عمرو عبد الحافظ يكتب من المعتقل .. أول عيد في عرين الأسد

مرَّ على المتنبي أحد الأعياد وهو بعيد عن أحبته فكتب: عيدٌ بأية حال عُدتَ يا عيدُ بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ, تذكرت هذه المعاني ونحن نستقبل العيد خلف أسوار سجن الفيوم . يتبع

 

 المعتقل المصري عمرو عبد الحافظ

مرَّ على شيخ شعراء العربية أبي الطيب المتنبي أحد الأعياد وهو بعيد عن أحبته وأهله فأنشد قصيدة قال في مطلعها : 

عيدٌ بأية حال عُدتَ يا عيدُ  بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ 

أما الأحبة فالبيداء دونهمُ فليتَ` دونك بيدًا دونها بيد 

لا قيمة لعيد والأحبة تباعد بيننا وبينهم الصحاري والمسافات. 

والعجيب أنها ذات القصيدة التي وصف فيها حال مصر في ظل حكم كافور الإخشيدي بعدما قضى فيها عدة أعوام, ومما  قاله فيها يصف مصر وطريقة الوصول إلى الحكم فيها : 

أكلما اغتال عبدُ السوء سيده أو خانه فله في مصر تمهيد 

ومما قاله أيضًا يصف حاكم مصر وانقلاب الأوضاع فيها: 

صار الخصيُّ إمامَ الآبقين بها فالحرُّ مُستعبدٌ والعبدُ معبود 

تذكرت هذه المعاني كلها ونحن نستقبل عيد الفطر خلف أسوار سجن الفيوم العمومي بمنطقة “دمو”، وهو أول عيد يمرُّ عليّ في هذه الحالة. 

غير أني أخالف المتنبي في نظرته وتصوره للأمر ؛ نعم إن العيد صعب قضاؤه بعيدًا عن الأهل والأحباب، ولكن لصاحب الرسالة والهدف منطلق مختلف. 

إنني موقن أن السعادة ينبوع يتفجر في القلب وليس مطرًا يهبط من السماء؛ إن مصدرها داخلي وليس بالضرورة خارجيا بفعل المظاهر والأسباب . 

وموقن كذلك أن القلوب بين إصبعين من أصابع خالقها ؛ إن شاء أسعدها ولو كانت في قعر جُبّ، وإن شاء أحزنها ولو كانت في قصور مشيدة . إنه سبحانه وحده صاحب هذه القدرة لا ينازعه فيها سواه “وأنه أضحك وأبكى” هو وليس غيره. 

ولقد توفرت لنا من عوامل السعادة رغم المحنة ما لم يتوفر لسوانا ؛ فما لنا لا نفرح وقد اختارنا الله لنكون بين صفوف أهل الحق بينما مكر بغيرنا فجعلهم بين صفوف أهل الباطل؟!!! 

ومالنا لا نفرح وقد هيَّأ الله لنا من أسباب عبادته مالم يهيئ لنا من قبل ، فصمنا كما لم نصم من قبل، وصلينا كما لم نُصل من قبل، وتلقينا آيات الله كما لم نتلقها من قبل, بينما غيرنا منغمس في ضلاله لا يكاد يفيق؟ 

ومالنا لا نفرح وقد جمعنا الله بصحبة صالحة تجتمع على الخير في الدنيا ، وتدعوا الله أن يجمعها في مستقر رحمته يوم القيامة. بينما غيرنا يُضمر بعضهم لبعض السوء والبغضاء ويوم القيامة بعضهم لبعض عدو؟ 

ومالنا لا نفرح ونحن نرى جذوة ثورتنا ما تزال متوهجة تقض مضاجع الظالمين وتقترب من هدفها بخطى واثقة .بينما صفوف الانقلابيين تتفتت وتتآكل ، لا تخطئ ذلك عين منصفة؟ 

وما لنا لا نفرح وقد أفرغ الله علينا وعلى أهلينا صبرًا من عنده وثباتًا ، وكأني به سبحانه قد أمر أسوار السجن أن ” كوني بردًا وسلامًا” بينما غيرنا “يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو” ويموتون في جلودهم كل لحظة يشعرون فيها أن يوم القصاص قد اقترب؟ 

وما لنا لا نفرح وقد أظهرت المحنة عمق الصلة بيننا وبين ذوينا الذين باعدت بيننا وبينهم المسافات ، تظهر أماراتها في عيونهم وكلماتهم ورسائلهم, بينما غيرنا يلعن بعضهم بعضًا وتتناكر قلوبهم برغم قربهم من بعضهم جسدًا؟ 

وما لنا لا نفرح وقد ألهمنا الله من وسائل التسرية والترويح ما لم يخطر لنا من قبل على بال بينما غيرنا قلوبهم تعسة وإن ظهر من أمرهم ما يوهم الناظرين بعكس ذلك ؟

 قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا وهو خير مما يجمعون”

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها