حجْر كدهْر

الحجر الصحي بالنسبة لي مغرٍ جدا، فأنا التي كنت أتحجج بضيق الوقت كلما لامني الغير عن عدم تفرغي أو لامتني نفسي عن تقصيري في حقها.

عندما قررت الالتزام بالحجر الصحي أوقفت كل ساعاتي عن العمل، كنت أعلم أن بقائي في المنزل سيأخذ من عمري ما لن توفق عقارب الساعة في إحصائه..

وخفت يوم أخرج إلى النور مجددا، أن أعُدّ الساعات التي لبثتها فأُصدم من عدم توافق مظهري في المرآة مع عدد الأيام التي أمضيتها بعيدا عمّا أريد أن أفعل.

تجربة البقاء في المنزل ليست غريبة عني، فلطالما كانت بالنسبة لي اغترابا؛ وغربة أشدّ قسوة من غربة تفصلني عن وطني ساعات طوال بالطائرة أو الباخرة، فكيف إن كان العزل فرديا؟

مع بداية الحجر كنت أشعر بأنه من الحظ أن انعزل في المنزل بمفردي، وازددت يقينا من ذلك حينما كنت أتصفح وسائل التواصل كالتائهة كل يوم؛ لأجد معظم المنشورات -حقيقة أو سخرية- تصوّر شكل الحياة الزّوجية والعائلية في ظل الحجر الصحي على أنها جحيم محقّق.

كفكرة، كان الحجر الصحي بالنسبة لي مغرٍ جدا، فأنا التي كنت أتحجج بضيق الوقت كلما لامني الغير عن عدم تفرغي أو لامتني نفسي عن تقصيري في حقها!

والآن لدي الوقت كله والفراغ كله والظروف جميعها لأصلح جسدي ببعض التمارين الرياضية، وأعتذر بعقلي بساعات مطالعة وأُكفّر عن ذنبي تجاه صحتي بطبخ بعض الأكلات اللذيذة والصحيّة وخاصة لأهب وجهي فرصة إجازة من مساحيق التجميل التي تعبث بعفويته.

صورة تعبيرية

 

والآن نحن في الحجر الصحي الطوعي، لأن البلد الذي أقيم به لم يرَ بدأ من فرض الحظر الشامل،  رغم تجاوز عدد المصابين حاجز المائة ألف ،وأغلب التأويلات تقول بأن الاقتصاد أهم بالنسبة لهذا البلد.

وإن الليرة أولا رغم أن الرئيس ومن معه يحاولون طمأنة الشعب بشكل يومي بأن الوضع تحت السيطرة.

”آمل ذلك ولكني في كل الأحوال اخترت ألاّ أضع حياتي في أي رهان وأن ألتزم ذاتيا بما أراه صالحا لسلامتي الصحية، وربما لأن تجربة الحجر الصحي كانت مغرية بالنسبة لي كما أسلفت“.

اليوم الأول كأي يوم في أي مغامرة جديدة، كان جميلا جدا.. استفقت باكرا في الصباح، كانت الساعة في حدود الواحدة ظهرا حسب حدسي.

نعم قصدت باكرا لأن اليوم هو اليوم رقم اثنين وأربعين في الحجر ومظهر السماء يشير إلى أن الساعة السّادسة،  وأنا لازلت أكتب هذا النص في فراشي وسيستغرقني الأمر ساعة أخرى من التأمل العبثي قبل أن أقرر النهوض لإعداد فطور الصباح.

استيقظت وآنا اردد لا تفكر كثيرا فيما آلت إليه الأمور فيما بعد، ستعيشها معي تباعا.

مضى اليوم الأول والثاني بشكل عادي، مشاعري تجاه النزول إلى الشارع ورؤية النور كانت لا تزال جافة فقد سبق لي أن أمضيت يومين دون خروج، وهما يوما الراحة من العمل.

نحن في اليوم الثالث، فتحت عيني لم أجد نورا، أعتقد بأنها كانت بين الثانية والثالثة بعد الظهر، السماء أغشتها الغيوم والأمطار سقت الشوارع، ويبدو أنها سقت مشاعري التي كانت جافة في اليومين الماضيين أيضا.

أحدهما بالداخل يتذمر أعتقد أنها “مروة” ، لأن الحجر الصحي هو مساحة “ميرو” اللامبالية والتي تعتز بارتفاع هرمون ”للامبالاة ” و الـ “عادي” لديها.

أمّا “مروة” فهي شخص منجز، جاد ومنضبط كمدير شركة يعتز بخدماتها ويسعى إلى تطويرها بشكل مطرّد.

إذا بدأت “مروة” بالشكوى وأعتقد أن الأمر أصبح مقلقا فنحن لازلنا في اليوم الثالث ولا توجد أي بوادر عن زمن أو ساعة انقضاء الحجز، حينها استدعيت “ميرو” ولحسن حظي أنها كانت تملك خطة طوارئ وتفقه بعض الشيء شخصية وميول ضرّتها.

عزيزي القارئ أعلم أني وعدتك بأنك ستعيش معي تفاصيل أيام الحجر تباعا لكني أعتذر منك، لن أفعل لسببين.. فإلى جانب ما يسببه لي وصف حالتي في تلك الفترة من إجهاد نفسي، أظن أن الرّوتين والتّكرار لم يدع لي شيئا لسرده… ولك أن تتخيل ذلك فأنت تعيش نفس التجربة وإن اختلفت التفاصيل.

اليوم الثاني والأربعون: أنا الآن ممددّة على الأريكة أتطلّع إلى السقف، سقف الغرفة ويبدو أيضا أنه تحوّل إلى سقف أحلامي التي أضحى أكبرها الخروج إلى الشارع .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها