شيماء جلال : فلان الفلاني مات .. دقة ساعة الشماتة !

ما بين غمضة عين وانتباهها تحولت صفحات رواد موقع التواصل لمحاكمة دنيوية لـ “فلان اللي” وافته المنية قبل أن يحاكم من قبل ربه.. يتبع

 شيماء جلال / مدونة مصرية

 

ذات صباح استيقظت من نومي وتوجهت لحاسبي الشخصي أتصفح من خلاله جديد ما تناولته مواقع التواصل الاجتماعي، فإذا بيّ أقرأ نبأ عاجلا يعلن وفاة “فلان الفلاني”

 

وما بين غمضة عين وانتباهها تحولت صفحات رواد موقعي “فيس بوك” و “تويتر” لمنصات محاكمة دنيوية لفلان الذي وافته المنية قبل أن يحاكم من قبل ربه.

 

فسرعان ما شرعت اللجان الإليكترونية في أعمال البحث عن سيرته وتاريخه فضلا عن التفتيش في “بروفايله” الشخصي؛ وإذ برواد مواقع التواصل يتقمصون شخصية المفتش كرومبو بحثًا عن سجلات فلان الفلاني؛ ليعرفوا هل هو مع انقلاب الثالث من يوليو أم أنه ضد الانقلاب، وهل مؤيد وداعم للرئيس محمد مرسي أم لا؟، وهل شارك في تظاهرات 30 يونيه أم لا؟

 

على أساس ما سيتبين وينكشف لهم خلال رحلة البحث والتفتيش؛ سيكون رد فعلهم إما الدعاء له بالرحمة والترحم عليه وإما فالشماتة.

وعلى أساس ما سيتبين وينكشف لهم خلال رحلة البحث والتفتيش؛ سيكون رد فعلهم إما الدعاء له بالرحمة والترحم عليه وإما فالشماتة.

 

وبعد التقصي إذ بهم يكتشفون أن “فلان الفلاني” كان مؤيدا للانقلاب أو مشاركا في تظاهرات 30 يونيه .. ليكون هنا لسان حالهم هو: “دقت ساعة النشر .. دقت ساعة الشير .. دقت ساعة الشماتة”.

 

وفجأة تنقلب صفحات التواصل بصور فلان الفلاني ومنشوراته وتعليقات البعض التي تشمت في وفاته، ولسان حالهم “أهوه أخد جزاءه، أخد الشر رواح.. أحسن .. وكلمات على مثل هذه الشاكلة؛ لعلنا إذا أردنا أن نختار أفضلها ستكون أفضى إلى ما أقدم”.

 

العجيب في الأمر، أن أصحاب تلك المنصات الإليكترونية الذين نصبوا من أنفسهم قضاة على الآخرين عند وفاتهم منتقلين من دار الباطل إلى دار الحق، هم بشر.. والبشر يصيبون ويخطؤون، والأدهى من ذلك أن من بين هؤلاء الشامتين بعض الشخصيات التي من المفترض انتسابها للتيار الإسلامي الذي يُعلم قيم الرحمة وحسن الخلق وأدب الحديث عن الأحياء والأموات”.

 

 لا أريد أن أحول تدوينتي هنا لخطبة دعوية وحكم ومواعظ فقهية، ولكن دومًا ما يؤلمني أسلوب الشماتة في الموت، فما يدرينا حال “فلان الفلاني” الذي مات، فلربما تاب إلى ربه عن دعمه لانقلاب عسكري غاشم، فلربما تاب عن تأييده لمن قتل وسفك، لماذا ننصب أنفسنا قضاة.. ونحن جميعا بلا استثناء عبيد.. نعم عبيد لله وحده.. والله هو الوحيد المطلع على ما تخفي الأنفس وهو في الآخرة هو القاضي والحكم.

 

صدقًا .. أحلم بمجتمع لا أرى فيه من يتتبع عورات ومساوئ الآخرين، فكلنا أخطاء وعورات، و والله لو انكشف الغطاء عنا لانفضحنا

صدقًا .. أحلم بمجتمع لا أرى فيه من يتتبع عورات ومساوئ الآخرين، فكلنا أخطاء وعورات، و والله لو انكشف الغطاء عنا لانفضحنا، ولكنه جميل ستر الله علينا..  أحلم بأناس أتقياء أنقياء ..قلوبهم تشع بالحب والخير والدعاء للغير .. أحلم ألا أرى ثانية تلك الكتائب الإلكترونية – تخصص صفحات فيس بوك وتويتر- شعبة “شماتة”، حينما يموت فلان الفلاني اللي عليه الدور الجاي!

 

شيماء جلال / كاتبة صحفية ومدونة مصرية

 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها