قصة كوفيد 19 من الصدمة إلى التعايش (3)

مصر سجلت أعلى حصيلة إصابات يومية بفيروس كورونا أمس الجمعة

نستكمل في الحلقة الثالثة والأخيرة من قصة كوفيد 19، الحديث عن مفهوم جودة الحياة ومؤشراته في ظل أزمة كورونا، ومختلف المظاهر  المرضية المصاحبة له، متوقفين في النهاية عند علامات التعايش مع هذا المرض وأهم رسائله إلى الأفراد والجماعات.

جودة الحياة في ظل أزمة كورونا
يفسر مفهوم جودة الحياة من خلال مؤشرات بدنية ونفسية واجتماعية وفكرية واقتصادية وثقافية وصحية، وليس بالضرورة أن تتحقق كل هذه المؤشرات للحديث عن جودة الحياة.

لأنه في العمق تعتبر جودة الحياة صورة مثالية يسعى كل فرد إلى تحقيقها، وليس بالضرورة أن يحوز الفرد كل مكونات جودة الحياة، ولكن كل واحد يرنو إلى تحقيق درجة أو درجات من جودة ورفاهية الحياة. ذلك فضلا عن أن هذا المفهوم لا يرتبط في عموميته بوضع اجتماعي (فقر أوغنى) أو حالة معرفية (جهل ـأوعلم) أو بمكانة مجتمعية (سلطة أو جاه)، حيث إن جودة الحياة قد ينعم بها إنسان في كوخ بسيط وبعيش يسير، ويُحْرم منه ذو جاه ومال وفير.. إذن فالإنسان في مسار حياته يبحث عن هوية لذاته تتكامل فيها عناصر متداخلة يطلق عليها جودة الحياة.

تفشي فيروس كورونا

إن الحجر الصحي رافقته ظواهر نفسية ومشكلات سلوكية كبيرة، بسبب الأنتقال إلى السجن الإختياري في المنزل والتباعد الاجتماعي و”الجفاء” العاطفي غير المعتاد.

والتدابير الاستثنائية وواقع الحياة الجديدة..، إلى جانب متابعة أخبار العالم والأحداث عن طريق عالم الشاشة والتواصل عبر العوالم الافتراضية.

كل هذا كما أشرنا أفرز عالما من التمثلات يجد فيه الفرد نفسه تائها ومُسَلِما مصيره للمجهول، تمثلات قد تأخذ منحى سلبي نتيجة فشل الفرد في فهم وضبط بيئته الاجتماعية، وذلك بسبب المعلومات المنتشرة حول مرض كوفيد19 وأعراضه غير دقيقة الوصف،  وظروف وطرق انتقاله التي ماتزال في خانة التدقيق.

هذا فضلا عن تركيبته الجينية التي تظل في طور البحث والاكتشاف، ولقاحه غير المتاح إلى الآن، وتوقعات ضعف انتشاره التي تبقى في خانة قراءة الطالع، مرة في شهر أبريل/نيسان 2020 وتارة أخرى في ماي أو يونيو/ حزيران وحينا آخر  في مطلع غشت/أغسطس، والأشد تلك التي تؤكد استمرار العدوى إلى أن يوجد اللقاح.

 الأمر يستدعي تشجيع البحوث النفسية بالتوازي مع الجهود العلمية وذلك من أجل فهم حال النفس الإنسانية في زمن الإرتجاجات والتنبؤ بمآل ترسباتها واقتراح الحلول والتوصيات من أجل التعايش مع الذات والتصالح الداخلي،واكتساب مناعة سوسيومعرفية من أجل الحفاظ على التوازن الفكري والنفسي والعاطفي والاجتماعي

وتصريحات هنا وهناك من خبراء وأطباء وسياسيين.. بروتوكلات طبية متغيرة تارة يوصون بدواء الكلوروكين الخاص بمعالجة داء الملاريا وفعاليته في معالجة مرض كوفيد19، وتارة أخرى يوصون بمنعه.

كل هذه المعطيات لا تغير في واقع الأمر شيئا، فانتشار الفيروس في استمرار والخوف والفزع والذعر من الإصابة به قائم في كل مكان، مما يجعل الانسان غير قادر على استيعاب هذا الواقع الجديد، لأن نسق التمثلات السوسيوثقافية حول المرض والطب وعجز التكنولوجيا في مرحلة التغير والتحول.
وفي ظل هذا السياق فإن جودة الحياة النفسية للأفراد تضمحل على جميع المستويات كما تؤكد الدراسات؛ إذ إن زمن الحجر الصحي أثر سلبا في جميع الفئات، إبتداء من الأطفال وإدمان ألعاب الفيديو والإنغماس في عوالم الشاشة الصغيرة، وتأثرهم البالغ بالوضع الإدراكي والنفسي للمرض في محيطهم العائلي،والمسنين وتفاقم العزلة وانكسارهم النفسي كونهم الأكثر عرضة للإصابة بالعدوى (الضحايا المفضلين لكورونا) والشباب والهجرة الافتراضية إلى الشبكات الاجتماعية والمواقع الرقمية، والأسرة الفقيرة وضنك العيش.. وثقل فواتير الكهرباء والماء والإنترنت، وتضاعف معدلات العنف بأشكاله الرمزية والاقتصادية والمادية والمعنوية.. وكثرة المشكلات البدنية والنفس-اجتماعية (الإدمان و الإنتحار و القلق و الإكتئاب،و الرهاب الاجتماعي… البطالةو العنف و تدبير الفراغ و كثرة النوم والكسل،و ضغط الدم، ومراض القلب، السمنة…)

ولا تقتصر المعاناة النفسية على هذه الفئات من عامة الناس، فكذلك العاملين في المصانع والمرابطين من رجال الأمن، والأطباء والممرضين والمساعدين في المستشفيات، ورجال الإسعاف وغيرهم… فالكل له حظه من المعاناة النفسية، الأمر الذي يستدعي الدعم والمواكبة النفسية..فالطبيب يحتاج إلى الدعم النفسي، وكذلك المريض والمعافى والأمر أيضا يسري على الذي يترقب في الحجر الصحي سواء كان كبيرا أو صغيرا.
 الأمر الذي يستدعي بإلحاح من الدول تشجيع البحوث النفسية بالتوازي مع الجهود العلمية وذلك من أجل فهم حال النفس الانسانية في زمن الارتجاجات والتنبؤ بمآل ترسباتها واقتراح الحلول والتوصيات من أجل التعايش مع الذات والتصالح الداخلي في زمن اللايقين، واكتساب مناعة سوسيومعرفية من أجل الحفاظ على التوازن الفكري والنفسي والعاطفي والاجتماعي.. بهدف تجاوز الأزمات والحفاظ على هوية موحدة للذات، والتأسيس لجودة الحياة.

كل هذه المعطيات لا تغير في واقع الأمر شيئا فانتشار الفيروس في استمرار والخوف والفزع والذعر من الإصابة به قائم في كل مكان.. مما يجعل الانسان غير قادر على استيعاب هذا الواقع الجديد، لأن نسق التمثلات السوسيوثقافية حول المرض والطب وعجز التكنولوجيا في مرحلة التغير والتحول..

دروس كوفيد19 وواقع التعايش
مرت أيام الحجر الصحي على جميع بلدان العالم عسيرة، وكانت أشد وطأة وثقلا على الموجودين  في الصفوف الأمامية من أطباء ومساعدين، ورجال الأمن ومن يوفرون الغذاء في الأسواق ومنتجي الكمامات والأدوية الطبية، وكذلك مرضى كورونا، هذا فضلا عن التوتر الكبير في المنازل لدى عامة الناس…، حيث الضغط المستمر إلى درجة الاحتراق الداخلي Burnout، وذلك حسب البنية النفسية التي تتباين من شخص إلى آخر. ومع استمرار انتشار العدوى ومحاصرتها نسبيا في بعض البلدان، لم يجد الفاعل السياسي والاقتصادي في هذه الظروف خيارا آخر غير إعلان التخفيف من حالة الحجر الصحي ورفعه تدريجيا، لكي تعود عجلة الحياة من جديد خاصة إلى الأنشطة الاقتصادية والخدماتية والتعليمية… خيار ربما أملته ظروف اقتصادية واجتماعية، رغم ما فيه من خطر على صحة المواطنين. ان عودة الأنشطة الاقتصادية والخدماتية وفتح الأسواق والمقاهي والمدارس.. والتخفيف من الحجر الصحي استعدادا لرفعه النهائي جاء ليعيد التوازن من جديد.. لكنه توازن مشوب بكثير من الحذر، وبكثير من اللايقين.
كل هذا يفسر حقيقة واحدة في ظل غياب ناجع للمرض وهي أن الناس استوعبوا الصدمة ودخلوا في مرحلة التعايش مع المرض.. الذي يستوجب الاحتراز وأخذ الاحتياطات اللازمة من نظافة وتباعد اجتماعي، وارتداء الكمامات الطبية، وتناول الأغذية التي تقوي الجهاز المناعي للإنسان…وباختصار التقيد بثقافة الوقاية والانخراط في زمن التعايش.
وهكذا ترسل كورونا رسائلها إلى الدول والأفراد وجميع الناس أن لا شيء يعلو فوق التواضع، وأن لا قيادة بدون قيم، وأن لا مفر من الاهتمام بالتعليم وتقوية منظومة الصحة وتشجيع البحث العلمي، والحفاظ على الصحة التي هي أساس جميع الخيرات في هذه الحياة.

اقرا أيضا

قصة “كوفيد19” من هول الصدمة إلى التعايش (٢)

كورونا من هول الصدمة إلى التعايش (١)

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها