حلمى مراد مترجم الروائع في مئويته

وبعد أن نجح مشروعه الأول قدم تلخيصا لثمانية كتب كل شهر في عدد جديد من «كتابي»، بدأ مشروعه الثاني «مطبوعات كتابي»، وفيه حرص على نشر النص الكامل للنصوص الأدبية العالمية.

كان حلمي مراد (1920 ـ 2001)  ناشرا ، ومترجما ، وكاتب (قصة، رحلات، تراجم ) وإن كانت صفة الناشر والمترجم هي أبرز صفاته في وجدان المثقفين وذاكرتهم .

إذ أن مجموعة الأعمال الأدبية التي نشرها في السلسلتين الشهيرتين اللتين اصدرهما تمثل ثروة فنية وأدبية وفكرية ذات قيمة عالية.

وقد وفقني الله إلى إعداد قائمة كاملة بأعماله ودراسة مستفيضة لدوره ضمن كتابي عن” الأقباط في الثقافة المصرية “؛  لكنني احتفالا بمئوية ذلك الكاتب التي استمتعن بترجماته  أكتفي في هذه المدونة بالإشارة إلي بعض عناصرها .

  وقبل كل شيء؛ ينبغي التمييز بينه وبين السياسي البارز المستنير الدكتور محمد حلمي مراد (١٩١٩- ١٩٩٨) وزير التربية والتعليم الأسبق الذي يعرف باسمه المختصر «حلمي مراد»، ومن الجدير بالذكر أنهما تخرجا في كلية الحقوق في عامين متتاليين، وقد ولد الوزير قبل الأديب بسنة و شهور ، وتخرج قبله بدفعة ،و توفي قبله بثلاث سنوات فكأن الوزير أكبر سنا وأسبق تخرجا والأديب أطول عمرا بقليل .

بعد أن نجح مشروعه الأول قدم تلخيصا لثمانية كتب كل شهر في عدد جديد من «كتابي»،  بدأ مشروعه الثاني «مطبوعات كتابي»، وفيه حرص على نشر النص الكامل للنصوص الأدبية العالمية.

ولد  حلمي مراد في الإسكندرية في 12 أكتوبر 1920، وكان والده محاميا، من مدينة قنا، وكان والده يصطحب أسرته في زيارة قصيرة للإسكندرية، وتمت ولادته فيها، ثم عادت الأسرة إلي قنا.

تلقي مراد تعليما مدنيا تقليديا في مدارس قنا، ثم التحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة وتخرج فيها (1940)، وقيد اسمه في جداول المحامين، وعمل في مكتب مكرم عبيد باشا.

بدأ معرفته بالحياة الأدبية من خلال مراسلته : «الهلال»، و«المصور»، و«الاثنين»،و«الكواكب»، و«مسامرات الجيب»، و«البلاغ»، و«الكتلة»، و«الرسالة»، و«الثقافة»، و«الراديو المصري».

نشر قصته الأولي «الرد خالص» عام 1940، وبعد عشرة أعوام  أصدر أول مجموعة قصصية «عندما تحب المرأة» عام 1950 عن سلسلة «كتب الجميع»، وفي العام نفسه صدر كتابه عن «أوسكار وايلد» عن «دار البلاغ»

 في 1951  بدأ صدور  ترجمات حلمي مراد  للروايات العالمية في سلسلة «روايات الهلال»،: «أنا كارنينا» لتولستوي، و«رسول القيصر» (ميشيل ستروجوف) لجول فيرن، و«ذات الرداء الأبيض» لويلكي كولنز، وقد صدرت هذه الترجمات ملتزمة بالحجم الذي كانت تصدر فيه روايات الهلال، مما اضطره إلي اختصار بعض الأجزاء، وقد عالج هو نفسه هذا السلوك حين أعاد إصدار هذه الروايات في سلسلة «مطبوعات كتابي».

بدأت الخطوة الواسعة التي حفرت لمراد مكانته واسمه في الثقافة العربية ، حين أصدر في مارس عام 1952 سلسلة «كتابي»، وعرفها بأنها كتاب شهري للقصة والثقافة الرفيعة، وكان هو صاحب المشروع ورئيس تحريره ومترجمه، وقد اتخذ من شعلة الفكر عند الإغريق شعارا له، وكان العدد الأول بعنوان «خطايا الحب» وقد اشتمل علي عدد من القصص القصيرة، منها قصة له:  «الغفران».

صدرت الأعداد الأولي من سلسلة «كتابي» بشكل منتظم وهي: «قلب عذراء»، و«الهاربة من الجنة»، و«أحدب نوتردام»، و«عشيقة نابليون» و«مذكرات كيوبيد»، و«صنم يتحطم» وغيرها. وكان حريصا علي أن ينشر قصصه القصيرة والطويلة في الأعداد الأولي من «كتابي»، ثم تخلي تماما عن تأليف القصص. وفي هذه السلسلة نشر ترجمة لعدد من الروايات المهمة.

تقديم الإصدارات العالمية الحديثة

بدأ حلمي مراد في نهاية خمسينيات القرن العشرين في الاهتمام بالإصدارات الحديثة ، مثل روايات ألبير كامي، وجان بول سارتر، وأرنست هيمنجواي.وقد ترجم أيضا أدب من فنلندا، والصين، وتركيا، والهند، بالإضافة إلي النصوص الأوروبية، كما نشر الروايات، والمسرحيات، والاعترافات الأدبية، ولخص كتبا مهمة في الاقتصاد، والجريمة، والسير الذاتية.

طور  مراد بعض الآليات المساعدة علي تحويل مشروعه إلي مؤسسة، ومن ذلك أنه تولي إقامة مسابقة شهرية في قراءة سلسلة «مطبوعات كتابي».

كان حلمي مراد واعيا لقيمة الفن التشكيلي وتاريخه واتجاهاته ، وقد نشر مستنسخات لأشهر لوحات الفن التشكيلي الكلاسيكي العالمي علي غلاف الأعداد، أو في صفحات داخلية منفصلة.

مشروعه الثاني «مطبوعات كتابي»

طور  مراد بعض الآليات المساعدة علي تحويل مشروعه إلي مؤسسة، ومن ذلك أنه تولي إقامة مسابقة شهرية في قراءة سلسلة «مطبوعات كتابي».

وبعد أن نجح مشروعه الأول قدم تلخيصا لثمانية كتب كل شهر في عدد جديد من «كتابي»،  بدأ مشروعه الثاني «مطبوعات كتابي»، وفيه حرص علي نشر النص الكامل للنصوص الأدبية العالمية.

وقد صدر العدد الأول من السلسلة في مايو 1955 في ترجمة مختصرة بشكل ملحوظ لرواية «قصة مدينتين» تأليف تشارلز ديكنز، وكان العدد التالي هو «ذات الثوب الأبيض» الذي كان عليه أن ينشره في روايات الهلال. وعندما أحس أن المشروع لن يحقق حلمه بدأ في نشر الرواية الواحدة علي أكثر من جزء، بما يقارب الترجمة الكاملة للرواية الوحيدة التي كتبها موباسان تحت عنوان «حياة». و من أشهر الروايات التي أصدرها الأستاذ حلمي مراد: «اعترافات جان جاك روسو» 5 أجزاء.

كما نشر  حلمي مراد خارج السلسلة رواية «دكتور زيفاجو» لبوريس باسترناك عقب فوزه بجائزة نوبل (1958)،

كان حريصا على أن تكون مطبوعاته بسعر مقبول، وإن كان أعلى قليلا من السلاسل الأخرى.

مما أحب أن أذكره دليلا علي خصوبة الثقافة المصرية في العصر الذي عاشه حلمي مراد، أن سلسلتي كتبه عاشتا بالموازاة لسلاسل مشابهة: «روايات الجيب» و«روايات عالمية»، حتي مع تكرار نشر بعض العناوين في هذه السلاسل، وقد كان حريصا على أن تكون مطبوعاته بسعر مقبول، وإن كان أعلى قليلا من السلاسل الأخرى.

ومع ازدهار حركة النشر الحكومي علي يد الدولة ، بدأت السلسلتان في التعثر ، بعد أن صدر من «مطبوعات كتابي» قرابة المائتي عدد، وابتعد اسم الأستاذ حلمي مراد عن خضم الحياة الثقافية حتي أصبح اسمه أقرب إلي الأسماء التذكارية.

العودة قبل نهاية االقرن العشرين

وفي منتصف تسعينيات القرن العشرين عقد  اتفاقا مع المؤسسة العربية الحديثة علي إعادة إصدار «مطبوعات كتابي»، وعادت السلسلة للظهور مجددا لتصل إلي جيل جديد.

وكان ينشر بابا تحت عنوان «رأيت وسمعت لك» يلخص فيه بعض ملامح رحلاته الثقافية في العالم، شرقا وغربا. وفي مجال التراجم مجموعة من كتب التراجم المهمة عن «حياة بيتهوفن»، و«حياة موسوليني».

عانى مراد في أواخر حياته من أمراض عديدة أبرزها تصلب الشرايين، و توفي 2001.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها