عقدة السلوكيات الغربية وعطش التشبه

صورة أرشيفية

الشعوب العربية باتت أكثر تقليدا للظواهر الغربية ،فأي ثقافة أي تصرف أو أي ظاهرة يتبناها أي شخص أو مجموعة من بلدان الغرب مجرد تصلنا، سنقوم بتقليدها وربما نتغلب على جودة الأصل.

قال الكاتب يوسف سامي اليوسف:”كل إعجاب بالغرب صنف من العجز عن حيازة الأصالة”؛ فتغريب الثقافة العربية  اليوم بات أحد المشاكل التي تعاني منها الشعوب العربية، فنحن شعوب تميل إلى التقليد والتشبيه بالغير؛ ولذا جاء تأثير الثقافة الغربية  بارزا في عدد من الدول العربية .

وبالنظر نجد أن الشعب العراقي  على سبيل المثال؛ بات يعاني المشكلة ذاتها، بل هو الشعب الأكثر تقليدا للظواهر الغربية التي يغلب على نماطها سلوكيات مخالفة لتقاليد البلاد وعاداتها.

فأي ثقافة أي تصرف أو أي ظاهرة يتبناها أي شخص أو مجموعة من بلدان الغرب مجرد تصلنا، سنقوم بتقليدها وربما نتغلب على جودة الأصل.

 وهو ما يعرف بالطبيعة (المتعطشة)، فنحن شعب متعطش لكل شئ وارد إلينا.

ويعود سبب ظهور هذه الطبيعة من الحرمان و الانعزال الذي حدث في عراق ما قبل ٢٠٠٣؛ حيث كان كل شئ ممنوع والعالم الخارجي في اتجاه ونحن في اتجاه مغاير، لا نعرف ما هو Google ولا  Youtube.

ونسميه مخبول من يتحدث عن أمكانية أرسل صور بطريقة غير الطريقة التقليدية (أي عن طريق ساعي البريد أو بالطرق الكلاسيكية المعروفة)، والهاتف المحمول هو أسطورة لا وجود لها، وإن جهاز الستالايت وقنواته التي لا تعد ولا تحصى ما هو  إلا خرافة.

كل هذه والكثير غيرها من دواعي الانعزال والابتعاد عن العالم الخارجي؛ خلقت منا شعب جاهل (بنظر العالم الخارجي) .

ماهو العالم الخارجي وما يحصل خارج أرض البلد ممنوع ولا يمكن تداوله أو حتى الحديث فيه، وبعد الانفتاح ومعرفة ما يحصل خارج الحدود بعد أحتلال أمريكا وحلفائها للعراق ودخول الهاتف المحمول وجهاز الستالايت (الذي وصف في بداية الامر بالمفسد) كانت صدمة كبيرة على هذا المجتمع، وأنتج ذاك الانعزال التام الذي تلاه إنفتاح لا متناهي؛  مشاكل وظواهر عدة ومنها “عقدة الثقافة الغربية”.

سبب ظهور هذه الطبيعة من الحرمان و الانعزال الذي حدث في عراق ما قبل ٢٠٠٣؛ حيث كان كل شئ ممنوعا والعالم الخارجي في اتجاه ونحن في اتجاه مغاير، لا نعرف ما هو Google ولا  Youtube.

فاليوم بعد أن أصبحت كل طبقة من الشباب تمتلك هاتفا محمولا واحدا على الأقل والتوجه الحاصل على معرفة العالم الخارجي؛  واكتشاف التصرفات السيئة لا الحسنة للثقافة الغربية باتت تشكل عقدة ومشكلة مجتمعية، ولأننا شعب يحب التقليد أصبح الهدف المقلد دائما هم الغرب.

 لذلك تشاهد المطاعم على الأسلوب الغربي (كما نعتقد) واللبس والتصرفات والكثير، أي أستطيع وصف الحال وكأننا جهاز استنساخ لتصرفات مستوردة.

كنت أتمنى لو كان التقليد الذي خلقناه لو كان علميا أو فكريا أو أقتصاديا أو حتى تقليد أسلوب الحياة الغربية على الأقل نضمن تهذيب المجتمع بالشكل الاقتصادي الفكري الجيد كما عند الغرب، إلا أننا قلدناهم بالرقص واللبس وبعض أسماء أكلات المطاعم.

أن المشكلة الأساسية هي التعطش الذي أصاب المجتمع وجعله يبدد أهدافه وتوجهاته ويتمسك بقشور لا تغني ولا تسمن، فنحن اليوم جعلنا من السلوكيات الغربية هدف وليس أي هدف بل هي الهدف السامي الذي نسعى إليه وهذه المشكلة صعب معالجتها في الوقت الحاضر ما لم تصل هذه الفئة الكبيرة من الشباب إلى حد الإشباع والملل من هذه التصرفات .

ونتوجه إلى استبدال هذا التقليد بتقليد أخر (ولا أحد يلومني أن أسميتها تقليد أخر فنحن اليوم بصدد التقليد لكي نصل إلى الابتكار) أقصد تقليداً أخر أي تقليد طريقة الحياة أو أي طريقة ناجحة على الصعيد الشخصي للفرد أو الصعيد العام.

المشكلة الأساسية هي التعطش الذي أصاب المجتمع وجعله يبدد أهدافه وتوجهاته ويتمسك بقشور لا تغني ولا تسمن، فنحن اليوم جعلنا من السلوكيات الغربية هدف

إذا تعدينا مرحل مرحلة تقليد السلوكيات والثقافات الغربية من حيث العلم والأدب والمعرفة؛ يمكننا التحدث عن مرحلة ما بعد التقليد أي مرحلة الأبداع أو مرحلة الإنتاج.

 وهي المرحلة التي توصلت إليها الكثير من الشعوب كسنغافورة مثلا بعد ما كانت تأمل من الدول العظمى بتزويدها ببعض الإلكترونيات؛ فاليوم هي من بين أفضل الدول في صناعة الإلكترونيات.

وبعد ما كانت تنتظر ماليزيا التشجيع والدعم الغربي؛  في شأن النفط هي أيضا اليوم  أصبحت أحد إنتاجاتها الرئيسية هي معدات حفر أبار النفط العملاقة فضلا عن إنتاج المطاط والصناعات الحيوية والبتروكيميائية وتصنيع الأدوية بهذا لتحتل سنغافورة رابع أغنى دولة

فاليوم وبعد ١٧ عام من التقليد لسلوكيات غربية كثيرة لا جدوى منها ،أصبح يتحتم علينا الخروج من (حلقة تقليد العقد الغربية) ودخول حلقة جديدة حتى وإن كانت بصدد التقليد (ولنعزو الأمر على ماهيتنا في التقليد) لنقلد الحداثة التي يملكون ونهجر تقليد اللبس والانحلال و التصرفات بالخصوص ذاته لأننا مجتمع له تركيبة حياة خاصة بعيدة عن تركيبة حياة الفرد الغربي تماما، ونتجه نحو أفق جديدة يضمن زحزحة سهم الواقع بإتجاه أفضل.

فالتقليد السلوكي السئ المستورد أفسد الفئة المراهقة الموجودة اليوم بعد أن أخذ كفايته من الفئة التي سبقت لذلك أنتجت لنا جيش من الجهلاء واضمحلت فئة العقلاء.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها