عبد الله عيسي : قيادة الانتفاضة .. أين ؟

الانتفاضة تحتاج إلى قيادة رشيدة واعية لكل الظروف لتنظم الفعاليات الشعبية التي يشارك فيها أكبر عدد من المواطنين، دون أن تجهض روح المبادرات الفردية.يتبع

  عبد الله عيسي / صحفي ومدون فلسطيني

تمشي، وتسأل، وتحاور، لا إجابة محددة، ولا جوابا شافيا، هي ليست معادلة حسابية معقدة، لكنه سؤالا يطرح يوميا في ظل تصاعد أحداث الانتفاضة في اللقاءات العلنية والتجمعات المغلقة: من يقود الانتفاضة؟ وهل هي انتفاضة منظمة أم هبة عفوية قد تتلاشى مع مرور الوقت؟ وإلى أين تتجه الانتفاضة وما مستقبلها؟


انتفاضة لا تمتلك قيادة، وشارع منتفض يبحث بكل السبل عن إحيائها، ما يتوفر لديه هو التجمع عند المساجد والمدارس والمعاهد ومن ثم الانطلاق للمواجهة، مقلاع وحجر وصدور عارية وزجاجات حارقة، هي كلمة السر المشتركة في المواجهات التي سرعان ما تؤججها الهجمات الفردية بأشكالها المتعدة دهس، وطعن، وإطلاق نار.

 

انتفاضة لا تمتلك قيادة، وشارع منتفض يبحث بكل السبل عن إحيائها، ما يتوفر لديه هو التجمع عند المساجد والمدارس والمعاهد ومن ثم الانطلاق للمواجهة، مقلاع وحجر وصدور عارية وزجاجات حارقة.


لا يختلف اثنان اليوم على إرادة وعزيمة الشباب الذي يحرك الانتفاضة، لكن الخلافات سرعان ما تتفجر مع بدء الحديث عمن يقود الانتفاضة، فالبعض يقول إنها ثورة تقودها الحركة الإسلامية، ورواد هذا الرأي يعزون ذلك لعملية مهاجمة سيارة للمستوطنين بالقرب من مستوطنة “ايتيمار” والتي تبين أن خلية تابعة لحركة حماس هي من نفذتها، ولم يغفلوا دور المساجد التي تعتبر المكان الملائم للحشد قبيل الخروج في المسيرات.

 

وتحت ضربات الطعنات، والدعس بالسيارات، وأنباء المواجهات والاشتباكات، تجلس الأحزاب الفلسطينية مراقبة للأحداث وتطوراتها، لكل منها أجندة مختلفة، انقسمت إلى قوى مؤيدة مشاركة، وأخرى معطلة، فحركة فتح ليست معنية بتصاعد الانتفاضة، وأجهزتها الأمنية تتعاون مع نظيرتها الإسرائيلية للحيلولة دون تطورها.
بينما غزة المحاصرة، لا يغيب عنها الأمل بنجاح الانتفاضة، وحركة حماس اليوم تعول كثيرا على نجاحها، ونظرا لأنها ملاحقة في الضفة فهي تسخر كل إمكاناتها لدعم الانتفاضة، بنشر العديد من الوسائط التي تعزز من ثقافة الهجمات الفردية، فهي كمن يدير الانتفاضة عن بعد.

 

لم تكن الانتفاضة خيارا أمام المواطن الفلسطيني بل كانت أشبه بالقدر، فهي أمر واقع، وبعيدا عن خلفيات التحركات الثورية التي ولدت بسبب موجات اقتحام المتطرفين الاسرائيليين للحرم القدسي، كانت شرارة الانتفاضة أعمق من مجرد اقتحامات متفرقة للمسجد الأقصى، إذ كان الخوف من مؤامرة التقسيم الزماني والمكاني له حاضرة في أذهان الفلسطيني.

 

للقدس والأقصى مكانة كبيرة في نفوس الفلسطينيين، ومن يقرأ التاريخ يجد أن القدس دائما محرك وباعث أساسي للثورات الجماهيرية، من ثورة البراق، والاضرابات، وانتفاضة الحجارة


للقدس والأقصى مكانة كبيرة في نفوس الفلسطينيين، ومن يقرأ التاريخ يجد أن القدس دائما محرك وباعث أساسي للثورات الجماهيرية، من ثورة البراق، والاضرابات، وانتفاضة الحجارة، وهبة النفق وانتفاضة الأقصى، إلى انتفاضة القدس، فلم تكن كلمة ثورة رخيصة يوما ومع ذلك يتحملون ضريبتها حتى لا تحدث فيها مأساة التقسيم.

 

إسرائيل اليوم تحاول فرض واقع جديد في مدينة القدس فلم تعد تستكف بتقسيم المدينة المقدسة إلى شرقية وغربية، والسيطرة على حاجز البراق، لكن مخالبها مشرعة للانقضاض على المسجد الأقصى، وهو آخر ما تبقى من معالم الهوية العربية الإسلامية فيها.

 

أين أصبحنا اليوم؟ الانتفاضة تدخل شهرها الثاني بعد ولادة متعسرة، ولا يزال المولود الجديد ينتظر أن تتعافى أمه التي عانت في فترة الحمل من أمراض متعددة كان أبرزها الانقسام. وبينما تعيش الانتفاضة مرحلة مفصلية، إلا أن هناك مخاطر حقيقية تترقبها، ألا وهي غياب الجهة التي تقودها، ولذلك يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتياهو” كسب مزيدا من الوقت، مراهنا في ذلك على إنهاء الانتفاضة نتيجة تعب شبابها.

 

فالانتفاضة تحتاج إلى قيادة رشيدة واعية لكل الظروف لتنظم الفعاليات الشعبية التي يشارك فيها أكبر عدد من المواطنين، دون أن تجهض روح المبادرات الفردية.

تلك هي المشكلة إذن، انتفاضة بلا قيادة ميدانية واضحة، فعاليتها مستمرة لكنها بلا توجيه ولا إرشاد، وخطواتها سريعة نحو مستقبل مجهول، تبحث عن ربان ماهر يقودها إلى بر الأمان، وسط رياح القمع الإسرائيلي، وتيارات عملياته النفسية، فالانتفاضة تحتاج إلى قيادة رشيدة واعية لكل الظروف لتنظم الفعاليات الشعبية التي يشارك فيها أكبر عدد من المواطنين، دون أن تجهض روح المبادرات الفردية.

 

إن من أولويات الشعب الفلسطيني اليوم إقامة حركة شعبية جماهيرية لتنظيم فعاليات الانتفاضة، ولممارسة النضال بجميع أشكاله من أجل التغلب على ظلم الاحتلال، بشكل يشجع على فتح باب التضامن الدولي مع مطالبها، ففي فلسطين صحفيون وحقوقيون ونشطاء دوليون وسياسيون، وأدباء، وقانونيون، قادرون على تأدية واجبهم الوطني بكل إبداع وإخلاص لقضيتهم، لكن هؤلاء ينتظرون من الأحزاب أن تتحرك، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق على الأقل في المستقبل القريب، ولذلك لا مكان اليوم أمام المبدعين سوى الأخذ بزمام المبادرة وأن “يوقد الكل شمعته”.

عبد الله عيسي

صحفي ومدون فلسطيني من قطاع غزة

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها