فساد التصور الحقيقي للقوة

محتجون يشاهدون النيران تلتهم المطعم بعد إشعال النار فيه، في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية

الصراع والنزاعات في الوطن العربي بعد أحداث الربيع العربي مستمرة وطرفا النزاع هنا هما إسرائيل والعالم العربي، واستمرار النزاع والصراع داخل الدول العربية هو صراع تغذيه إسرائيل.

تستخدم القوة المفرطة وفق تقدير واستراتيجيات أحد طرفي الصراع، لأغراض وأهداف ومصالح لا يمكن تحصيلها في الحالة العادية.

وهي حالة إستخدام القوة في حدها المعقول ،ورغم أنه لا يمكن التنبؤ بنتيجة الصراع والنزاع؛ إلا أنه في الحالة العادية لا يبدو ظاهريا ما يدعو لاستخدام القوة المفرطة، خاصة إذا كانت قراءات طرفي الصراع ترى إمكانية  تحصيل المصالح والأهداف من دون الحاجة إلى الإفراط في القوة.

وفي حالات أكثر استقرارا وثباتا ،فإن الفواعل ربما تستخدم أذرعا أخرى للمحاربة  والتدافع والاشتباك بدلا عنها ،من غير أن تشعر تلك القوى التي تشترك في القتال بشيئ من ذلك.

الصراعات  والنزاعات في الوطن العربي بعد أحداث الربيع العربي؛ هي واحدة من الأمثلة على ذلك.

طرفا النزاع هنا هما إسرائيل والعالم العربي، واستمرار النزاع والصراع داخل الدول العربية هو لتغذيه إسرائيل والولايات المتحدة في ليبيا واليمن وسوريا، وذلك لتمديد بقاء الدولة العبرية والحفاظ على قوة الولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء.

في الحالة غير العادية؛ فإن أحد طرفي الصراع يلجأ إلى إستخدام القوة المفرطة من أجل تحصيل الأهداف  والأغراض والمصالح التي ربما لا تكون إلا بها.

مع هذا فإن استخدام القوة المفرطة ويعنى به استهلاك القوة بصورة أكبر من الصورة العادية،ربما يتضح بصورة أكبر في حروب الإبادة وقمع الفتن الداخلية ،وحروب التوسع الإمبراطوري الإمبريالي، وربما في حالة الحرب ضد دولة أخرى نتيجة خطأ في جمع المعلومات، التي صورت تلك الدولة بصورة وحش ضارٍ مع إنها في الحقيقة ليست كذلك.

الصراعات  والنزاعات في الوطن العربي بعد أحداث الربيع العربي مستمرة وطرفا النزاع هنا هما إسرائيل والعالم العربي ، واستمرار النزاع والصراع داخل الدول العربية هو صراع تغذيه إسرائيل والولايات المتحدة في ليبيا واليمن وسوريا

ففي حروب الإبادة والتطهير العرقي مثلما في ميانمار في الوقت المعاصر مع أقلية الروهينغيا المسلمة، فإن الدولة استخدمت القوة المفرطة بهدف إقصاء وإخفاء تلك الفئة من البشر إخفاء تاما وأبديا، وهو مالا يتحقق (وفقا لتقديراتها واستراتيجياتها) إلا بالقوة المفرطة واستخدام كافة أنواع القوة؛ بل إن النظام لجأ إلى استخدم القوة العقائدية للبوذيين (المؤمنين الخلص!) باعتبار إبادة الروهينغيا المسلمين واجبا مقدسا!

واستخدمت الولايات المتحدة ذات القوة المفرطة لإبادة الهنود الحمر ، ومارست تطهيرا عرقيا مفزعا ضد تلك الفئة من الناس، حتى يتسنى لها إقامة الدولة الجديدة فى تلك الأراضي المكتشفة وقتها.

حالة الغرور التي تنتاب الدولة (باعتبارها كائنا وشخصية) أو الشعور بالعلو ودونية الآخرين، هي داء قاتل (إن صح الوصف) يصيبها من حيث لا تدري ،فيوردها المهالك وربما الفناء.

  إن الإحساس المتزايد بامتلاك القوة ، يكون سبب في تكون أحاسيس أخرى كالكبر والإحساس بالفوقية، وإذا زاد هذا المزيج من الأحاسيس وتفشى فإنه  كفيل بأن يفقد النخبة رشدها ،وأن تضل سواء السبيل وتفقد الكثير من قوتها.

وهذا الداء في أصله هو محصلة الأوهام والمفاهيم المغلوطة التي تتجمع وتتركز في ذاكرة الدولة، ومن هذه المفاهيم المغلوطة؛ والتي ربما تأخذ أبعادا أكبر من حجمها الحقيقي والفعلي، هو مفهوم القوة؛ فإذا كانت الدولة ذات قوة وبسطة وتتعامل بالقوة بافراط وغشم فهي أكثر عرضة للإصابة من غيرها ،غير أنه دائما ما يترافق مع القوة المفرطة ويكون سببا رئيسا: فساد المعتقد والديانة.

وفساد المعتقد هو من أكبر الأسباب المؤدية إلى الخذلان والهزيمة بل والانهيار، فمن جعل إلهه هواه واتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان، تكالبت عليه الدنيا ونافسوها كما تنافست الأمم السابقة وحقت عليهم كلمة العذاب قال الله تعالى: (أفرايت من اتخذ إلهه هواه  وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون).

ومن أشرك بالله وغرته الأماني فإن الله يستدرجه مهما أوتي من قوة وقدرة وبطش، ويخسف به ويأخذه أخذ عزيز مقتدر قال الله تعالى: (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون. وأملي لهم  إن كيدي متين).

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن عوف “فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت علي من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم”.

ومن يشرك بالله فإن الله يقصمه ولا تنفعه قوته ولا عتاده ولا دعته شيئا، والشرك هو أعظم الظلم.

وقد شق علي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتناب الظلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الله رضي الله عنه : لما نزلت هذه الآية: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) شق ذلك علي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا:أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لإبنه (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم).

إن الإحساس المتزايد بامتلاك القوة على اختلاف أضرابها أحيانا يكون سببا رئيسا في تكون أحاسيس أخرى من نوع الكبر والإحساس بالفوقية، وإذا زاد هذا المزيج من الأحاسيس وفشا فإنه وحده كفيل بأن يفقد النخبة رشدها ،وأن تضل سواء السبيل وتفقد الكثير  الكثير من قوتها.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها