رحلة مرعبة بين بلغاريا واليونان سيرًا على الأقدام

 

دعوني الآن أقص عليكم اليوم المرعب الذي قضيته في بلغاريا، ربما يستفيد أحدهم من هذا الدرس.

كنت يوم الأحد الماضي في تركيا رفقة زملائي من مكتب اسطنبول لتغطية أزمة اللاجئين، طلبت من قسم المراسلين أن يسمح لي بالانتقال إلى الجانب اليوناني حتى نوسع زاوية التغطية. لكن الحدود كانت مغلقة والعودة إلى اسطنبول لأخذ طائرة لليونان ستضيع وقتا ثمينا.

اقترحت إذن أن أدخل اليونان برا من بلغاريا، رافقني كل من عبد العزيز مجاهد وعمر دياب إلى المعبر الحدودي البلغاري، والحقيقة أنهما رفضا الذهاب قبل الاطمئنان على دخولي وإيجادي وسيلة نقل توصلني إلى اليونان. وكذلك كان الأمر، دخلت بلغاريا مشيا على الأقدام ووجدت سائق سيارة أجرة واتفقت معه على مبلغ مقابل قطع بلغاريا وتركي أمام الحدود اليونانية. أعرف أن الأمر غريب لكنني كالكثيرين أتحمس في بعض الأحيان وأنسى منطق الأشياء.

الوصول لليونان:

وصلت اليونان، تفاجأت بمعبر حدودي وسط الغابة، فيه مكتب صغير وبضعة ضباط، فهمت من ملامحهم أنهم لا يرحبون بأمثالي (كحل الراس). فتش أحدهم كل أوراقي وبحث عن أي شيء يمكن أن يعطيه عذرا لمنعي من الدخول، فلم يجد سوى قدماي البريئتين، فأخبرني أنه سيمنعني من الدخول مشيا إلى اليونان، وأنه على انتظار حافلة ستأتي بعد 4 ساعات ونصف، لم أجادله تفاديا لمشاكل أكبر وجلست أنتظر. وصلت بعدها سيارة ووقفت أمام المعبر للتفتيش، خرج منها رجل بملامح أوروبية، ذهبت للحديث معه وطلبت منه اصطحابي في سيارته، لم يكن يفهم كل ما أقول لكنه فهم المشكلة وفهمت من لغته الغريبة أنه يريد 20 يورو مقابل اصطحابي. ركبت معه، فإذا بي أجد رجلا ستينيا بملامح مرعبة، نظر إلى وكأنني قتلته في منامه. انطلقت السيارة فبدأ ينهر مرافقه بلغتهما، لم أكن أفهم شيئا مما يقولانه، ثم فجأة سمعت “سيريا” (سوريا) ففهمت أنني محط الخلاف وأن لون بشرتي هو السبب، استدار السائق وقال لي “موشليم؟” (هل أنت مسلم) قلت له نعم مسلم. زادت حدة الحديث بينهما، فسمعت “دايش” (داعش) ثم “سيريا” “تركي”.

من يعرفني يعلم أنني لا أتوتر بسهولة وأن طبعي هادئ في الغالب، لكن الجو داخل تلك السيارة كان مقلقا ومخيفا للغاية، بدأت أقول مع نفسي أنني ربما في ورطة كبيرة وربما مع اثنين من المتطرفين وسط غابة ودون شبكة هاتفية. استدار السائق وطلب مني جواز السفر، أعطيته له، فتحه ثم قال متفاجئا “اااااه موخماد” ويقصد بذلك اسمي الإسلامي جدا، زاد توتر الاثنين وتغيرت نظرات الشخص الآخر، ولم أكن أشك لحظة واحدة أنه مجرم أو جندي سابق، طلبت منه أن يعيد جواز سفري فرفض، فهمت تلك اللحظة أنني فعليا في خطر. المشكلة أنهما لا يفهمان الانجليزية ولا أفهم شيئا مما يقولان.

عدت لهدوئي بسرعة بقدرة الله، أخرجت الهاتف وبحثت عن تسجيلات لي وأنا أتحدث على الشاشة وقلت لهما بابتسامة “Tv..Tv”. شاهدا ذلك باندهاش ثم بدأت أشرح لهما أنني شخص مشهور وأعيش في أوروبا. عاد الهدوء إلى السيارة شيئا فشيئا فأخرج صاحب النظرات القاتلة هاتفه وهو يلفظ كلمات غريبة وبدأ يريني سيارات فاخرة، لم أفهم ما الذي يقصده لكنني بالغت في دور المنبهر، وبدأت أبحث عن أي صورة لي في مكان فاخر أو فندق وبدأت أكشفها أمامه، كلما قال شيئا أضحك وأقول “وااااو” والرعب ينهش ركبتي ويزلزل الأخرى

“أنقرة .. أنقرة”:

. قال أشياء كثيرة ثم بدأ يكشف عن شيء في صدره فإذا بها إصابات وحروق ثم قال “أنقرة… أنقرة”، لم أفهم ما يقصده، لكنني تأكدت من صحة ما شعرت به منذ الأول، أن هذا الشخص مقاتل أو محارب سابق. استعدت جواز سفري وأوصلاني إلى قرية يونانية. المشكلة الأخرى أنه كانت معي بطاقة ائتمان فقط، وأنني أحتاج إلى صراف آلي، والحمد لله أنهما فهما عبارة ATM. وجدنا صرافا، استخرجت بطاقتي وأنا أتخيل مشهدا واردا جدا، أن لا تعمل بطاقتي الفرنسية في صراف متشرد في قرية يونانية، اتصلت بزميلي وصديقي عبد الله الشامي الذي كان في اليونان للتغطية، شرحت له بسرعة فسارع للالتحاق بي ومعه 20 يورو. لكن الصراف في النهاية أخرج ما طلبت من مال، أعطيتهما الورقة النقدية، عادا إلى سيارتهما وتركاني أتساءل عن درجة الحمق والتهور والغباء التي أصابتني كي أقرر قطع بلغاريا واليونان سيرا على الأقدام.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها