خطة الحكومة المصرية للتخلص من الأطباء

استمرار تزايد وفيات الأطباء جراء كورونا في مصر ونقص بالطواقم الطبية بالمستشفيات
استمرار تزايد وفيات الأطباء جراء كورونا في مصر ونقص بالطواقم الطبية بالمستشفيات

منذ أيام عدة كنت في إحدى المداخلات التليفزيونية المصورة… حيث استعرض المذيع تقريرا مصورا عن مشاكل الأطباء في مصر …

وتضمن التقرير ما تم نقله عن وكالة  الأنباء العالمية رويترز-من  أن الحكومة المصرية، قد قامت بالقبض على أربعة أطباء، على خلفية اعتراضهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على نقص الكمامات ووسائل الحماية الشخصية في المستشفيات المصرية.

ووجهت النيابة لهم تهم الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة … وذكر التقرير أسم الطبيب هاني بكر مشفوعا بصورته.

كنت على الهواء حينها وأنا أشاهد التقرير … فاصابني شيء من الارتباك، وعندما بدأ المذيع في سؤالي كنت لازلت مرتبكا … فحاولت أن أمتلك نفسي وأكملت المداخلة.

بينما تدور في رأسي مئات الأسئلة والأفكار عن السر الحقيقي وراء القبض على الطبيب هاني بكر صديقي الذي لم أكن أعلم بخبر القبض عليه من قبل.

هاني بكر طبيب العيون تم القبض عليه في 10 أبريل/نيسان الماضي، والسبب ليس إهمالًا في العمل ولا تهربا من المسئولية، بل  كتابته بعض الكلمات عبر صفحته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي.

حاول التعبير عن نفسه عندما لم يجد من الكمامات ما يستطيع أن يحمي بها نفسه خلال أداء مهمته  بالكشف على المرضى بالمستشفي  في إحدى المحافظات المصرية.

ومن منا لا يتعجب من عدم توفير كمامات لحمايته وهو يعمل في خط الدفاع الأول لمواجهة جائحة كورونا، بينما يقوم النظام المصري بالتبرع بالكمامات والمستلزمات الطبية بكميات كبيرة لإيطاليا والصين.

صدمني خبر القبض على دكتور هاني الذي تعرفت عليه خلال ثورة يناير بميدان التحرير حيث كان رفيقا في المستشفي الميداني  …

أصبحت تهمه أن تكون متدينا أو ملتزما دينيا، أو أن تستشهد بما له علاقه بالدين،وكأنه من  المفترض كي ننال إعجاب من يحكموننا، أن نكون كلنا كفرة أو ملحدين أو يكتم المرء دينه

حينها كان مشاركا معنا في المستشفيات الميدانية لينقذ من يستطيع إنقاذه من المصابين في الأحداث …

وعندما هدأت وتيرة الأحداث وبدأنا في تشكيل جمعية أطباء التحرير، كان معنا بل كان يتقدمنا في الكثير من القوافل الطبية التي كانت تقوم بها الجمعية في العديد من المحافظات، لم يتوانَ الدكتور هاني عن الاشتراك في اي من تلك القوافل، حتي البعيدة منها فكان ضمن الفريق الزائر  لحلايب وشلاتين وسيوة ومرسى مطروح .

هاني كان مفيدا جدا في هذه القوافل بسبب تخصصه في أمراض العيون، وبسبب حماسه وحرصه على علاج كل من يلجأ اليه …

وعندما تم إغلاق المجال العام تماما في 2015 استمر هاني بالقيام بنفس الدور في عيادته الخاصة والمستشفيات الخيريه التي كان يعمل بها.

هاني طبيب عيون واعد جدا في مجاله وفي دراساته العليا … وربما بعد عدة سنوات كان سيكون لدينا طبيبا وجراح عيون متميز يساهم في علاج آلاف المصريين الذين سيحتاجون إلى علمه وخبرته، في ظل النقص الواضح في أعداد الأطباء المؤهلين في مصر.

وجهت لهاني وغيره من الأطباء تهم الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، رغم أنه لم يقل إلا ما يعاني منه كافة الأطباء في  مستشفيات مصر.

هاني لم ينضم يوما إلى الإخوان والدليل إنه كان ينضم إلينا في بعض المظاهرات المناهضة لحكم الإخوان خلال العام الذي حكموا فيه مصر.

والأعجب أن الأحراز في قضيته ربما تكون الآيات القرآنية والأحاديث النبوية  التي كان يقوم بنشرها على صفحته.

وكأنها أصبحت تهمه أن تكون متدينا أو ملتزما دينيا، أو أن تستشهد بما له علاقه بالدين.

وكأن من  المفترض كي ننال إعجاب من يحكمونا، أن نكون كلنا كفرة أو ملحدين أو يكتم المرء دينه .

وبالعودة لصفحة دكتور هاني عبر موقع التواصل الاجتماعي، نجد أن ذلك المنشور الذي تم القبض عليه بسببه لم يشاهده سوى 100 شخص على الأكثر.

كما يمكن التأكد من نفس الصفحة أن هاني لم يكن يوما من الإخوان، رغم أنها ليست وصمة أو تهمة في الأساس أن تنضم إلى جماعة تتفق معها في الأفكار والمعتقدات والأهداف مالم تكن هذه الجماعة تنتهج العنف أو تدعو إليه.

سنعتقل بعضهم ونتهم  البعض بالانضمام إلى الجماعات الإرهابية ونشر أخبار كاذبة … ثم سنتركهم في السجن لبضعة أشهر بدون محاكمة …  ليكونوا عبرة لغيرهم من الأطباء سيسكت الجميع خشية نفس المصير..

من يريد أن يعرف طريقة النظام المصري في حل مشاكل الأطباء، فليقرأ ماحدث مع الطبيب هاني بكر وسيصبح من السهل أن يستنتج أن مايفعله النظام المصري لحل مشاكل الأطباء، هو السهل الممتنع.

فلنترك الأطباء يغضبون، ثم لنتركهم يعبروا عن غضبهم عبر صفحاتهم الشخصية، بالمنشورات والفيديوهات ..الموجة تتوسع في ظل غياب الخطط الحكومية لتأمين الأطباء وحمايتهم …

ثم فجأة تحن لحظة التدخل الأمني ، تلك الوسيلة التي طالما لجأ إليها  النظام في  حل معظم المشاكل السابقة …

سنعتقل بعضهم ونتهم البعض بالانضمام إلى الجماعات الإرهابية ونشر أخبار كاذبة … ثم سنتركهم في السجن لبضعة أشهر بدون محاكمة …  وبالتالي ليكونوا عبرة لغيرهم من الأطباء سيسكت الجميع خشية نفس المصير…

الآن سيسكت الجميع … ومن يتكلم بعد ذلك سنسلط عليه إعلامنا القذر و ذبابنا الإلكتروني ليتهمه بالأخونة وعدم الوطنية والهروب من المعركة، وبذلك تكون جميع مشاكل الأطباء قد إنتهت … بسيطة جدًا.

لا أعرف إن كان هذا المقال سيفيد صديقي هاني أم سيضره في موقفه  الحالي، لكن ما أدركه  أن صديقي هاني عندما يخرج من هذه الأزمة، سيبحث عن أول فرصة لمغادرة البلاد إلى بلد  أخر تقدره لينضم إلى آلاف الأطباء بالخارج.

وستخسر مصر طبيبا واعدا أخر كان سيساهم في علاج آلاف المصريين الفاقدين للبصر، وإن كنت أشك في قدرته على علاج القلائل الموجودين على رأس النظام الفاقدين للبصيرة.
ولا نقول إلا ما يرضى ربنا،حسبنا الله ونعم الوكيل.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها