فاقد الحب لا يحتفي به

الكل يتحدث عن الاحتفال بعيد الحب الذي يوافق 14 من شهر فبراير/شباط من كل سنة، المحلات التجارية غيرت واجهاتها بكل ما يدل على الحب.

قلوب حمراء، ورد، عطر، بطاقات حب، النساء ينتظرن ما سيقدم لهن من هدايا وكلمات رقيقة ورسائل حب قد تكون حقيقة أو منمقة، فكل شيء عندنا أفرغ من معناه وأصبح مبتذلا واستهلاكيا، لكن هذا كله لا يهم، ما يثيرني في القصة هو العيد في حد ذاته!

“سان فالنتين” يرمز إلى التضحية في سبيل فكرة، والاحتفال به يعني القطع مع ذلك الإرهاب الذي مورس على القديس فالنتين الذي كان يزوج العشاق آنذاك، لكن أين نحن من هذا؟ وفي أوطاننا يجعل القانون من العشاق مجرمين، فلو صادف شرطي عاشقان يجلسان بجانب  البحر أو حتى في الحديقة يطالبهما بهويتهما، وبعدما يكتشف أن لا صلة قرابة تربط بينهما يقودهما لمخفر الشرطة، حتى العشاق المتزوجين مطالبين حين يقررون قضاء لحظة صفاء خارج البيت والمقاهي  بحمل عقد الزواج تحسبا لأن يصادفهما رجال الأمن.

تحكي إحدى صديقاتي أن لها صديقة قررت، يوم عقدت قرانها، هي وزوجها الذهاب للبحر، لكن ما إن اتخذا مقعدا، تقول صديقتي حتى وجدا شرطيا يطالبهما بعقد الزواج وإلا قادهما لمخفر، وبالرغم من أنهما حاولا شرح موقفهما وأنهما للتو عقدا قرانهما والوثيقة لن تكون جاهزة إلا بعد يومين، فإنهما وجدا نفسهما في سيارة الشرطة رفقة المجرمين، ولم يخرجا من هذه الورطة حتى قدم والدهما لمخفر وقدما ما يثبت أنهما متزوجان.

هل مجتمعنا عرف الحب حقا؟ أم هو أيضا من بين “الفقعات” الكبرى التي نتغنى بها من دون معرفة مسبقة، لا يغرينكم أن العشق و الغزل نالا  نصيبا كبيرا من الشعر العربي، وجل مسلسلاتنا وأغانينا تتحدث عن الحب، فالحقيقة شيء آخر، فمجتمعاتنا تعبر بشكل صريح عن أن الحب شيء يمكن وضعه في خانة المحظورات، وأغلب العشاق المفترضين يحبون في العتمة وبعيدا عن أعين المجتمع، ومن عبر عن إحساسه بصدق يعتبرونه منحلا أخلاقيا ومتحررا ويقتدي “بالكفار”، حتى حين يبتسم الحظ للمرأة  وترتبط بحبيبها فهي تبدأ باختلاق قصص لتبرر لوالديها أين تعرفت على من يتقدم لخطبتها ولا تستطيع إخبارهما أنها تحبه وكانت لها علاقة حب معه قبل الخطوبة.

عن أي عيد حب نتحدث ونحن نشاهد كل يوم قصص حب تنتهي ويحكم عليها بالموت بسبب البطالة والمشاكل الاقتصادية، والضحية الأولى والأخيرة هي المرأة تفني زهرة شبابها مع رجل أحبته وهو أيضا أحبها،  لكن بسبب ضغط المجتمع والعائلة تنتهي علاقتهما لأنه “لم يكون نفسه بعد”..بعدها إما تضطر للزواج برجل لا تربطها به غير تلك الورقة اليتيمة حتى لا يقال عنها “عانس”، أو تمض ما تبقى من حياتها وحيدة لأنها في الوقت الذي كانت قرينتها  يتزوجن كانت تعيش قصة حب.

جميل أن نحتفل بالحب، ونحن نعلم أن بعض الوحوش في صورة آدمية يستغلون هذه الكلمة للإيقاع بفتيات صدقن كلامهم المعسول، وأحاسيسهم المزيفة، وبعد الوصول لمبتغاهم، يرمونهن رمية “اللحوم الفاسدة”؛ كم كان سيكون ممتعا أن نحتفل بالحب من أجل الحب، ولا نجعل منه قنطرة للوصول إلى أهداف أخرى، كم كان سيكون رائعا أن نعيش من أجل الحب وبالحب ونتخلى عن المظاهر الزائفة والمتطلبات التي تقتل انسانيتنا قبل الحب.

لو استطعنا أن نحب الروح لا المكانة الاجتماعية والحسب والنسب، لو استطعنا أن نحب الإنسان لا الجمال والمظهر والسيارة والوظيفة، سنجعل من الحب وقودا وحافزا للحياة، سنتجاوز الأزمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، سنربي أجيالا متصالحة مع ذاتها أولا ومع المجتمع، لو أحببنا بعضنا وتقبلنا بعضنا كما نحن، سنستشعر لذة الحياة ونتذوق معنى الراحة النفسية والطمأنينة والسعادة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها