حينما نغرد في متاهات الحكاية

الشاعر الأمريكي ألان أندريه يجلس وسط شارع نيويورك المزدحم، بصحبة آلته الكاتبة ليصف شعرًا فوريًا بناء على طلب المارة بمقابل مادي.

إننا نحكي لأننا نريد حقيقة أن نحكي، نعبر عن مآسينا، عن همومنا، وعن أحلامنا وتطلعاتنا، لقد صدق الناقد الفرنسي رولان بارث حينما قال الحكاية: حاضرة في الأسطورة، والخرافية.

حينما نغرد في متاهات الفراغ، من يفك أسر المعنى ويفهم الحكاية؟ حينما تكتب وأنت لا تفكر هل يفهمك الآخرون أو يسعفهم ما تقوله؟ بل هل يكترثون لقولك؟ هل تهمهم هذه الأحاسيس الجياشة، وهذه العبارات الخلابة؟.
حينما نغرد لا نفكر في الآخرين ولا حتى في مشاعرهم، بل أكثر ما نفكر فيه هو ذواتنا، مشاعرنا أفراحنا وأحزاننا وآمالنا.. ننظر في ذواتنا ونتأملها ننظر في أعماقنا الداخلية برؤية بصيرة وخيال خلاق، بلغة عفوية تعيدنا لأحضان الذات.
 لخلق حالة من التصالح، حالة للعودة إلى مكاننا الطبيعي، لنرى ما يختلج في ذواتنا؛ قد نسميها مشاعر إنسانية، قد نسميها فسحة التعبير عن الذات.
 قد نسميها لحظة مصالحة، أو مكاشفة، وقد نسميها الرؤية من الداخل في أعماق الذات، ولكن كل ما في الأمر أنها تعبير صادق عن ما يخالجنا.

العودة إلى الذات هي العودة إلى أحضان الفطرة والطبيعة والوجود في حقيقته الإنسانية المتجسدة في العودة إلى التصالح معها التصالح مع الجانب المضيء فينا إنه ذلك الأنا الذي هو أنا.

قد نتساءل لماذا نريد أن نحكي؟ أو بالأحرى لما الحكاية؟.
هذا السؤال القديم الجديد، لنعرف أن الحكاية حاجة أولا، حاجة إنسانية وتعبير عن مشاعرنا وأفكارنا وتاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا، وعن علاقاتنا الاجتماعية بذواتنا وبالآخر.

إننا نحكي لأننا نريد حقيقة أن نحكي،  نعبر عن مآسينا، عن همومنا، وعن أحلامنا وتطلعاتنا، لقد صدق الناقد الفرنسي رولان بارث حينما قال الحكاية:  حاضرة في الأسطورة، والخرافية، والقصة والملحمة والتاريخ والتراجيديا والدراما والكوميديا والمسرحية الايمائية، واللوحة المرسومة..  الحكاية توجد في كل شيء.
نعم هي توجد في كل شيء، نحن الحكاية والحكاية نحن. نحكي لأننا نريد التعبير عن حاجة إنسانية يغالبها الشوق ويشدنا لها الحنين، وتحفظها لنا الذاكرة وترويها كتب الأدب والأخبار والتاريخ، ما أكثر الحكايات التي سمعنا؛ حكايات الأجداد، وبطولات التاريخ..لكنني بالتأكيد لا تشدني الحكاية التي سفرها طويل وخيوطها ملتوية وعصية الفهم والتأويل. التي تمس كياني بصدق. إنها متاهة تغرد بي في  سرب لا أطيقه قطعا، لكن تعجبني الحكاية المسلية والعجيبة والهادفة، التي تحمل قضية مجتمعي، وتجسد  الحقيقة كما هي، أو كما وقعت، أو كما كان ينبغي أن تقع. لكنها في النهاية تطربني وتمس جوهر ذاتي وتأخذني إليها بشوق لا يطاق.

إننا نحكي لأننا نريد حقيقة أن نحكي،  نعبر عن مآسينا، عن همومنا، وعن أحلامنا وتطلعاتنا، لقد صدق الناقد الفرنسي رولان بارث حينما قال الحكاية:  حاضرة في الأسطورة، والخرافية

الحكاية عن الذات سفر مشوق مليء بالأدغال والفيافي والمسالك الوعرة، التي لا يعرفها إلا الفلاسفة والأدباء والكتاب وأصحاب الأحوال من رجال التصوف الذين خبروا الذات وبحثوا عن السر الدفين فيها، أو كما يقولون:(من ذاق ارتوى).

العودة إلى الذات هي العودة إلى أحضان الفطرة والطبيعة والوجود في حقيقته الإنسانية المتجسدة في العودة إلى التصالح معها التصالح مع الجانب المضيء فينا إنه ذلك الأنا الذي هو أنا.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها