سيحترق الشعب على أعتاب ساحة محمد علي

بهذه الكلمات، صرّح سامي الطّاهري، الأمين العام المساعد للاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل، في حوار نُشر بتاريخ 12 جوان / يونيو من السّنة الحاليّة، داعيا إلى تغيير حكوميّ شامل.

تصريح سامي الطّاهري، جاء بعد أيام قليلة من كلمة تلفزيونيّة توّجه بها رئيس الحكومة التّونسيّة، يوسف الشّاهد، إلى الشّعب التّونسيّ، على حدّ تعبيره، بعد عجز الأطراف الموقّعة على وثيقة قرطاج في التّوصّل إلى اتّفاق بخصوص بقاء حكومته من عدمه، معلنا رفضه الاستجابة لمطالب الاستقالة.

وكان الاتّحاد العامّ التّونسيّ آنذاك، ولايزال، أكثر المتشبّثين بضرورة تغيير حكوميّ جذريّ. وفي هذا السّياق، صرّح نور الدّين الطبّوبي، الأمين العامّ للمنظّمة الشّغيلة، في وقت سابق، بأنّ على يوسف الشّاهد، الاستقالة والاعتذار من الشّعب التّونسيّ.

تزايد الدّور السياسي للاتّحاد:

ومؤخّرا، لاحظ مراقبون تزايد الدّور السّياسيّ للاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل على حساب القضايا الاجتماعيّة في البلاد، وقال مركز برشلونة للعلاقات الدّوليّة، في تقرير نُشر في شهر مارس الفارط، إنّ المنظّمة الشّغيلة قد أضاعت فرصة السّيطرة على الحياة السّياسيّة في تونس بعدم تأسيسها لحزب بدل الانخراط فيما أسماه “ديماغوغيا بذيئة”.

ولئن لم يؤسّس الاتحاد حزبا سياسيّا إلاّ أنّه لم يعد مؤخّرا يكلّف نفسه حتّى عناء إخفاء الصّبغة السّياسيّة الّتي طغت على جلّ مواقفه وتصريحات قياداته، حتّى إنّ أمينه العامّ وبالرّغم من تزايد الانتقادات الموجّهة للاتّحاد العام التّونسي للشّغل، لم ينف الأمر، بل وصرّح في كلمة ألقاها بمناسبة عيد الأضحى، بأنّ “المنظّمة الشّغيلة لا يقتصر دورها على المطلبيّة، مضيفا أنّ من حقّها وواجبها المشاركة في رسم السّياسات العامّة للبلاد”.

ولم تكتف قيادات الاتحاد بتحديد السّياسات الدّاخليّة للبلاد، لتدعو، في وقت يشتدّ فيه الخناق على الطّبقة الشّغيلة في تونس، وزارة الخارجيّة، إلى تعديل موقفها من الضّربات الأمريكيّة الأخيرة الّتي استهدفت الأراضي السّوريّة. وكانت البلاد التّونسيّة عبّرت عن قلقها الشّديد وانشغالها العميق لما آلت اليه الأوضاع على السّاحة السورية”.

موقف اعتبره نور الدّين الطّبوبي مخزيا. وطيلة السّنوات السّبع الأخيرة، أبدى الاتّحاد العامّ التّونسي للشّغل، على لسان قياداته، دعمه الكامل لنظام بشّار الأسد، وكان عدد منهم أدّى زيارات مختلفة لدمشق، الأمر الّذي لاقى رفضا من فئة كبيرة من التّونسيّين، تماما مثل الإضراب الأخير في قطاع التّعليم الثّانوي، والّذي وجد فيه لسعد اليعقوبي نفسه، ومن رائه نور الدّين الطّبوبي في صدام مع الشّعب.

ومثّلت أزمة التّعليم الثّانوي خلال السّنة الفارطة فرصة ليوسف الشّأهد بعث من خلالها وفق محلّلين بإشارات حول طريقة تعاملٍ أساسها الرّدع والصّدام وعدم الاستسلام تجاه أكبر منظّمة نقابيّة في البلاد التّونسيّة، والّتي عجز كلّ رؤساء الحكومات السّابقة في تونس ما بعد الثّورة عن مجاراة قوّتها، فاعتبروها خطّا أحمرا، وهو المصطلح الأكثر استعمالا من طرف قيادات الاتّحاد العام التّونسيّ للشّغل.

ـرسائل يوسف الشّاهد إلى الاتّحاد:

يوسف الشّاهد، رئيس الحكومة التّونسيّة، والبالغ من العمر 40 سنة، عُرف خاصّة في الفترة الأخيرة بحدّة خطاباته، وقد وجّه في كلمة له خلال شهر رمضان الفارط، أصابع الاتّهام مباشرة إلى المدير التّنفيذي لنداء تونس ونجل الرّئيس الباجي قايد السّبسي، في تفتيت الحزب، في خطوة وصفها كثيرون بالتّحوّل النّوعيّ.

وعلى الرّغم من أنّ رئيس الحكومة الشّابّ ركّز في تحرّكاته وخطاباته الأخيرة على استهداف ما بات يعرف إعلاميّا بحلف حافظ قايد السّبسي داخل الحزب الحاكم نداء تونس في أزمة انسحب على أثرها نوّابٌ كثيرون ليكوّنوا كتلة برلمانيّة جديدة تفيد كلّ المؤشّرات بولائها ليوسف الشّاهد، إلاّ أنّ خبراء يؤكّدون بأنّ هذا الأخير لم يستثنِ في كلّ ظهور إعلاميّ له، الإتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل، من سهامه. ويستند المروّجون لهذا الطّرح إلى تأكيد يوسف الشّاهد مرارا وتكرارا ومنذ بدء ما يُعرّفه بالحرب على الفساد، على أنّ لا “خطوط حمراء” عندما يتعلّق الأمر بالمصلحة الوطنيّة.

وكان يوسف الشّاهد في تصريحات إعلاميّة يوم أمس، قد قال إنّه لا وجود لأيّة خطوط حمراء في حربه على الفساد، عقب إقالة وزير الطّاقة والمناجم، خالد قدّور، وكاتب الدّولة للمناجم والمدير العامّ للمحروقات، والرّئيس المدير العام للشّركة التّونسيّة للأنشطة البتروليّة والمدير العامّ للشّؤون القانونيّة بوزارة الطّاقة، بحسب بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة، تضمّن أيضا قرار تكوين لجنة خبراء لإعادة هيكلة وزارة الطّاقة ومراجعة حوكمة القطاع بشكل عام.

ويرى محلّلون بأنّ الشّاهد قد أحرز نقاطا ضدّ معارضيه، أوّلها تأكّيد مضيّه في الحرب على الفساد قبيل انطلاق سنة سياسيّة جديدة في تونس من المنتظر أن تكون ساخنة، باعتبار أنّ الانتخابات البرلمانيّة والرّئاسيّة ستتمّان خلالها، وثانيها نزع الشّرعيّة عن مطالب حلف حافظ قايد السّبسي بتغيير كلّي للحكومة، وآخرها، مواصلة زعزعة استقرار الإتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل. فكيف ذلك؟

ـإقالة وزير الطّاقة تصعيد ضد الاتّحاد:

ينحدر وزير الطّاقة المقال، خالد قدّور، من عائلة نقابيّة صرفة، فهو ابن القياديّ النّقابيّ البارز، حسين قدّور، وأخ لعضو المكتب التّنفيذيّ الحالي للاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل، أنور قدّور. كما طٌرح اسم خالد قدّور، في وقت سابق، كمرشّح للمنظّمة الشّغيلة لرئاسة الحكومة، بديلا عن يوسف الشّاهد، وهو مؤشّر اعتبره كثيرون دليلا على إصرار هذا الأخير على إخضاع الاتّحاد.

ويعزّز هذه الفرضيّة ردود فعل كلّ من سامي الطّاهري ونور الدّين الطّبوبي بخصوص الإقالات المدوّية.

وقد عبّر الطّبوبي، في كلمة ألقاها السّبت بمقرّ الاّتحاد الجهوي للشّغل بتوزر عن استغرابه من حلّ وزارة الطّاقة بمجرد إقالة وزير، على حدّ قوله، مطالبا خالد قدّور وكلّا من شملهم قرار الإعفاء ” بالكشف عن الحقيقة كاملة للرأي العام لكي لا يُظلم أي طرف”.

بدوره، وصف سامي الطّاهري ما أقدم عليه رئيس الحكومة، بأنّه ” محو لوزارة الطّاقة ونسف كامل لقطاع استراتيجيّ وحسّاس”، وتساءل في تصريحات إعلاميّة عن سرّ إقالة الشّاهد لوزير الطّاقة في هذا التّوقيت بالذّات.

كما اعتبر الاتحاد الجهوي للشغل في تطاوين إقالة وزير الطّاقة وأربعة من كبار المسؤولين إضافة إلى حلّ الوزارة “ضربا لكلّ جهود تنمية القطاع في الجهة بالتّعاون مع الوزارة” واصفا قرار الشّاهد بـ “سياسة الأرض المحروقة”.

ـالسياسة والاقتصاد دوافع الشاهد نحو ضرب الاتّحاد:

خلق الدّور السّياسيّ للاتّحاد العام التّونسيّ للشّغل مؤخّرا، خاصّة مع بلوغه درجة اقتراح وزراء وإقالة آخرين، واقتراح رؤساء حكومة وإسقاط آخرين، “أعداء” من عدّة أطراف، فكان أن وقفت النّهضة مؤخّرا سدّا منيعا أمام المنظّمة الشّغيلة دفاعا عما وصفته باستقرار البلاد ورفضا لإقالته.

أمّا رئيس الجمهوريّة الباجي قايد السّبسي ولئن حاول التزام الحياد، إلاّ أنّه ورغم مطالبة نور الدّين الطّبوبي له “بالتّدخّل

لحلّ الأزمة الّتي تعيشها البلاد”، إلاّ أنّ مؤسّس حزب نداء تونس اختار الالتزام بمبادئ الدّستور، داعيا الأطياف السّياسية إلى حلّ مشاكلها تحت قبّة البرلمان، ليجد بذلك الاتّحاد العام التّونسيّ للشّغل نفسه وحيدا في مواجهة الشّاهد، لا داعم له سوى حلف حافظ قايد السّبسي بالحزب الحاكم، والّذي لا يملك الشيء الكثير للتّأثير.

هكذا إذا كبح رئيس الحكومة التّونسيّة جماح الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل أفشل في مرّة هي الأولى منذ سنوات محاولاتها رسم الخارطة السّياسيّة للبلاد، لكن للشّاهد دوافع أخرى لتحجيم دور قيادات مبنى ساحة محمّد علي. فقبل يومين، كشفت وكالة “رويترز” للأنباء أنّ بعثة لصندوق النّقد الدّولي موجودة بتونس منذ أسبوعين لمناقشة مصير قسط بقيمة 250 مليون دولار من قرض حجمه ملياران و800 مليون دولار، مشيرة إلى إبداء البعثة عدم ارتياحها تجاه الصّراع القائم حول الحكومة والّذي أثّر على سير الإصلاحات الاقتصاديّة.

كما نقلت “رويترز” عن مصدر وصفته بالقريب من المحادثات قوله إنّ صندوق النقد يريد تسريع وتيرة رفع الأسعار من خلال زيادات شبه شهرية ورفع لأسعار الكهرباء، وأضافت عن ذات المصدر أنّه “إذا أقدمت الحكومة على ذلك، فستواجه احتجاجات في الشوارع”.

ويسعى رئيس الحكومة التّونسيّة إلى تفادي هذا السّيناريو من خلال اللّجوء إلى بيع عدد من المؤسّسات العموميّة، وقد صرّح، قبل أشهر، لدى حضوره بالبرلمان التّونسيّ بأنّ “بيع بعض المؤسّسات العموميّة سيكون حلا لعجز الميزانيّة”.

وأشار يوسف الشّاهد آنذاك إلى ضغوطات تمارسها النّقابات في سبيل الحيلولة دون ذلك. وفي شهر مارس الماضي، جدّد الأمين العام للاتّحاد العام التّونسي للشّغل رفض هياكل المنظّمة الشّغيلة لـ”منطق البيع”، وقال في مناسبة أخرى إنّ القطاع العام خطّ أحمر”. ويعتقد مراقبون أنّ إقالة وزير الطّاقة المحسوب على الاتّحاد العامّ التّونسي للشّغل، تنضوي تحت مساعي إخضاع الطّبوبي وإجباره على مسايرة رؤية الحكومة في التّفويت في بعض الشّركات العموميّة. والسّبت الفارط، أعلن صندوق النّقد الدولي، توّصله إلى اتفاق مع السّلطات التونسيّة سيسمح بصرف قسط آخر بقيمة 257 مليون دولار، موضّحا في بيان له وجود “بعض المؤشّرات المشجّعة التي تؤكّد أنّ الانتعاش الاقتصادي في تونس يسير في الطّريق الصّحيح”.

ـالاتحاد يتحسّس الخطر ويتجه نحو التصعيد:

ختاما، أعلن الاتّحاد العام التّونسي للشغل، قبل يومين، في بيان رسميّ، عن اجتماع “مهمّ” لنقابات القطاع العامّ، سيُعقد يوم الثّلاثاء، “يتمثّل في ندوة وطنيّة لقسم القطاع العام تحضيرا للخطّة النّضالية للمؤسّسات والمنشآت العموميّة والتي من بينها إقرار الإضراب العامّ في كافة مؤسّسات القطاع”. وقد جدّ الأحد، بميناء حلق الوادي إضراب نفّذته النقابات عجز على إثره أكثر من ألفي تونسيّ عن ممارسة حقّهم في التنقّل، لتتأكّد بذلك التّوقّعات بأنّ سنة 2019 ستكون ساخنة سياسيّا إلى حدّ كاف ليحترق الشّعب على أعتاب المنظّمة الشّغيلة وطموحات قياديّيها.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها