عصر الجواري والعبيد

قررت في أواخر الصيف الماضي أن أعيد قراءة كتاب مروج الذهب للمسعوديللمرة الثانية، ففي المرة الأولى لم يعلق الشيء الكثير في ذهني وقرأت المسعودي للمرة الثانية ومن الأشياء الجميلة التي لفتت انتباه تلك السلسلة الممتدة طوال 400 سنة من الفقهاء والمتكلمين والفلاسفة والمحدثين والشعراء واللغويين والعلماء والمناطقة بعبارة واحدة تلك الثقافة الرفيعة وتلك الجماهير التي تسعى وراء العلماء والفلاسفة فقلت إن أمة كهذه لجديرة بأن تسود العالم وتنشئ حضارة.

ومما لفت انتباهي أيضاً في هؤلاء الأجداد البررة ذلك السمو وذلك الرقي الموجود في ترتيب كل فئة من فئات المجتمع كل شيء لديهم ً في مكانه ونحن على عكسهم تماماً كل شيء موجود في غير مكانه لدرجة أن من كانوا يعتبرونهم جواري وعبيد نحن نعتبرهم نجوما وقادة فقلت الحق والحق أقول إننا أمة جديرة بالانحطاط الذي يطوقنا من كل جانب وهم أمة جديرة بالسمو والرقي إنهم حقا أجداد بررة ونحن صدقا أحفاد منحطون.

طوال الحقبة التي ازدهرت فيها الحضارة الإسلامية لن تجد حرا واحدا رجلا كان أو امرأة يمارس مهنة الغناء أو الرقص أو التمثيل هذه المهام كانت تعطى للعبيد والجواري مع عدم تعميم النشاطات من هذا النوع على الجماهير لكي لا يمسها داء الانحطاط. 

من الواضح البين أن الجواري والعبيد قاموا بالانقلاب فانقلبنا معهم من سادة للعالم إلى أتباع.            

مما له دلالة أن يوم اجتياح المغول لعاصمة الخلافة العباسية بغداد كانت هناك جارية ترقص وتغني للخليفة وكأن التاريخ يريد أن يصرخ فينا قائلاً إن هؤلاء القوم دائماً يشغلون الأمم عن غايتها وأهدافها الكبرى ورسائلها العظيمة إنهم لا يبنون حضارة ولا ينورون عقلا ولا يرفعون غشاوة ومتى ازدهروا حل الخراب وعمت البلوى.

دارت مناظرة بين الفيلسوف ابن رشد  وأبي بكر بن زهر  في قصر الخليفة المنصور حول تفضيل أي من وطنيهما على الأخر فكانت حجة ابن رشد أنه إذا مات عالم بأشبيليه فأريد بيع كتبه حملت إلى قرطبة حتى تباع فيها وإن مات مطرب بقرطبة فأريد بيع آلاته حملت إلى إشبيلية حسب ابن رشد فإن أهل قرطبة ناس فضلاء أصحاب علم وفلسفة أما أهل إشبيلية فهم مثلنا نحن الأن أناس لا دوق لهم محرومون من حب الأشياء السامية.

يرى الفيلسوف مالك بن نبي أن الأمم عندما تكون في حالة النهضة تكون الأفكار التي تسيطر على أفرادها أفكار بناءة وعندما تكون في حالة تخلف تكون الأفكار التي تسيطر على أفرادها هي أفكار سامة وقاتلة؛ فالحضارة والنهضة حسب مالك بن نبي تبدأ في العقل أولا وإذا نحن رمنا رصد منبع الأفكار التي تسيطر على عقول قطاع كبير من أفراد الأمة الإسلامية سنجد أن هؤلاء من كانوا عبيدا وجواري في الماضي واليوم يقال لهم نجوم الفن يسيطرون على عقول الكثير من الأمة وإذا نحن رمنا فحص ماهية هذه الأفكار فقطعا لن نجد فكرة واحدة بناءة بل سنجد كل الأفكار التي ينشرونها في المجتمع هي أفكار سامة وقاتلة ولكي لا أترك القارئ الكريم بدون مثال فإني اقتبس مثالا منها للأسف.

من المعروف أن نهوض المجتمعات لا يكون إلا بالتعاون بين أفرادها بل إن المجتمعات لم تتشكل إلا لهذا، فالفلاح  يزودنا بالخضار والجزر باللحم والمعلم بالعلم وهكذا جميع أعضاء هذا الجسد الكل يعطي وهذا دور الفرد في المجتمع الآن أنظر لواحدة من هؤلاء الذين يسمون نجوما ماذا تريد أن تعطي للمجتمع تقول:

(أعطيني صاكي باغا نماكي باغا نبان ليوما زوينة الشعر زعر العكر حمر حالفة تنوض روينة وندير حالة فالرجالة كلشي يغوت يا الغزالة) بغض النظر عن أن المادة منحطة وبغض النظر عن أن كلمات تدل على صغار في نفس فلنطرح سؤالا أليس من له مشروع كهذا لا يمكن أن يكون إنسانا فاضلا ؟ صاحب طريقة تفكير كهذه هل يمكن أن يضيف شيئاً له قيمة للمجتمع ؟

المغنية تقترح على من يستمع اليها غايات هدامة غير نافعة إنها تصرح بأن هدفها تهييج غرائز الكل خرج للمجتمع لكي يعطي إلا هي خرجت لتأخذ ولا تترك للعطاء مكان سؤال لضميرك أليست هذه أفكارا سامة؟ سؤال ثانٍ لفطرتك السليمة أليست هذه أفكارا قاتلة؟ سؤال ثالث لأخلاقك الحميدة أليست هذه الكلمات لا تصدر إلا عن عبد لشهواته؟ اه إن النهضة تبدأ عندما تسقط أخر منصة على رأس أخر مغنٍ إن الرقي يبدأ عندما تنهار أخر سينما على رأس آخر ممثل ماذا أيكون الجواري والعبيد هم من أسباب تخلفنا ؟

يرى المؤرخ والفيلسوف أرنولد توينبي أن الحضارة تنشأ عندما يوجه أمة من الأمم تحدٍ ما فيقوم نوابغ هذه الأمة بالاستجابة لهذا التحدي فتقوم الجماهير بمحاكمة هذه الفئة الخلاقة فترقى هذه  الأمة من التخلف إلى الحضارة لكن الجماهير التي منها يصعد النوابغ ومنها يأتي الدعم لهم مسختها هذه الفئة وجعلتها ضحلة شبيهة بها لا ثقافة لها.

إن الجماهير على يد هؤلاء الفائضين عن الحاجة أصبحت عبارة عن قطعة من شهوات تتحرك لقد فقدت السيطرة على نفسها يوم عرفتهم، أخبروا أتباع هؤلاء أنه يوجد فيهم شيء أخر غير الشهوات يطلق عليه اسم العقل وهو من يجعل منهم عظماء وهو من يجعلهم أناسا محترمين ماذا أيكون أتباعهم لم يصبحوا بشرا بعد؟

تريد أن تعلم أخي ماذا يثير فينا من مشاعر وأحاسيس أفلام هؤلاء إنه نفس شعور الذي تثيره المخدرات في من يتعاطاها تريد أن تعلمي أختي ماذا تثير فينا أغانيهم وكليباتهم إنه نفس الشعور الذي تثيره الفياغرا في صاحبها إن المخدرات أشياء سامة وكذلك هؤلاء المغنين والممثلين.

آه لو أن هؤلاء الفائضين عن الحاجة يعتبرونني مخلصهم لجعلت النساء منهن مُنتِجات فإنه من الممكن أن يصيروا كذلك، ولأرجعت الذكور منهم رجالا ففيهم الشيء الكثير من النساء.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها