عبد الكريم محمد يكتب: كيف تكسر انقلابا فى خمس ساعات

وصفة بسيطة تصلح لأى بلد : سلطة مدنية متسلحة بشعبها بمساعدة نخبة سياسية استطاعت أن تكسر انقلابا عسكريا فى خمس ساعات. يتبع

“لسنا دولة فى أمريكا اللاتينية أو فى إفريقيا ” هكذا عبر عبدالله غل الرئيس التركى السابق عن فشل محاولة انقلاب عسكرى فى تركيا الليلة الماضية .

خمس ساعات فقط كافية لإفشال محاولة انقلاب، هذا ما أثبته الشعب التركى. نزلت الجماهير التركية ( فى غير محافظة ) رفضا للانقلاب العسكرى واستجابة لطلب الرئيس التركى  بالنزول إلى الشوارع والميادين والمطارات .

 خمس ساعات فاصلة منذ إعلان الانقلابيين بيانهم الأول حتى ظهور الرئيس التركى معلناً لشعبه فشل الانقلاب العسكرى، تأرجحت الحالة بين ميل كفة الانقلابيين فى البداية ثم تمكن الحكومة الديمقراطية المنتخبة من السيطرة على الأمور مجدداً .

 طوال الليل كنت أتابع الأحداث ( كغيرى من رافضى الحكم العسكرى فى أى مكان، التواقون لحرية الشعوب ) متنقلاً بين عدة قنوات لأشاهد تفاصيل الأحداث ومواقف الفاعلين وأى تحول للأمور لحاجة فى نفسى .
الشعب التركى نزل معترضاً إلى الشارع، ولم يقل أن هذا صراع على السلطة بين الجيش من جهة وبين أردوغان وحزبه من جهة أخرى. لم يجلس ليفكر هذه ثورة أم انقلاب بل سارع بالنزول  رفضاً للانقلاب العسكرى الذى عانت منه بلاده كثيراً .

النخب التركية  وخصوصا المعارضة منها لم ينتهزوا الفرصة مستغلين إطاحة العسكر بأردوغان ألد خصومهم السياسيين ، بل صرحت المعارضة علناً ( حزب الشعب الجمهورى ، الحركة القومية ) أن تركيا عانت من الانقلابات  وأنهم متمسكون بالديمقراطية. المعارضة اختارت الديمقراطية ( التى  ربما لا تصل بهم إلى الحكم قريباً ) ورفضت الانقلاب ( الذى ربما كان شاركهم فى الحكم أو استعان بهم ) .

رغم سيطرة الانقلابيين على التليفزيون الرسمى التركى؛ إلا أن القيادات المدنية المنتخبة سارعت بالظهور إعلامياً عبر مواقع التواصل الاجتماعى وعبر قنوات تركية مستقلة داعية الشعب إلى رفض الانقلاب العسكرى ، وهو ما كان له دور فى استجابة الناس السريعة لمساندة الديمقراطية. حضور شعبى ورسمى  تابعه الرئيس أردوغان بالنزول فعلا  إلى الشارع مع المتظاهرين، وسبقه بعض أعضاء البرلمان ورئيسه متواجدين فعلا داخل مبنى البرلمان رغم تعرض المبنى للقصف .

 المؤسسات الأمنية ( المخابرات و الشرطة ) اختارات الانحياز للديمقراطية وساندت الحكومة المنتخبة ، واشتبكت مع بعض العناصر الانقلابية أحيانا .

 الإعلام التركى المستقل لم ينحز للانقلاب ، تحولت كل القنوات إلى مواقع إخبارية تذيع ما يحدث فى الشارع ، وكانت قناة الخبر التركية المستقلة أول قناة تبث مقابلة مع الرئيس عبر التليفون وحتى قبل التأكد من كسر الانقلاب .

القيادات العسكرية التى رفضت الانقلاب سارعت بالإعلان عن ذلك وصاحبته بالتحرك لمواجهة الانقلابيين وإعادة الأمور إلى نصابها. قيادات عسكرية  كان بإمكانها مباركة الانقلاب والسيطرة على الحكم إلا أنها انحازت للديمقراطية ورفضت الالتفاف على إرادة الشعب التركى .

 وصفة بسيطة تصلح لأى بلد: سلطة مدنية متسلحة بشعبها بمساعدة نخبة سياسية استطاعت أن تكسر انقلابا عسكريا فى خمس ساعات.


 هذا الكلام ليس غرضه التوثيق رغم أنه يبدو كذلك، لكنى أكتبه  متذكراً انقلاب مصر فى يوليو 2013 ومقارناً بين الفاعلين فى إفشال انقلاب تركيا والفاعلين فى تثبيت ودعم انقلاب مصر. أتذكر بعض الشعب المصرى الذى رفض الإعتراف أن ما حدث حينها هو انقلاب عسكرى  واصفين ما حدث بأنه صراع على السلطة بين الجيش ومرسى وجماعته. 

 أتذكر النخب المصرية وهى ترتمى فى حضن العسكر لاهثة وراء السلطة مفاخرة بتنسيقها وترتيبها مع الجيش لازاحة رئيس مدنى منتخب. أتذكر مشاركة الشرطة المصرية فى قيادة تظاهرات 30 يونيو/حزيران ودخولهم ميدان التحرير مرفوعين على الأعناق وهو نفس الميدان الذى شهد الثورة عليهم ونفس الميدان الذى سقط فيه العشرات برصاصهم. أتذكر الإعلام المصرى (الحكومى والمستقل الموالى) وهو يحرض على رافضى الانقلاب واصفاً إياهم  بالخونة والإرهابيين.

 أتذكر رجال دين السلطة وهم يلوون ألسنتهم مستبيحين دماء معارضى الانقلاب. أتذكر قيادات الجيش التى انساقت خلف مهووس لا يهمه سوى تحقيق أحلام السيف والأوميغا، قيادات فضلت السلطة والمال على الحفاظ على الجيش والدولة .

 وقف الشعب التركى ضد الانقلاب لتركيا لا لاردوغان … للديمقراطية لا لحزب العدالة والتنمية ، مثلما وقفنا فى مصر ضد الانقلاب العسكرى لمصر لا لمرسى … للديمقراطية لا لحزب الحرية والعدالة ، نحج الأتراك ولهم التهنئة وفشلنا نحن المصريون ولا عزاء لنا .

عبد الكريم محمد

مدون مصري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها