رسالة إلى المرابطين

وعلى الرغم من أن القلب يتقطع ألماً وكمداً على ما يحدث للأقصى، إلا أنني أغبط أولئك الأبطال المرابطين على أعتاب الأقصى وفي ساحاته فقد حازوا شرفاً لطالما حلمنا به ولم نحزه.

تربينا منذ الصغر على أن الأقصى جزء غال من جسد هذه الأمة ومكون أساسي لا ينفصل عن عقيدتها، وكانت غاية أمنياتنا أن نصلي في رحابه أو نرابط ونستشهد على أعتابه فكان دعاؤنا المفضل الذي لم يفارقنا في أي صلاة “اللهم حرر الأقصى الأسير وارزقنا صلاة في رحابه أو شهادة على أعتابه”.

ومع أن المحن التي تمر بها أمتنا اليوم، أنستنا أو قل شغلتنا عن الأقصى إلا أن مشاهد البطولة التي سطرها أبطال فلسطين وفي القلب منهم أبناء القدس في الدفاع عن الأقصى، قد ألهبت نفوس المخلصين من أبناء هذه الأمة وأشعلت في قلوبهم الحمية نحو الأقصى من جديد، ولما لا ونحن نرى الشباب يقدمون أرواحهم ويروون بدمائهم الذكية مقدسات أمتهم، نرى شيخاً مسناً تجاوز السبعين يقف في وجه الجندي المدجج بالسلاح ويصيح فيه “طخني أنا عايز استشهد”،  نرى النساء يواجهن بشجاعة آلة البطش الصهيونية وكأننا نرى خولة و الخنساء وسمية، هذه الهمم هي التي تُحيي في الأمة روح الجهاد، وتشعل بداخلها نار العزيمة والإصرار، وعلى الرغم من أن القلب يتقطع ألماً وكمداً على ما يحدث للأقصى  إلا أنني أغبط أولئك الأبطال المرابطين على أعتاب الأقصى وفي ساحاته فقد حازوا شرفاً لطالما حلمنا به ولم نحزه.

وأبعث بهذه الرسالة لهؤلاء الأبطال الذين يزودون عن شرف الأمة وعرضها وأقول:

يقول تعالى في كتابه العزيز: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله”، إذا كان الله قد بارك حول الأقصى فما بالكم بالأقصى نفسه، وما بالكم بمن يزودون عن حياضه ويدافعون عنه ويقدمون دماءهم رخيصة من أجله، فابشروا، واعلموا أنه ما حك جلدك مثل ظفرك،  فلن يحمي الأقصى غيركم لأن الله اصطفاكم لتحوزوا هذا الشرف وأيما شرف ، ويحضرني هنا هذا الموقف.

في عام ١٩٢٩ أعلن اليهود نيتهم حرق مسجد الاستقلال أحد أكبر مساجد حيفا، فذهب بعض وجهاء فلسطين للشيخ القسام وكان حينها مدير جمعية الشبان المسلمين بحيفا وعرضوا عليه أن يطلبوا من الإنجليز المساعدة لردع اليهود، فغضب القسام رحمه الله وقال: ” جوامعنا يحميها المؤمنون منا، إن دمنا هو الذي يحمي المسلمين ويحمي مساجد المسلمين، وليست دماء الآخرين “

فكونوا على درب هؤلاء القادة العظام الذين رفضوا أن يُهان الأقصى وهم على قيد الحياة بل ربطوا حياتهم وسعادتهم بتحريره؛ فها هو نور الدين محمود رحمه الله يقول: كيف أسعد والأقصى أسير، وسار على نهجه تلميذه صلاح الدين الذي حرره وإعادة للإسلام من جديد. والنماذج كثيرة ويكفيكم ما عندكم من أبطال أمثال يحيى عياش الرجل الذي أذاق اليهود الصهاينة الويلات، والذي قال: “والله لو أن تراب الأرض تحالف مع اليهود لاختبأت في السماء وحاربتهم”، وكذلك أبو هنود والشقاقي والقسام وأمين الحسيني والياسين والرنتيسي وغيرهم من أسلافكم وأجدادكم العظام الذين مرغوا أنوف بني صهيون في التراب؛ فكونوا مثلهم ولا يضرنكم من خذلكم فالله معكم وهو ناصركم ويكفيكم عزاً وشرفاً أنكم تدافعون عن قبلة المسلمين الأولى وحرمهم الثالث وثاني المساجد على الأرض، وضعوا نُصب أعينكم دائما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” أخرجه الطبراني.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها