عن الخان الأحمر

 انتهت محكمة العدل الإسرائيلية العليا في 5 من سبتمبر/أيلول الماضي إلي رفض الالتماس المقدم لها بشأن إيقاف هدم وإخلاء الخان الأحمر. (والخان الأحمر قرية صغيرة يسكنها بدو الجهالين، وتقع في الشرق الجغرافي من مدينة القدس المحتلة بالقرب من مستوطنتي معاليه أدوميم وكفار أدوميم، وتعتبر مستوطنة معاليه أدوميم ثاني أكبر مستوطنة في الضفة الغربية، وتربط الخان الأحمر الحدود الفاصلة بين شمال وجنوب الضفة الغربية) وكانت حيثيات الحكم في وقت سابق هو الإزالة وترحيل سكان الخان الأحمر الأصليين إلي مناطق قريبة من أبو ديس!

بالنسبة لي وللكثيرين غيري فإن محكمة العدل الإسرائيلية العليا، من الأحرى أن تسمى محكمة الاستيطان العليا، لأنه إذا وضعت الأشياء في نصابها ومقياسها، فإن دولة الاحتلال ومؤسساتها لا يتوقع منها بأية حال عدلا أو حقيقة، ومن الظلم هنا أن نعقد مقارنة ومماثلة بين ذلك، وما تفعله المحاكم والمؤسسات القضائية في الدول الطبيعية، التي من واجباتها أن تنصر المظلومين، وتدين المعتدين، بل إن الذي يتوقع في كل وقت من دولة الاحتلال (غير الطبيعية) هو المزيد من الظلم والاضطهاد، والانحياز إلى المجرمين. بالنسبة لي وللكثيرين فإن ما جري لا يعدو كونه جزءا وحلقة من حلقات الاستيطان والاستعمار، الذي ما فتئت تمارسه دولة الاحتلال وأدواته، ومؤسساته مثل محكمة العدل الإسرائيلية العليا.

ومع ذلك فان هذا السلوك غير الطبيعي الذي يحكم ويأمر بالظلم والقتل والسلب واغتصاب حقوق الآخرين والتهجير القسري ، مثل تهجير السكان الأصليين في الخان الأحمر الذي يصنفه القانون الدولي جريمة حرب، هذا السلوك في تقديري وربما في تقدير الكثيرين غيري أيضا ، هو المكون الأساسي لدولة الاحتلال الاستعمارية، وتعتبر وفقا لذلك من أكثر الدول التي خاضت الحروب وسفكت الدماء علي مدي سبعين عاما  ومن ثم فإن قتل الفلسطينيين واستباحة أعراضهم وأرضهم ودمائهم  بات بالنسبة لهم شيئا طبيعيا ومقبولا  كما لو كانوا يقتلون وحوشا في غاب أو كلابا ضالة.

ومع هذا فان هذه الشخصية الإسرائيلية التي تتعايش مع مكونات ممقوتة ومنفرة للبشر الأسوياء، مثل مكونات الظلم والقتل والسرقة والسلب، واغتصاب حقوق الآخرين وهتك الأعراض والاضطهاد، والتمييز العنصري والطغيان وكل الصفات المرذولة وهي مكونات وصفات ترجع بالأساس إلى طبيعة وجود هذه الشخصيات غير السوية على فلسطين، وهي طبيعة اللص الذي يسرق الأرض ثم يزعم ملكيتها، ولا يتوقع في هذه الحالة شيئا فيها غير وجود مركب الخوف والرعب والبطش وكل النقائص.. هذه الشخصية التي نشأت وطبعت بهذا وعلى كل هذا وبخلفيات أيديولوجية باطلة، وحقائق زائفة، وفي وجود قوي عظمي تقدم لها دعما سياسيا ومعنويا وعسكريا متقدما لا يمكن بأي حال أن يتوقع منها إلا زيادة في الاستعمار والاستكبار والشر بكافة صوره وأشكاله.

مع هذا وبعد هذا فان قرار إزالة الخان الأحمر في هذا التوقيت، الذي يتزامن مع إعلان القوي العظمي ذاتها (ترمب وإدارته) صفقة القرن الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، ما هو إلا صورة من صور الاستعمار والاستكبار والشر الذي ربما تستطيع من خلاله دولة الشر استكمال التغيير الديمغرافي وإنهاء الوجود الفلسطيني.

من ناحية ثانية فان تفريغ المنطقة التي تمتد من الخان إلي البحر الميت من الوجود الفلسطيني، من شأنه أن يخلق جيبا استيطانيا جديدا حول القدس المحتلة يمكن دولة الاحتلال من زيادة تمدد مستوطنة معاليه أدوميم، والمحصلة في كل ذلك وبعد ذلك هو تفكيك الضفة، بما يؤدي إلى خلق كيانين منفصلين تماما شمال الضفة الغربية وجنوبها، ومنع التواصل بينهما.

ربما تنجح دولة الاحتلال (غير الطبيعية) في خلق وتكوين الجيوب الاستيطانية، والتغيير الديمغرافي والتطهير العرقي للفلسطينيين، واستكمال أدوار الشر، ربما تنجح في ذلك كله ولكن وهذا هو الأهم، فإن النجاح لن يكون بجانبها كل الوقت.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها