فاشية الاستعلاء العرقي

لك أن تتخيل عزيزي العربي أن معظم الدول العربية رفضت استقبال اللاجئين وتركتهم على حدودهم ينزفون من قلوبهم على عروبتهم، واكتفوا بإرسال بعض الأموال لمساعدتهم فقط لكفّ الأعين فقط.

دائماً ما يكون الأمر المتعلق بالأعراق والأجناس في بلادي ميالاً للتسطير في كتب (المسكوت عنه)، أو الممنوع من التصريح به، من باب أن الأمر ينطوي في شاشاته على الكثير من المرارات والمفاهيم التي لها دلالاتها على الواقع الاجتماعي بشكل مباشر.

أوهمنا أنفسنا بأننا “شعب الله المختار”، ولكن إذا تأملت في حالك أحقاً تعتقد في نفسك أنك المختار؟ بل لم يتوقف بنا الأمر عند “شعب الله المختار” فحسب، ولكن تعداه فأطلقنا على دولنا الأوصاف والتسميات التي تدل على سيادتها للعالم، وهي إن كانت توجد مرتبة بعد الأخيرة لاحتلتها.

لا تقل “أُم الدنيا” بل اعرف مساوئك لتعدلها وحين يجيء الوقت المناسب ستصبح “أُم الدنيا” فعلاً ليس اسماً.

للعنصرية تاريخ كبير مع البشر، فمن المعروف أن قديماً كانت التفرقة العنصرية منتشرة بشكل فاجع ليس فقط في الأقاليم العربية بل في الأجنبية أيضاً، فعندما ننظر إلى أمريكا، تلك الدولة التي يُضرب بها الأمثال بالحريات والمساواة والصفات التي تبعد عن الصحة مئات الأميال.

العنصرية في حالة أمريكا كانت بين السود والبيض فقط، ولكن في حالتنا فهي تتعدى ذلك بمراحل.

عنصرية العرب تنبع من كره كل منهم للآخر بدون أية أسباب.. فقط الكره لمجرد الكره، عنصرية العرب تختلف باختلاف الدولة، أو إن صحّ القول، تختلف بمقدار ما تمتلكه الدولة من مال وميراث تاريخي وكلاهما محض من الغباء، فامتلاك المال ليس مدعاة للفخر، فدون إدارة جيدة للمال سيذهب هباءً منثوراً، وتمسكك بميراثك التاريخي وجعله يشغلك عن العمل في الحاضر هو كمن دفن نفسه حياً.

بسبب المال والقوة الوهمية التي تأتي معه تجد في الدول العربية الغنية (دول الذهب الأسود) أشخاصاً عنصريين تجاه كل عامل أجنبي عربياً كان أو غربياً، فتكثر في تلك الدول مظاهر إساءة التعامل مع العمالة البسيطة، وبالطبع لا تقف العنصرية هنا عند الإيذاء النفسي فقط بل تتعداها إلى الإيذاء الجسدي والحرمان من أقل الحقوق، فتجدهم يضربون خدمهم، يهينونهم ويحرمونهم من طعامهم وهَلُمَّ جَرّا، وكأنهم عبيد لا بشر مثلهم يمتلكون حقوقاً وعليهم واجبات.

العنصرية هنا لا تقتصر على ذلك وحسب، بل تصل إلى فرص التوظيف ورواتب الموظفين، فتجد شركات معينة تشترط أثناء التوظيف جنسيات بعينها بدلاً من خبرات معينة، وكأن الجنسية هي التي ستقوم بأداء العمل لا مهارات الموظف نفسه، أما أفظع الممارسات العنصرية هنا فهو اختلاف رواتب العاملين تبعاً لاختلاف جنسياتهم لا كفاءتهم، وهذه لو تعلم فهي كارثة بحد ذاتها، فتجد راتب ابن البلد أضعاف أضعاف راتب الأجنبي، على الرغم من اجتهاد الأجنبي وإتقانه لعمله وأدائه لكل ما يُطلب منه على خلاف ابن البلد!

لك أن تتخيل عزيزي العربي أن معظم الدول العربية رفضت استقبال اللاجئين وتركتهم على حدودهم ينزفون من قلوبهم قبل أجسادهم على عروبتهم، واكتفوا بإرسال بعض الأموال لمساعدتهم فقط لكفّ الأعين عنها لا أكثر، أحقنا على إخواننا في الأزمات أن نلقي لهم حُفنة من الأموال كما نفعل مع المتسولين في الشوارع؟! لم يقف الأمر عند منعهم من اللجوء إلى البلاد وحسب، بل هنالك دول منعتهم منعاً تاماً من دخول البلاد.

نخرج من مأساة اللاجئين إلى التفرقة القبلية والدينية المتفشية في أوطاننا الآن والتي بسببها قُتل الكثيرون وسُحل آخرون وعُذب وذُبح الناس وكل هذا لماذا؟ لاختلافهم في الرأي! منذ متى كان اختلاف الدين مدعاة للقتل؟ بل في بعض الحالات لا نقدر أن نقول الاختلاف في الدين؛ لأن الاختلاف قد ينتج في نفس الدين كخلاف السّنّة مع الشيعة الذي بسببه أُريقت الدماء وفُجّرت المساجد ويُتمّ الأطفال.

أما على صعيد الرياضي، فلن ننسى ما حدث من اعتداءات واشتباكات وسقوط مصابين في السودان نوفمبر/تشرين الثاني 2009 في مباراة التأهل إلى كأس العالم بين مصر والجزائر. أحقاً يستحق التأهل إلى كأس العالم إراقة دم أخيك؟!

تواجه فئات من الدول العربية بكلمات يقول بعض مواطنيها إنها عنصرية، مثل الخدم” في اليمن، وهم الفئة الكادحة التي تقوم بأعمال مزدراة اجتماعياً، و”الحراطين” في موريتانيا، وهي فئة العبيد التي ما زالت موجودة فيها.

وتستعمل كلمة “عبد” في السودان ضد داكني البشرة من باب “المزاح الثقيل” رغم استهجانها اجتماعياً، وهي تخفي وربما تكشف عن تاريخ العبودية الذي كان موجوداً وسط السودان.

ذكر موقع “أتلانتا بلاك ستار” أن المصريين السود والمهاجرين من أفريقيا “يواجهون العنصرية والتمييز بشكل يومي”، وأضاف الموقع أن “العمال المهاجرين من بوركينا فاسو، وغانا، والسودان، والكاميرون، والنيجر، وتشاد يعانون من الاعتداءات اليومية على أيدي المصريين؛ إذ يتم قذفهم بالحجارة، والبصق على وجوههم في الشوارع، ويتعرضون للتحرش اللفظي ويطلق عليهم (سمارة)”.

وتابع الموقع أنهم يتعرضون أيضاً “لاعتداءات جسدية في الشوارع من قِبل السكان، وحتى من قِبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، كما يتم توقيف السود لفحص الهوية بشكل عشوائي على أساس لون البشرة، ويواجهون عمليات الاعتقال التعسفي”. يتعرض السود من السكان الأصليين والمهاجرين من مناطق أخرى في أفريقيا للتمييز العنصري في المغرب؛ حيث تتم تسميتهم بـ “الأفارقة السود”، ويتم اعتبارهم من نسل العبيد، ومن المواطنين “الدرجة الثانية”، وأحياناً يطلق عليهم “الزنوج الدمويون”.

ورصد الموقع بعض الأمثلة على التحيز ضد السود في الإعلام المغربي، مشيراً إلى نشر مجلة مغربية صورة للمهاجرين الأفارقة تحت عنوان “الصراصير السوداء تغزو شمال المغرب”.

العنصرية يمكن أن توجد فيك كقارئ وفي نفسي ككاتب، لكننا لم نلاحظها بعد أو لم نعلم القناع الذي تتنكر به، لكن بمجرد ملاحظتها في أي فعل افتعلناه يجب علينا وقتها نزع قناعها لكشف حقيقتها ومن ثَم معالجتها والقضاء عليها، فلِعلاج لدغة الثعبان، عليك أن تدرك أنه قد تم لدغك أولاً.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها