رهان الانتخابات البلدية في تونس

اليوم تونس تعيش أجواء المنافسة على مقاعد البلديات وهي تعاصر من جديد الحملات الانتخابية، والسؤال المطروح اليوم، هل ستكون المنافسة من أجل برامج تنموية مبنية على حقيقة الموجود وخارجه؟

بعد الانتخابات التشريعية سنة 2011 والبرلمانية والرئاسية سنة 2014 تستعد البلاد التونسية لتنظيم أوّل انتخابات بلدية بعد ثورة 17 من ديسمبر /كانون الأول وحتى 14 من يناير/ كانون الثاني، كترسيخ وممارسة للديمقراطية الناشئة بالبلاد. ستتنافسُ القوائم المترشحة على 350 بلدية تابعة لـ24 ولاية.

القوائم الانتخابية انقسمت إلى ثلاث: بين القوائم الحزبية والمستقلّة والمشتركة. الأجواء الانتخابية رجعت بقوّة في صفوف العامّة بعد أزمة فقدان الثقة في السياسة خاصّة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد علاوة على الخصام السياسي والأداء المحتشم للحكومة والنوّاب خاصّة في المناطق الداخلية التي تعاني البطالة وقسوة المناخ وضعف البنية التحتية وهشاشة المؤسسات العمومية (التربوية، الصحية، الثقافية).

اليوم تونس تعيش أجواء المنافسة على مقاعد البلديات وهي تعاصر من جديد الحملات الانتخابية والدعايات السياسية لهذا الطرف أو ذاك. لكن السؤال المطروح اليوم، هل ستكون المنافسة من أجل برامج تنموية مبنية على حقيقة الموجود وخارجة من عمق التفكير بالموارد الموجودة بحيث تكون ناتجة عن دراسة جديّة لوقائع الأمور؟ أم أنّ «الحرب الانتخابية» ستكون غير نزيهة فيها لجوءٌ إلى ممارسات التخوين والتخويف من ذاك الطرف أو ذاك؟

في ظل هذا الزحام يبقى الناخبُ تائهًا في فوضى الاختيار.

الطرف الأول يعد الناخبين بتحسين البنية التحتية في ظرف حولين وبتحسين الموارد البلدية وتحسين الخدمة المقدّمة للمواطن (الحالة المدنية، النظافة، رخص البناء…)، أمّا الطرف الثاني فهو يعدُ بنفس النقاط في مدّة وجيزة.

وبين الطرفين تختفي حقيقة الوعود الانتخابية المقدّمة: هل هي جديّة أم هي فقط طريقة لجلب الناخبين وكسب أصواتهم؟ ربّما الصورة وسياسة التأثير والوعود غير المعقولة قد تؤثرُ على نسبة محترمة من أصوات الناخبين، هذا من دون تجاهل الانتخاب من أجل الولاء السياسي لا من أجل البرنامج وهذا يعتبرُ تهديدًا لروح الانتخابات التي أُقيمت في الأساس من أجل البرامج لا الانحياز لأيديولوجيا مُعيّنة ربّما تعيق مسار التنمية والعمران المنشود من وراء عملية الانتخاب والاختيار.

هل تتحمّل الأحزاب مسؤوليتها الوطنية في اللعب بنزاهة وعدم الانحياز إلى وسائل التشهير والتخويف؟ هل على القواعد تحمّل مسؤوليتها من أجل الرقي بمناطقها وشأنها المحلي؟ وبذلك الابتعاد عن عقلية الولاء التي عطّلت لسنين المسار الديمقراطي وحمّلت البلاد وزر أحادية القرار والرأي والشورى منذ الاستقلال.

الطرف الثالث في اللعبة سيكون الإعلام بامتياز. فسلطة الصورة والصوت والانتشار في كلّ بيت وكلّ عائلة ستؤثّر بالضرورة على التوجّه الانتخابي للعامّة إمّا بالتسويق لهذا الشقّ أو بإدانة وتشويه الآخر تحت مسمّى الإشاعة المحمودة.

المنصّات الإعلامية باتت مسيّرة للرأي العام وقادرة على صناعة الشخصيات وتقديمها في زيّ المنقذ والحلّ للأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة. على أمل أن يُحكّم كل طرف ضميره وصوته الداخلي من أجل خوض منافسة في التنمية والازدهار لا منافسة صورية من أجل منصب أو مركزٍ مرموق.

الحل سيكون في تركيز برنامج واقعي يرتكزُ إلى مدّة إنجاز معيّنة ويهدف إلى المصلحة العامّة لا المصلحة لشخصية الضيّقة. بهذا نكون قد أنجزنا المهم في انتظار الأهم، بتركيز عقلية التنافس الشريف والتنافس الحقيقي. ستكون الانتخابات البلدية لسنة 2017 نقطة فارقة في تاريخ الدولة الوطنية وبناء تونس المستقبل التي طال بها مسار الانتقال الديمقراطي وهي على حافّة الإنجاز. 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها