عن زبيدة

زبيدة أم زبيدة

إن ردة فعل النظام تجاه زبيدة (لو افترضنا أنها لم تكن مختفية قسريا) والوصول إليها في غضون ساعات  يؤكد قدرة النظام على الوصول إلى جميع المختفين قسريا وإظهار قصصهم الحقيقية.

 (حوار تخيلي داخل أحد الأجهزة الأمنية)

المحقق: هاه يا أم زبيدة؟ هتسمعي الكلام ولا إيه؟!

أم زبيدة: هو أنتم مش مكفيكم اللي عملتوه في بنتي؟

المحقق: عملنا إيه؟!  بنتك نفسها طلعت كذبتك في التلفزيون، وقالت إننا معملناش أي حاجة، مش هتعقلي بقى؟!

أم زبيدة: لو قالت إيه  ده مش هيغير اللي حصل، وربنا عالم بيه، مش هيغير حرقة القلب اللي بتكويني كل يوم، والبهدلة اللي بنتي شافتها وحياتها اللي اتدمرت، والقهر اللي في عيونها.
منذ عدة ساعات تم اعتقال أم زبيدة بطلة تقرير ال BBC بعد أقل من يومين على ظهور ابنتها على شاشة التلفزيون مع الإعلامي عمرو أديب، و لا شك أن لقاء عمرو أديب بزبيدة شكك الكثيرين في رواية اختفائها قسريا؛ لكنه في نفس الوقت رغم كل ذلك  أكد العديد من الحقائق ورسخها أكثر.

لم ينف اللقاء اعتقال زبيدة لمدة 4 شهور كاملة عام 2014، وكانت كل الجريمة مشاركتها في مظاهرة للتعبير عن الرأي، وهذا الحدث في حد ذاته من اعتقال واحتجاز هو جريمة من أكبر جرائم النظام التي يمارسها يوميا، ولا يسعى حتى لنفيها.

أما عن رواية زواج زبيدة من سعيد الذي يكبرها بما يقرب من الثلاثين عاما، وإذا افترضنا صحتها ألم يتساءل أحد ما الذي يدفع بنتا في مثل عمرها أن تتزوج مع هذا الفارق الكبير في العمر؟! هل هذا أمر متعارف عليه ومقبول مجتمعيا في مصر؟!  أم إن هذه الرواية تدفعنا بقوة لتصديق رواية أم زبيدة عن اغتصاب ابنتها وانتهاك عرضها، وهذا فقط هو ما يبرر قبولها بهذا الزواج هربا من ألم الواقع التي أصبحت داخله وهي تعلم أن المجتمع لن يرحمها، ولن ترحمها الألسنة حتى مع علمهم بكونها ضحية.

 وعن نفي زبيدة لتعرضها لأي إهانات أو انتهاكات داخل السجن فهو مفهوم تماما إذا أخذنا في اعتبارنا أن اللقاء نفسه تم تسجيله داخل أحد الأجهزة الأمنية، فهل يعقل أن تجرؤ بنت بسيطة مثل زبيدة أن تعبر عما واجهته من إهانة أو اعتداء أو غير ذلك؟ خاصة وأننا لا نعلم ملابسات ترتيب اللقاء أصلا، والأهم من ذلك هل يعقل بعد أن تقبل البنت بهذا الزواج رغبة منها في ستر ما حدث لها من انتهاك واعتداء أن تظهر على التلفزيون لتحكي ما تجرعت المر من أجل إخفائه؟!

كما أنه لا يخفى على أحد شكل المعاملات داخل أروقة السجون والأقسام في مصر، يكفي أن نقول إنه لا تمر عدة أشهر دون أن تظهر ضحية جديدة لقيت حتفها أثناء احتجازها إما بسبب التعذيب أو سوء الاحوال أو انعدام الرعاية الصحية.

أما عن جريمة الإخفاء القسري عموما فالإسراع بإظهار زبيدة إعلاميا لتكذب رواية اعتقالها أو اختفائها ليس دليل براءة للنظام؛ بل هو عين دليل الإدانة الأكبر والاعتراف الضمني بإخفاء المئات بل والآلاف ممن يتم النشر عنهم يوميا في وسائل الإعلام ويتجاهل النظام بجميع أذرعه تماما الحديث عنهم ثم يفاجأ الجميع بظهورهم لدى الأجهزة الأمنية بعد إخفاء لأيام أو ربما لأشهر أو حتى أكثر من ذلك.

إن ردة فعل النظام تجاه زبيدة (لو افترضنا أنها لم تكن مختفية قسريا) والوصول إليها في غضون ساعات  يؤكد قدرة النظام على الوصول إلى جميع المختفين قسريا وإظهار قصصهم الحقيقية حتى يتم نفي التهمة عن النظام  ناهيك عن أن دور هذه الأجهزة هو حماية هؤلاء المواطنين أصلا  وليس فقط نفي ادعاء إيذائها لهم؛ ولكن بالرغم من كل ذلك هم يتجاهلون مئات البلاغات اليومية التي تقدم عن اختفاء مواطنين مصريين، فليس في هذا التجاهل مع وجود إمكانية الوصول كما حدث مع زبيدة إلا اعتراف بحقيقة كون النظام هو المتهم والمدان الأول في آلاف حالات الإخفاء القسري إما بالتواطؤ أو بالإهمال والتجاهل على أقل تقدير.

 لكن يظل التساؤل ما الذي يدفع بنتا مثل زبيدة إلى تكذيب أمها على الملأ وفي وسائل الإعلام؟

هل يعقل أن يصل بينهما الخلاف إلى هذا الحد؟  هل خرجت زبيدة لتقوم بتسجيل هذا اللقاء بمحض إرادتها؟ أم هناك من دفعها إلى ذلك دفعا؟! وما هي كواليس ترتيب هذا الظهور الإعلامي؟ 

(حوار تخيلي داخل أحد الأجهزة الأمنية)

مسئول أمني: شوفتي أمك عملت إيه؟!  شكلها اتجننت الست عايزة تفضحك قدام الناس وشكلها كمان عايزة تؤذي نفسها.

زبيدة: يا باشا بالله عليك متعملوش لأمي حاجة وحياة ولادك أمي ست كبيرة ومش هتستحمل.

مسئول أمنى: الموضوع مش في يدي الحل في يدك أنت.

زبيدة: في يدي أنا؟!! إزاي يعني حضرتك؟!

مسئول أمني: الحل إنك تطلعي في التلفزيون وتقولي إن أمك بتكذب وإن كل اللي هي قالته ده محصلش

زبيدة: بتكذب؟!  طب يعني لو قلت كده مش هتؤذوها؟!!

مسئول أمني: يا زبيدة احنا لا نؤذي أحد الناس هي اللي بتؤذي نفسها لما بيقولوا كلام هما مش قده عموما أنا أضمن لك بشرفي لو قولتي الكلام ده محدش يعمل لأمك حاجة وأنت براحتك بقى لو أمك مش فارقة معك متتكلميش.

بعدها بعدة ساعات تظهر زبيدة مع عمرو أديب

عمرو أديب: لو عايزة تقولي حاجة لأمك وهي شايفاك (تراك) على الشاشة دلوقتي تقولي لها إيه ؟
زبيدة (وعينيها مليئتان بالدموع): هقولها متزعليش وتسامحني  (ثم تنظر إلى الأسفل غارقة في ألمها)

بعد اللقاء بساعات داخل نفس الجهاز الأمني (حوار تخيلي مع نفس المسؤول الأمني)

مسؤول أمني: بقولك إيه يا مجدي جهزلي أمر ضبط وإحضار لأم زبيدة

الضابط مجدي: حاضر يا فندم بس بتهمة إيه؟!

مسؤول أمني: منذ متى إحنا بنسأل الأسئلة دي؟!  ومع ذلك يا سيدي التهمة بلاغ كاذب وإزعاج سلطات ونشر أخبار كاذبة ارتحت كده؟!

الموظف: بلاغ كاذب؟!  بس البنت قالت إن فيه بينهم قطيعة

مسؤول أمني: دي خلافات عائلية ملناش دعوة بيها إحنا مش بنتدخل في خصوصيات الناس بس البنت طلعت بمحض إرادتها كذبت أمها؟ يبقى بلاغ أمها كاذب والدليل اللقاء التلفزيوني اللي بنتها عملته وده طبعا مخالف للقانون وأنت طبعا عارف كله إلا القانون يا مجدي كله إلا القانون! 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها