رفاعة: شيخ طهطاوي أضاء العقل العربي

نعلم الآن بل نجمع على أن الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي   هو أشهر الشخصيات الفكرية في القرن التاسع عشر، وأنه هو رائد النهضة المصرية الحديثة، لكن الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي   لم يكن معترفًا به على هذا النحو في أجيال سابقة، حتى في عصر محمد علي، الذي بدأ فيه مجده، ولا في العصر الذي امتدت إليه زعامته الفكرية وهو عصر إسماعيل، بل إنه فيما بين هذين العصرين عانى التهميش، بل إنه عانى النفي في عهد عباس الأول!!

ولد الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي بن بدوي بن علي بن محمد بن علي بن رافع الطهطاوي في طهطا (محافظة سوهاج الآن) في 15 من أكتوبر 1801، ونشأ نشأة عادية في بيت أبوين فقيرين، وتلقى تعليمًا دينيًا بدأه في الكتاب حيث درس ما كان متاحا من العلم على نحو ما كان يتلقاه طلبة العلم في عصره، ثم التحق بالأزهر وانتظم في دراسته وتخرج فيه.

وفي الأزهر أتيح له أن يعرف أستاذه الأعظم الشيخ حسن العطار (1766 ـ 1835) الذي كان أبرز الشيوخ الذين تلقى العلم عليهم، وهو الذي وجهه إلى طريق التجديد والاجتهاد في طلب ودراسة العلوم غير التقليدية، وغير المألوفة لدى الأزهريين في ذلك العهد.

لماذا أصبح الشيخ رفاعة الطهطاوي رمزا لعصره كله

تميز الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي ا ١٨.١- ١٨٧٣ بميزات شخصية متعددة، وليس في ذلك شك، لكن الميزة الكبرى في الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي أنه نظر إلى الجديد بعين أصيلة لم تتنكر لذاتها، ولم تبدأ من الصفر، وهكذا تمكن من أن يحقق من الجديد ظلالًا وارفة لمجتمعه من خلال التأمل والنقد والإعجاب والترجيح والتدبر والتعلم والمفاضلة والتوطين والتمكين والتطوير، وفي أحيان قليلة الرفض والاستعلاء المبررين.

ولهذا السبب فإنه من بين من اتصلوا بالغرب بقي الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي رمزا لكل ما هو حقيقي في النهضة، كما بقي بعيدا عن كل ما هو زائف من مظهريات التقليد أو الاصطناع الحضاري.  ونحن نتعارف الآن أو نتفق على أن مصر بدأت نهضتها في القرن التاسع عشر الميلادي وصادفت كثيرًا من النجاح لكنها صادفت من الفشل أكثر مما صادفت من النجاح، وبعد مائتي عام على بدايات هذه النهضة أصبح من واجبنا أن نتصارح عن السبب الحقيقي في النجاح، والسبب الحقيقي في الفشل بعيدًا عن كل الأسباب المقولبة أو الملفقة التي استسهل أسلافنا اللجوء إليها في تشخيص الحالة التاريخية، وفي وصف النهضة التعليمية والعلمية والثقافية.

ذلك أن أول أساسيات النهضة كما نعرف وكما نعلم وكما عرف العالم وسجل هو «الأصالة» ، فلن يمكن لنهضة مصرية أن تتحقق بلا مصريين وبلا هوية مصرية، وهذا هو جوهر القول الفصل فيما قبل ذلك وفيما بعد ذلك في نجاح أي نهضة فكرية و حضارية واستمرارها واتصالها أو توقفها عند بداياتها أو حتى إرهاصاتها .

ومن حسن حظ تاريخ العلم والحضارة والتمدن والتحضر في مصر أن المثل الدال على ما أقول واضح وضوح الشمس، فحين ذهبت أولى البعثات المصرية إلى أوربا اختار صاحب الأمر (أيا من كان) أن يرسل معها إمامًا للبعثة يعني بالجانب الخلقي في سلوك أعضاء البعثة من الشبان دون أن تكون له سلطة الأستاذ في علومهم أو في دراساتهم ، لكن سر النهضة الأكبر سرعان ما تجلى ، فأصبح هذا الإمام الذي كان الظن أنه صاحب وظيفة هامشية أو إشرافية، هو باعث النهضة ورائدها، على حين لم يحقق أي من أعضاء البعثة نفس المكانة المتقدمة في الريادة والبعث، وإن كانوا قد أصبحوا مهنيين ممتازين، أو علماء جيدي التكوين لكنهم ظلوا يدورون في فلك الحضارة التي ذهبوا إليها دون أن ينشئوا رؤية حضارية كتلك التي أنشأها الخريج الأزهري الشيخ رفاعة  رافع الطهطاوي ، وهنا ترفع الأصالة رأسها لتقول : إن النهضة لا تتحقق بدون البحث في الأصالة عما ينميها ويشذبها ويهذبها جذورًا وبذورًا على حد سواء.

لا ينبغي لنا أن نغفل عن عنصر جوهري مهم يقفز عليه الباحثون عن رفاعة والكاتبون عنه وهو أن من حسن الحظ في تاريخ مصر وتاريخ نهضتها وتاريخ الأزهر وتاريخ الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي نفسه أن تاريخنا العلمي يعرف منذ زمن مبكر أن هناك أستاذا قديرا لرفاعة الطهطاوي هو الموسوعي العظيم الشيخ حسن العطار الإمام الأكبر الذي كان صاحب الفضل المبكر والدائم  على الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي وعلى مصر في كل ما حققه الشيخ رفاعة وحققته مصر على يديه من نهضة.

بداياته العلمية والوظيفية

 عين الشيخ رفاعة  رافع الطهطاوي   مدرسًا بالأزهر عقب تخرجه، وبعد عامين من العمل بالتدريس بالأزهر انتقل الطهطاوي إلى وظيفة الوعظ والإمامة في الجيش، وقد رشحه لهذه الوظيفة الشيخ حسن العطار، فلما طلب الوالي محمد على من الشيخ العطار ترشيح أحد العلماء ليكون بمثابة الإمام الديني للبعثة الدراسية المسافرة إلى باريس، رشح الشيخ حسن العطار الشيخ رفاعة  رافع الطهطاوي ، فسافر إلى باريس (1826)، وقد أوصاه أستاذه العطار بتدوين مشاهداته في بلاد الفرنسيين على النحو الذي صنعه الرحالة المسلمون القدماء من أمثال ابن جبير، وابن بطوطة، لينتفع المسلمون بمطالعة هذه المشاهدات.

لم يكن متوقعا للشيخ رفاعة رافع الطهطاوي ولا منه عندما اختير إماما للمبعوثين أن يتخطى مهمته في الوعظ والإرشاد لأفراد البعثة، لكنه عاش في باريس بوجدان يقظ، وبصيرة ناقدة، وظلت عينه مسلطة على ثقافتها وعلمها، وقد احتفظ بشخصيته العربية الإسلامية، وعاد إلى وطنه واسع الثقافة، سليم العقيدة، سليم الوجدان، مزودًا بالخبرة والخيال، معتزمًا خدمته على نحو ما يفعل كل وطني مسكون بحب بلده.

إمامة الصلاة والعلم معا

أثبت الطهطاوي طموحه إلى ما هو أكبر من الوظيفة التي اختير لها، والواقع أنه كان طموحا لإمامة العلم والمعارف على نحو ما كانت إمامته في الصلاة والوعظ للمبعوثين، ولهذا فإنه بدأ تعلم الفرنسية منذ أن ركب الباخرة التي سافر عليها من ميناء الإسكندرية، وفي باريس طلب أن ينضم رسميا إلى سلك المبعوثين الدارسين، فكان هناك إماما في شعائر الدين، وطالب بعثة تفوق على أقرانه من المبعوثين في طلب العلم الحديث واستيعاب الحضارة!

عاش الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي في باريس يستوعب ويراجع، يجمع ويدقق، يعجب ويسخط، يبحث ويدرس، يستنتج ويقرر، يناقش ويسأل في كل شيء مر به، وقد درس نظام الحكم بفرنسا، ونظم الحياة والبناء، والمعمار والعمران، والتوثيق والترتيب، وترجم دستورها وعلق في كتابه «تخليص الإبريز» على مواد هذا الدستور.

تخليص الإبريز في تلخيص باريز   

أصبح كتاب الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» الذي كتبه في باريس وعن باريس بمثابة رؤية متميزة وانطباعية وصادقة أطلت بذكاء وتفحص ونقد على الحضارة الغربية الناهضة في عصرنا الحديث، وقد كتبه الطهطاوي بوجدان متطلع إلى نهضة أمته، وإن لم يخل كتابه وما سجله فيه من حديث عن غرائب وعجائب الرحلات.

شكل التكوين الإسلامي العميق والتعليم الأزهري الجاد سلاحين قويين  للطهطاوي أعاناه على الوقوف أمام الحضارة الجديدة وقفة ناقدة ، لا تخلو من إعجاب وتقدير، لكنه لم يندهش بكل ما رآه، وقد وظف ملكته النقدية في الحكم على ما هو صالح وعلى ما هو غير صالح، وتبدت منذ كتابه هذا الدلائل الواضحة لقدرته الفائقة على اكتشاف العناصر الجوهرية في مقارنة الفلسفات والتوجهات الفكرية، وفهم العلوم الطبيعية، وأسس صناعة التمدن منتبها إلى ما هو مشترك إنساني عام بين كل الحضارات والثقافات والديانات من ناحية، وحريصًا على التمييز والتفريق بين الحالين والتجربتين من ناحية أخرى، كما ظهر انتباهه الذكي إلى دور المعارف الدينية في تثقيف النفس الإنسانية وتهذيبها، وإلى مدى ما تتمايز به الحضارات والديانات من تأصيل وتجديد.

وكان الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي يرى بوضوح وعن إيمان أن «علوم التمدن المدني» تمثل العلوم التي نحن أحوج ما نكون إليها، وكان حريصًا على التفريق بين هذه العلوم الطبيعية والبحتة والمحايدة من ناحية، وبين علوم الفلسفة والمجتمع. ومن المعروف أنه كان يقف وجلا وحذرًا، بل ويدعو إلى التوقف أمام الفلسفة الوضعية المادية التي كفرت بالأديان، والتي اعتمدت فقط على العقل المجرد والنواميس الطبيعية في تحصيل المعارف والعلوم.

ميله للحرية و الديموقراطية

كان للشيخ رفاعة رافع الطهطاوي ميل فطري، هذبته تعاليم الإسلام، أن يتمنى ازدهار مبادئ الحرية والديمقراطية في بلده، وقد كتب في هذا المجال بروح مؤمنة طامحة مستشرفة لمستقبل أفضل.

وقد أهلته إجادته اللغةَ العربية، و الفرنسية من بعدها، للنهوض بترجمة مختارات من فكر وعلوم الحضارة الفرنسية التي كان الشرق العربي والإسلامي غريبا عنها، ومتطلعا إليها في ذلك التاريخ ، ومع أنه لم يكن أفضل المترجمين في عصره ولا أدقهم ولا أغزرهم،  فإن حرصه على أن يذكر أنه «يترجم ولا يؤلف» حفظ له حق الريادة في الترجمة بدلا مما كان سهلا عليه بادعاء الإبداع في كل ما كتب.

دوره التنويري في مدرسة الألسن

في هذه المرحلة من حياته الوظيفية والعامة عاش الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي متحمسًا، بل متيمًا بدوره الذي عهد إليه في مدرسة الألسن، وكان يرى في هذا الدور تجسيدًا للإيمان بأهمية اطلاع أهله من العرب على الإنتاج الفكري في اللغات الأخرى (اللسان الأجنبي) حتى تصبح بلاده على اتصال دائم بالفكر العالمي.

وليس من قبيل الغلو في المديح أن نقول: إنه كان أول مَنْ أدرك أن الترجمة هي البداية الوحيدة للنهضة، فبدأ بنفسه حيث قام بترجمة العديد من الكتب في الكثير من جوانب المعرفة.

وهكذا اقترنت مرحلة النضج العقلي عند الطهطاوي بنقل العناصر الإيجابية (في نظره) من عناصر الثقافة الأوروبية الحديثة، وكانت هذه الفكرة تعبيرًا عن نقلة حاسمة في تطوره الفكري، ومن ثم في تطور ثقافتنا الحديثة، وكانت لها أسبابها ومسبباتها في المناخ الفكري، كما كانت لها آثارها وتأثيراتها في مجتمعنا الثقافي.

وعلى سبيل المثال فإنه دعا إلى تعليم المرأة وتثقيفها أسوة بالرجل، واتضحت هذه الفكرة في كتابه «المرشد الأمين للبنات والبنين» الذي ظهر (حتى في عنوانه) النص على أولوية تعليم المرأة حتى تقوم بواجباتها، ولا شك في أنه أول مَنْ دعا إلى تحرير المرأة، وإن كانت دعوة قاسم أمين التالية له بقرن من الزمان قد لقيت من التمجيد ما لقيته بحكم وجودها في عهد جديد، كان يبحث أيضا عن التثوير لا عن التنوير فحسب.

نظرته المنصفة لثقافتنا القومية

ظل الطهطاوي مؤمنا بأن لثقافتنا العربية جذورًا تاريخية قوية، وأن هذه الجذور شهدت إنجازات واكتشافات حضارية، وكان يؤكد بأن المنصفين من الأوروبيين شهدوا بذلك، حيث يقررون أنها قامت على القدرة المبدعة للإنسان العربي، سواء في تعامل العربي مع الطبيعة واستئناسها، أو في تعامل العربي مع المجتمع بتوسيع مدركات أفراده في مجالات كثيرة من مجالات الفكر والأدب والفن.

ركز الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي في كل ما كتب على الاعتداد بالعقل مرشداً وموجها، وهكذا كان، في رأي كثيرين، أول مَنْ أرسى الدعوة إلى عصر التنوير.

اكتشافه للصحافة و دورها

كان الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي معجبًا بالصحافة الفرنسية، وقد وصفها بقوله: «إن الإنسان يعرف فيها سائر الأخبار المتجددة، سواء كانت داخلية أو خارجية»، وكان إعجابه يدفعه إلى أن يتمنى لبلده صحافة جديدة، ولهذا فإنه أجاد اتخاذ القرار والاختيار حين أتيح له أن يسهم في تأسيس الصحافة الحكومية وتطويرها في «الوقائع المصرية».

تبشيره بالحياة الدستورية والنيابية

أبدى الشيخ رفاعة  رافع الطهطاوي فيما سجله عن باريس إعجابه المتكرر بما كان يراه من تقدم فرنسا في ممارسة الحرية،  فقد أبدى إعجابه بتنظيم هذه الحرية في مؤسساتها الدستورية والنيابية والقانونية، وحرص على أن ينبه أمته إلى مكانة الحرية في التمدن والعمران، وإلى مميزات النظم الدستورية المقيدة لسلطات حكوماتها بالقانون، لأن الحرية (كما قال) : « هي الوسيلة العظمى في إسعاد أهالي الممالك، فإذا كانت الحرية مبنية على قوانين حسنة عدلية كانت واسطة عظمى في راحة الأهالي، وإسعادهم في بلادهم، وكانت سببا في حبهم لأوطانهم، وقد تأسست الممالك لحفظ حقوق الرعايا، والحرية، وصيانة النفس، والمال، والعرض، على موجب أحكام شرعية، وأصول مضبوطة مرعية، فالملك يتقلد الحكومة لسياسة رعاياه على موجب القوانين» .

ارتباط العدل والعدالة الاجتماعية

ظل الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي يدعو إلى المزاوجة بين العدل والعدالة الاجتماعية، وكان يصف العدل بأنه «أصل عمارة الممالك التي لا يتم حسن تدبيرها إلا به، وجميع ما عدا العدل من الفضائل متفرع منه، وكالصفة من صفاته، وحب النفس خصلة جامعة لجميع العيوب والذنوب، مخلة بالجنس البشري، إلا إذا صحبها حب مثل ذلك للإخوان وأهل الأوطان.

دعوته لإصلاح النظام القضائي

نادى الشيخ رفاعة  رافع الطهطاوي  في عصر الخديو إسماعيل بإصلاح النظام القضائي ، ورأى أن يمهد لهذه الفكرة بتعريب القوانين الفرنسية حتى يمكن الإفادة منها، ونحن نعرف أن هذه المهمة التي تولاها بنفسه في مرحلة مفصلية من المراحل لنموها كانت مهمة شاقة تتطلب اطلاعا واسعا على هذه القوانين، وفهما لفلسفتها وغاياتها ولتاريخ وضعها وظروف هذا الوضع وملابساته، كما كانت تتطلب ما كان الطهطاوي مؤهلا له بالفعل من معرفة عالية باللغة العربية، وباللغة القانونية، وبأحكام الشريعة الإسلامية، حتى يمكنه ضبط المصطلحات المطابقة لهذه الشريعة في هذه القوانين.

فهمه لحدود الوطنية وآفاق القومية

كانت الوطنية المصرية عند الطهطاوي لا تتعارض مع فكرة العروبة القائمة على عروبة اللغة واللسان، وكان يكرر القول بأن العرب هم خيار الناس، ولسانهم أفصح الألسن، وقد اشتهرت أمة العرب جاهلية وإسلاما بالفضائل، وظل الطهطاوي يرى الوطنية والعروبة في دائرة الانتماء لحضارة الإسلام، وفي هذا الصدد فإنه وهو يكتب التاريخ فسر حروب محمد على باشا ضد الدولة العثمانية، باعتبارها حركة إحياء وتجديد لشباب الدولة الإسلامية الجامعة، ولهذا فإنه كان يقول: إن هذه الحروب لم تكن من محض العبث، ولا من ذميم تعدي الحدود، وإنما كان القصد منها: « تنبيه أعضاء ملة وجنسية عظيمة، تحسبهم أيقاظا وهم رقود! »

وقد كان الطهطاوي أول شاعر نظم العديد من الأناشيد الوطنية في عصرنا الحديث.

رفضه المبكر للشيوعية  وللرأسمالية المطلقة

أما فيما يتعلق بالفلسفات الاقتصادية والاجتماعية فقد كان الطهطاوي حاسمًا وواضحًا في اعتراضه على مبادئ الاشتراكية الخيالية (الطوباوية) الفرنسية، ذات النزعة الوضعية الإلحادية، على نحو ما بشر بها الفيلسوف الفرنسي سان سيمون، وقد عبر بوضوح شديد عن رفضه لفكرة المشاعية والشيوعية أو على نحو ما فهمها بحكم خلفيته الأزهرية من أنها هي المزدكية الفارسية وعند القرامطة القدماء بقوله:

«ومذهب المزدكية يدعو إلى تساوى الناس في الأموال، وأن يشتركوا في النساء، وهو قريب من مذهب القرامطة في أيام الخلفاء، ومن مذهب سان سيمون الجديد بفرنسا، فكل زمان عرضة لخروج أرباب الضلالات من شياطين الإنس، على اختلاف الجنس!».

وفي الوقت نفسه فإن الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي لم يكن متحمسًا لفكرة الفردية الرأسمالية في صورتها الليبرالية الأوروبية، وإنما كان يدعو إلى نظام اجتماعي متوازن، لا يهمل معيار ملكية رأس المال أو الأراضي الزراعية.

وفي هذا الصدد كان الطهطاوي يدعو إلى تغليب نصيب العمل على نصيب الملكية في عائد الأرض والصناعات والتجارات، وكان يبرر هذا بقوله: إن منبع السعادة الأولى هو العمل والكد، وإن أعظم حرية في المملكة المتمدنة هي حرية الفلاحة (الزراعة) والتجارة، والصناعة، كما كان يلفت النظر إلى أن العدل هو أساس ما كان يسميه الجمعية التأنسية «المجتمع الإنساني»، والعمران والتمدن.

حظه الوافر في الدراسات العديدة التي كتبت عنه

لقيت آراء الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي الحضارية والتربوية وجهوده الفكرية والسياسية وإنتاجه الأدبي والفكري عناية كثير من الدارسين المعاصرين في عدد كبير من الأطروحات العلمية والكتب منها:

د. أحمد أحمد بدوي: رفاعة رافع الطهطاوي بك أحد أركان النهضة العلمية العربية.
د.محمد محمد إبراهيم يونس: الآراء التربوية في كتابات الشيخ رفاعة  رافع الطهطاوي ، رسالة ماجستير بكلية التربية جامعة المنوفية، 1983.
د . جمال الدين الشيال: الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، دار المعارف، 1981.
د . عبد الحميد هلال عبد العزيز: شعر الطهطاوي بين التقليد والتجديد، 1988.
د . أحمد أحمد سيد أحمد: الشيخ رفاعة الطهطاوي في السودان، لجنة التأليف والترجمة، 1973.
د . حسين فوزي النجار: الشيخ رفاعة الطهطاوي، رائد فكر وإمام نهضة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987.
د . أنور لوقا غبريال: ربع قرن مع الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، دار المعارف، 1985م.
كذلك فقد كتب أساتذة ومؤرخون عن الشيخ رفاعة  رافع الطهطاوي  ضمن أطر أوسع :

د . محمد عمارة: مسلمون ثوار.
نعمان عاشور: صور من البطولة والأبطال.
نعمان عاشور: الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، أو بشير التقدم (مسرحية)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974.
د . عمر الدسوقي: في الأدب الحديث.
د . فتحي رضوان: دور العمائم في تاريخ مصر الحديث.
د . عبد اللطيف حمزة: أدب المقالة الصحفية.

أبرز مؤلفات الشيخ رفاعة  رافع الطهطاوي  :

«تخليص الإبريز في تلخيص باريز» وقد طبع أيضا بعنوان آخر «الديوان النفيس بإيوان باريز، وله طبعات عديدة، وأهم طبعاته هي تلك التي تمت بتحقيق الدكتور محمد مهدي علام وآخرين (1958)، كما طبع هذا الكتاب بعد ذلك بمقدمة الدكتور محمود فهمي حجازي باسم «أصول الفكر العربي الحديث عند الطهطاوي» (1974).
«أنوار توفيق الجليل في أخبار وتوثيق بني إسماعيل» (1868)، ويظهر من عنوان هذا الكتاب مدى ولاء الطهطاوي للخديوي توفيق، وهو ولاء شبيه بولاء على مبارك الذي أطلق اسم الخديو توفيق على خططه وسماها «الخطط التوفيقية».
«نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز» طبع 1979 في ثلاثة أجزاء، وقدم لإحدى طبعاته الدكتور فاروق أبو زيد.
«مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية» (1869).
«المرشد الأمين في تربية البنات والبنين» (1873).
«القول السديد في الاجتهاد والتقليد» (1870).
«البدع المتقررة في الشيع المتبررة».
«قلائد المفاخر في غريب الأوائل والأواخر»، وهو قسمان: الأول: أخلاق الأوروبيين، والثاني: معجم الاصطلاحات الجغرافية والتاريخية» (1833).
«بحث في المذاهب الأربعة».
«الكواكب النيرة في ليالي أفراح العزيزة المقمرة» (1289 هـ).
«قانون ترتيب ونظام المشيخة البلدية» (1283 هـ).
«القوانين الفرنسية المدنية، والدوائر البلدية، والمحاكمات، والمرافعات، وتحقيق الدعاوي والجنايات» (1283 هـ).
ومن مؤلفات الشيخ رفاعة  رافع الطهطاوي   في علوم اللغة العربية:
«شرح لامية العجم».
«التحفة المكتبية لتقريب اللغة العربية» (1869)، وهو كتاب في علم النحو، وقد حققه الدكتور البدراوي زهران ونشره (1983) تحت عنوان «الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي ووقفة مع الدراسات العربية الحديثة مع تحقيق نص كتابة التحفة المكتبية».
«جمال الأجرومية» (1863).
خاتمة «قطر الندى» في النحو.
مؤلفات الشيخ رفاعة  رافع الطهطاوي التعليمية  للطلاب
وقد وضع الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي عددًا من الكتب التعليمية في العلوم بمعناها الواسع:

«أرجوزة في علم الكلام»، وهو منظومة شعرية.
«المعادن النافعة لتدبير معايش الخلائق» (1832).
«مبادئ الهندسة» (1867).
«نبذة في علم سياسات الصحة».
«أصول الحقوق الطبيعية التي يعتبرها الإفرنج أصلا لأحكامهم».
«نبذة في الميثولوجيا، وهي: جاهلية اليونان وخرافاتهم».
«مقدمة وطنية مصرية».
وله من المترجمات أيضًا :
«المنطق» .
و«روح الشرائع» مونتسيكو.
«الدستور الفرنسي».
مؤلفات الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي التاريخية   :
«نبذة في تاريخ الإسكندر الأكبر».
«تاريخ قدماء المصريين» (1838).
«برهان البيان وبيان البرهان في استكمال واختلال دولة الرومان» (
وله من المترجمات في علوم التاريخ  :
«بداية القدماء وهداية الحكماء» في تاريخ الشعوب القديمة: بنو إسرائيل، والسريانيين، واليونان والهنود، (1838).
«مواقع الأفلاك في أخبار (أو وقائع) تلماك» (1867) تأليف سير جومار.
«المصابيح المنيرة في تواريخ القرون الأخيرة» داغرون، «1266 هـ).
«ثلاث مقالات من كتاب لجندر في علم الهندسة».
وله في الجغرافيا وما يتصل بها :
«مقدمة جغرافية طبيعية: (1830).
«التقريبات (أو التعريفات) الشافية لمريد الجغرافية (1834).
«نبذة في علم هيئة الدنيا».
«ترجمة الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار» (1836).
ترجمة كتاب الجغرافية العمومية.

ومما تم إنجازه من آثار الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي  بعد وفاته :

جمع الدكتور طه وادي «ديوان الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي » وحققه وقدم له.
أصدر المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب «نشرة عن كتب الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي » وهي نشرة ببليوجرافية عظيمة القيمة اعتمدنا عليها في أكثر من موضع من دراساتنا و مقالاتنا عن هذا الرائد العظيم .
وفاته
توفى الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي بالقاهرة في 29 من مايو1873.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها