جامعة الدول العربية في خبر كان

المتتبع للشأن العربي، سيقف مصدوما أمام عنوان عريض “جامعة الدولة العربية في خبر كان”، عندما يقف على مقاطعة جامعة الدول العربية لإسرائيل، وتم تخفيف المقاطعة، وتوقيع المعاهدة.

تاريخيا، يعود تأسيس جامعة الدول العربية إلى عام (1945)،  قبل تأسيس منظمة الأمم المتحدة بشهور قليلة، وذلك بمناسبة خطاب لوزير الخارجية البريطاني “أنتونى إيدن” بتاريخ 29 مايو 1941، إذ قال في خطابه: “إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن.

وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضاً… وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأيّ خطة تلقى موافقة عامة”، هذه الكلمات كانت كافية لجعل زعماء الدول العربية يشعرون بشيء من الدفء، أو كما يقال في اللهجة المغربية “جمع اللمة”، أي جمع أفراد الأسرة.

فمباشرة بعد خطاب “أنتونى إيدن”، دعا رئيس الوزراء المصري آنذاك “مصطفي النحاس”، مجموعة من رؤساء الوزراء العرب، لضرورة إقامة جامعة عربية توحد الكلمة وتوحد الروابط الاقتصادية والدينية والثقافية للدول العربية، وبعد مد وجزر حول اسم هذا المولود العربي الجديد، هل “الاتحاد العربي” الذي اقترحه الوفد السوري، أم سيطلق عليه اسم “التحالف العربي” الذي اقترحه الوفد العراقي، إلا أن المجتمعين على فكرة تأسيس لإطار العربي وافقوا في الأخير على اسم “الجامعة العربية” الذي كان من اقتراح الوفد المصري.

72 سنة مرت بمرها وحلوها على “الجامعة العربية”، التي كما سبق و ان قلت تأسست من أجل التعاون في الشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية، وتحرير البلاد العربية غير المستقلة والتي كانت أنداك لاتزال تعيش تحت نير الاستعمار، كالمغرب والجزائر، بالإضافة إلى التعاون وتقديم المساعدات للمنظمات الدولية، وفق ما جاء في ميثاق الجامعة، كما أن البرتوكول الأول “برتوكول الإسكندرية” نص على نفس الأهداف والمبادئ.

فالمتتبع للشأن العربي، سيقف مصدوما أمام عنوان عريض “جامعة الدولة العربية في خبر كان”، عندما يقف على النقط التالية: مقاطعة جامعة الدول العربية لإسرائيل: قامت جامعة الدول العربية بعد تأسيسها وقبل ذلك، بالإعلان عن مقاطعة إسرائيل وعزلها اقتصاديا والتضييق على مؤسساتها التجارية، وتعتبر المقاطعة أحد الوسائل التي اعتمدتها الدول العربية للحد من هجرة اليهود إلى فلسطين، وكانت حرب 1948 وما بعدها شاهدة على مقاطعة جامعة الدول العربية لإسرائيل تماشيا مع أهداف الجامعة، وذلك بإشراف “مكتب المقاطعة المركزي”، وهو مكتب خاص تابع للجامعة ويتوفر على فروع له في مختلف الدول العربية.

في سنوات السبعينيات، تم التخفيف من المقاطعة وكانت مصر التي كانت أول دولة تدعو إلى ضرورة تأسيس “جامعة الدول العربية”، كانت اول دولة تتخلى عن المقاطعة، بعد توقيعها على معاهدة السلام مع إسرائيل، بعد هذا الحدث تم فتح مجموعة من الموانئ وكذلك مضائق أمام السلع الإسرائيلية، من بينها مضيق تيران، سنوات بعد ذلك، وفي عام 2005، حاولت مجموعة من الدول العربية القيام بالمقاطعة للسلع الإسرائيلية، لكنها فشلت في ذلك، بعد الانسحاب التام للبحرين من مجلس المقاطعة، وإلى حدود الساعة لازالت بعض الدول العربية تمارس المقاطعة لإسرائيل، في حين تستقبل دول أخرى السلع الإسرائيلية بشكل علني، وأخرى تمرر السلع من تحت الحذاء.

التحالف العسكري للجامعة العربية في بعض الأحيان تدعو الأحداث والأزمات الدولية إلى ضرورة خلق تحالفات من أجل التصدي لتلك الأزمات، وهذا ما قامت به جامعة الدول العربية في مجموعة من محطاتها التاريخية تماشيا مع اهدافها ومبادئها، ففي عام 1967 نشبت حرب بين إسرائيل وبعض الدول العربية، والتي تُعرف أيضًا باسم نكسة يونيو /حزيران وتسمى كذلك بحرب الأيام الستة، وقبل ذلك وفي سنة 1948 رفضت جامعة الدول العربية قرار الأمم المتحدة المتعلق بتقسيم فلسطين إلى دولتين “فلسطين” و”إسرائيل”، وبالتالي نشبت حرب بين الدول العربية وإسرائيل والتي استمرت من مايو 1948 حتى مارس من عام 1949.

فخلال هذه الفترة، ومع بداية السبعينيات بدأت جامعة الدول العربية تخرج عن أهدافها المسطرة في ميثاقها، وأقامت علاقات وطيدة مع إسرائيل، بل خلقت الجامعة العربية تحالفات عسكرية ضد بعض الدول العربية، من أجل استرجاع الشرعية كما تقول بعض الدول العضوة في الجامعة وإرجاع الأمور إلى نصابها، لكن لا بد أن يتساءل المتتبع للشأن العربي، هل الأحداث والأزمات العربية يجب بالضرورة أن تحل بالأسلحة والعصيان، ألا توجد حلول سلمية أخرى مثل التفاوض والتحقيق بدون إزهاق روح “عربي”، أم أن الجامعة العربية أصبحت في خبر كان، وبالتالي أصبحت تخدم دولا وتعفي أخرى من خدماتها؟

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها