حادث طيرٍ أم سير؟!

 

 

وراء عجلة القيادة في السيارة ثبت مقعده واخذ بحزام الأمان ليحكم ربطه منطلقاً في دربه،  بمزاج ينطق بلسان حال: (بمن تصبحت هذا اليوم!!)
وما لبث أن تحرك قليلا بسيارته حتى ارتطمت إحدى إطاراتها بعصفور صغير كان يعبر الطريق فقضت عليه في ذات اللحظة وتناثر أمام زجاج السيارة الأمامي ريش  رقيق بلون رمادي فاتح تزين  بخطوط بيضاء رقيقة سبحان من أبدع خلقه!

انتفض من خلف عجلة القيادة منزعجا متأثراً فأوقف السيارة وتوجه للعصفور علّه يتدارك أنفاسه المتبقية أو قلبه الصغير، علّه يسعفه..

تأكد أن العصفور قد فارق الحياة، فحمله بيد برفق ووضعه على جانب الطريق ونثر عليه التراب.

وعاد لمقعده متألماً متسائلاً مستنكراً.. أطير يعترض السير!! أهو حادث طير أم سير؟!!

كيف حدث هذا؟ أين منظمة حقوق الطيور؟ أين والداه كيف يسمحان له بالمرور وحيداً وهو صغير!! لا بد من محاكتهما على الإهمال!!

أين إدارة المرور؟! ولماذا لا يكون هناك مجسات على الأرض تضيء بها إشارة عبور المشاة عندما تمر العصافير عليها؟

ما الذي يحمي حركة الطيور في السماء؟ كيف للطائرات أن لا تضرهم أو تصطدم بهم؟ وهل من سبيل لوضع إشارات بين السحب تنقذ وتنظم حركة سير الطيور؟!! ومن المسؤول؟

أرهقه التفكير وارتفع صوت لسان حاله: (بمن تصبحت هذا اليوم!!) وأكمل المسير لجهته التي كان عازماً للوصول إليها.

اتسعت دائرة اهتمامه لتشمل أمور الأرض والسماء، السحب وخطوط المشاة، وتسخط على من “اصطبح به” وبمن فرط وأضاع حقوق الطائر الصغير!!

 تقلص لديه بل تجاهل دائرة تأثيره ودوره فيما حدث!! هل فكر بطريقة قيادته؟! أو بتركيزه أثناء القيادة؟! هل تحكم بسرعته؟! أو تأكد من عدم تأثير حالته المزاجية على تحكمه في عجلة القيادة؟!

هل توقف عند (بمن تصبحت هذا اليوم!!) ليضع فرضية (من تصبح بي هذا اليوم؟!) فبدل دوره وغيّر زاوية نظره.!!

 إن دائرتي الاهتمام والتأثير متداخلتان وتُجملان كل ما يدور في أفق الإنسان، فكلما ازدادت مساحة أحدهما تقلصت مساحة الأخرى تلقائياً.

كلما ازداد اهتمامنا بما يدور حولنا ملقين اللوم والعتب ومصوبين أصابع الاتهام لغيرنا من الظروف والأشخاص، كلما صغرت دائرة تأثيرنا وأهدرنا طاقتنا وجهودنا وتغيب عن أذهاننا ما يمكن أن نصنعه لنصلح أنفسنا ونطور ذواتنا لنكون سبباً في حياة أفضل.

إن اهتمامنا وإدراكنا لوجود الظروف والمعوقات والصعوبات والمستجدات المتسارعة في حياتنا أمر حتمي، فنحن لا نُجمل واقعاً ولا نُزيف حقيقة…!

لكن وجود أهداف ورؤية واضحة لحياتنا، يعزز من دائرة تأثيرنا، فنحاول جاهدين البحث عن بدائل، مستنفرين العزم والقوى ومستثمرين إيجابياً طاقتنا للبحث عن أفضل ما يمكن فعله وفق معطيات الحاضر بعيداً عن التنظير، مستمرين في ركب الحياة، وفي وضع بصماتنا خلال المسير.

إن الذات الإنسانية هي أكرم مشروع، ومواردها من فكر وجهد ووقت ومشاعر وعلاقات هي أعز من أن تهدر وأجدر أن تستثمر.

ما ذكره صاحب كتاب العادات السبعة للناس الأكثر فعالية عن دائرتي الاهتمام والتأثير يستحق الوقوف والتأمل وتغيير زاوية النظر، لنعيد التوازن لمن يجلس خلف عجلة القيادة ليُعيد زاوية النظر ويكون منصفاً!!

 

 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها