قطار المقاطعة والاستبداد… طبول الاصطدام

شعار أطلقه ناشطون مغاربة ضد بعض السلع للحض على مقاطعتها

أتابع الأحداث السياسية في المغرب دون أن أكون متحزبا أو حاملا لعاطفة سياسية معينة، لكنني دافعت عن حزب العدالة والتنمية في محاولة الإصلاح والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لهذا الوطن الحبيب، طالما قلت أن الحزب يستحق منا فرصة ولايتين للحكم على نجاحه أو فشله.

ومضت الولاية الأولى برفع الدعم عن صندوق المقاصة وحل “لاسامير” (الشركة المغربية للصناعة والتكرير) وإرساء نظام المقايسة، فقلت جميل لو اقترن كل هذا بتوسيع الطبقة المتوسطة على حساب الطبقة الفقيرة ورفع القدرة الشرائية بخفض الضرائب، ثم خفض الرسوم وخلق فرص العمل من خلال جذب المستثمرين وإعادة توزيع الأجور لا الزيادة فيها، لأن الهوة شاسعة بين أعلى الهرم وقاعدته.

بصراحة، خلت أن الحزب من الذكاء بحيث سيحافظ على صداقته للمواطن لأن “المخزن” لا صديق له، خلت أنه سيقوم بكل ما من شأنه إرجاع ثقة المواطن في السياسة بعد أن فسدت وفي الساسة بعد أن استبدوا، ألم يقولوا “صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد”؟ 

لو صدق هذا الخطاب، لكنت أول الملتحقين بحزب من هذا الطراز خصوصا أن فيه رجالا ونساء عرفتهم وعرفت صدقهم وصدق نواياهم ونظافة يدهم ونقاء سريرتهم، فصرت أفسر صابرا ومؤملا تدهور حال المواطن بفترة تقشف تبدو ضرورية، وقلت فلنزرع سبع سنين دأبا فما حصدناه نذره في سنبله، ولنأكل مما قدمت لنا السنون السمان في السنين السبع للاستثمار والتقشف، ثم نغاث بعد ذلك ونعصر وتتحقق نبوءة يوسف فينا.

لكن يؤسفنا لم يكن صديقا فكذَبنا قولا وأخلفَنا وعدا، فمرت السنون سمانا وعجافا وسمنت معها جسوم آل فاسد وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإفساد إلى يوم الدين. ثم ما لبثوا أن أتخموا فغطوا أعينهم وغطوا في سبات شتوي دافئ في ليالي ظلم على الشعب المسكين.

وها هي الولاية الثانية للحزب على رأس الحكومة ستنتهي، والمواطن ساخط على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي استحكم فيها الاستبداد وتجذر فيها الفساد، حين لم يجد المواطن نفسه في قطار التطور الذي وعدوه بركوبه، بل ألفى نفسه على الرصيف ينظر إلى قطار يمر أمام عينيه وهو يحمل الفساد والاستبداد إلى محطة الرقي والازدهار تاركا الشعب ينتظر في محطة الكدح والمعاناة قطارا يقله يوما ما.

من قوانين الطبيعة أن الشعوب لا تموت انتظارا، بل تستجمع قواها لتسير في نفس الطريق حتى لو تأخرت. يعود الشعب المغربي إلى طريق الاحتجاج بحملة مقاطعة مفاجئة لمواجهة قطار الفساد. وتنطلق معركة جديدة بين فئة الشعب الذي لا تقوده إلا وطنيته ودفاعه عن رزقه الحلال وفئة من المستبدين لا يرون في أبناء الشعب إلا جيوبهم. لقد فهمت الشعوب أن النخب السياسية غير قادرة على حمايتها وأن قطار الفساد يخترق كل السكك ويفتك بكل من يعترضه دون منازع أو محاسب. لقد تحولت حملة المقاطعة إلى قطار شبح، لا يراه أحد ولكن الجميع يعلم أنه موجود.

هو قطار الوعي والحضارة لشعب اختار نفسه للدفاع عن نفسه، لشعب اختار الذود عن مصالحه في إطار الحفاظ على ثوابته التاريخية، إنها مسيرة شعب نحو امتلاك زمام الأمر استردادا من أيد لم تحسن تسييره، والمحطة المنشودة هي “الكرامة”.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها