتضحية منذ أن ترعرع ونشأ في مصر .

وكان شعلة في العطاء والمثابرة بقدر الحديث عن زمن بتنا نرى فيه قهر الأحرار أمام أعيننا بتفاصيله ولا نحرك ساكنا، وهو أقرب إلى الموت البطيء.

بيد أن ما يزيد الإنسان صلابة مع ارتفاع سقف الظلم والقهر هو أن الأفكار؛ وإن فارق أصحابها الحياة بعد رحلات من العذاب النفسي والجسدي والصبر سنوات فإنها ستبقى خالدة وحية وتتوارثها الأجيال القادمة.
رحل اليوم الدكتور العريان بيد أن أفكاره خلال العقود الأربعة الماضية بقيت راسخة، و ما زاد قناعة بقائها إلى أن تلفظ الأرض كل من عليها هي طريقة قتله القاهرة، ورحيله المر، وحديثه لأكثر من مرة أمام ثلة من القضاة عن الإهمال الطبي في صورة أشبه بمخاطبة بشر هم في الحقيقة بلا ضمير، كما تكرر المشهد سابقا مع غيره.
فكرة رحيل الأحرار ليست سهلة بل ستبقى قصص يتداولها الأجيال ويكتب عنها اليوم ولاحقا كيف استمر هؤلاء الأحرار البقاء طويلا أمام تاريخ من الظلم والقهر ولم يكن بالتأكيد وليد عام 2013؟، وكيف صمت مدعو الإنسانية وموتى الضمير عن ذلك؟، فطوبي للأحرار وهم يرحلون ويتركون في قلوبنا قصصا لم يعد في وسعنا حفظها!

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها