جامعة الدول العربية تترنح.. فهل ستولد كيانات جديدة من رحمها؟

وزير الخارجية الإماراتي خلال التوقيع

تسببت مواقف بعض الدول العربية حيال “دول الربيع العربي” في شرخ عميق في المواقف العربية بسبب تجاذب المصالح ؛وأصبحت القضية الفلسطينية وهي القضية المركزية نقطة خلاف.

بدأت فكرة تأسيس جامعة الدول العربية؛  حسب بعض الروايات بعد حديث لوزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن عام 1941 عن ضرورة وجود هذا المجلس، وذلك في نهاية الحقبة الاستعمارية البريطانية-الفرنسية.
وكان هنالك مسببات لهذه الدعوة تتمحور في الحفاظ على مصالح بريطانيا وفرنسا، وبعد عام على ذلك الحديث دعا مصطفى النحاس رئيس الوزراء المصري حينها لمناقشة فكرة إقامة كيان يجمع العرب، وبعد سلسلة اجتماعات ومشاورات اتفقت كل من مصر والعراق وسوريا ولبنان والأردن والسعودية واليمن على تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، والتي توسعت بعد ذلك حتى وصل عدد أعضائها 22 دولة عربية، آخرها جزر القمر التي انضمت للجامعة عام 1993.

جامعة الدول العربية

وبعد موقف جامعة الدول العربية الأخير والداعم ضمنيا لاتفاقيات التطبيع التي تمت مؤخرا بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني؛  والمخالفة لمبادرة السلام العربية القائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام؛ عبرت بعض الدول الأعضاء عن رفضها لموقف الجامعة بطريقة مهمة من خلال اعتذارها عن الرئاسة الدورية للجامعة،  بداية من: فلسطين المكلومة، ومن ثم قطر وجزر القمر والكويت ولبنان، وأخيرا وليس آخرا ليبيا، وأصبح الشرخ في الموقف العربي هو القاعدة والتوافق غائب.  

في عام 2002 اعتمدت القمة العربية التي عقدت في بيروت مبادرة السلام التي أطلقها العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز (كان ولياً للعهد في حينها)، وتنص على انسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي العربية المحتلة إلى حدود الرابع من حزيران 1967 وعودة اللاجئين، بجانب الانسحاب من الجولان مقابل تطبيع عربي كامل مع الكيان الصهيوني والاعتراف بوجوده، وتبادل العلاقات معه، ووافقت الدول العربية على هذا المقترح وأصبح مشروعا تحت مسمى “مبادرة السلام العربية”.

ورغم ما تحتويه المبادرة من خطوات متقدمة وغير مسبوقه عربيا إلا أن الكيان الصهيوني لم يتقدم خطوة للأمام، ورفض المبادرة بشكل رسمي وبقيت المبادرة في الأدراج.
ولكن الموقف العربي الرسمي منذ ذلك الحين بقي كما هو في تبني هذه المبادرة، حتى جاءت اتفاقيات التطبيع مؤخرا والتي خرجت عن نطاق الإجماع العربي، وبناء عليه اعتذر وزير خارجية فلسطين عن الاستمرار في رئاسة الدورية للجامعة وتبعة خمس دول في نفس القرار .

تسببت مواقف بعض الدول العربية حيال “دول الربيع العربي” في شرخ عميق في المواقف العربية بسبب تجاذب المصالح ؛وأصبحت القضية الفلسطينية وهي القضية المركزية نقطة خلاف بعد أن كانت قضية توافقيه تماما.

الفكرة الرئيسية التي قامت عليها جامعة الدول العربية وهي التي شكلت ميثاقها الداخلي هو السعي لتوثيق الصلات بين الدول العربية وصيانة استقلالها والمحافظة على أمن المنطقة العربية وسلامتها في مختلف المجالات.

وهذا ما انتهى تماما مع تتابع الأزمات العربية الداخلية منذ بداية “الربيع العربي” أواخر عام 2010، وأصبحت الدول العربية ساحة صراعات عربية-عربية، وعربية-إقليمية.

وقد تسببت مواقف بعض الدول العربية حيال “دول الربيع العربي” في شرخ عميق في المواقف العربية بسبب تجاذب المصالح ؛وأصبحت القضية الفلسطينية وهي القضية المركزية نقطة خلاف بعد أن كانت قضية توافقيه تماما.
 وما زاد الطين بلة هو وجود تدخلات خارجية في المواقف السيادية لبعض الدول العربية، وجاءت اتفاقيات التطبيع كالقشة التي قصمت ظهر البعير، وهذا قد يكون المدخل الحقيقي لنهاية وجود جامعة الدول العربية فعليا خلال فترة قصيرة.

وقد جاء موقف جامعة الدول العربية من اتفاقيات التطبيع استمرارا لسلسلة خلافات عميقة وتحديدا في ملفات سوريا واليمن وليبيا؛ وحتى العلاقات الإقليمية التي تربط الدول العربية مع جيرانها تركيا وإيران، وهذه السلسلة العميقة من الخلافات أدت إلى ضعف بل غياب أي دور مؤثر للجامعة إقليميا ودوليا.
ويعتبر نمط التوافق المطلوب في القرارات الصادرة عن الجامعة؛  هو أبرز عائق نحو إقرار أي موقف سياسي حيال أي أزمة حيث يتطلب القرار موافقة الجميع،  وليس بالنظام الديمقراطي في إقرار القرار بنظام الأغلبية، وهذا أصبح صعبا جدا في عالم السياسة لعدة عوامل منها دخول بعض الدول في صراعات إقليمية غير متوافق عليها بين الدول العربية وأيضا نظام الاستقطابات بين الدول.

والمتتبع لمسار الأحداث عربيا وإقليميا ودوليا ومع صعوبة تعديل النظام الداخلي للجامعة وآلية اتخاذ القرارت للتعامل مع القضايا السياسية بنظام ديمقراطي.

إعلان اللاءات الثلاث في قمة الخرطوم عام 1967 وهي”لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل”

فإن ذلك لا محالة سيؤدي إلى نهاية حقيقية للجامعة، ووجود كيان جديد بقيادة صهيونية وهو ما تحدث عنه عبدالله الأشعل السياسي المصري مؤخرا، إذ أصبح واضحا للعيان تأثير تغلغل الكيان الصهيوني وتأثيره خصوصا مع وجود دعم دولي أمريكي تحديدا للكيان الصهيوني وخطوات التطبيع وهذا سيتضح كثيرا بعد الانتخابات الأمريكية القادمة.

وما بين إعلان اللاءات الثلاث في قمة الخرطوم عام 1967 وهي “لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل” وما جرى مؤخرا في القاهرة 2020 من تمرير اتفاقيات التطبيع يبدو أن المصالح المتبادلة بين بعض الدول سواء عربية-عربية أو عربية-إقليمية ستكون الأساس في تشكيل هيئات أو مجالس جديدة، وقد لا يكون هنالك عمل عربي مشترك خارج إطار بعض الأمور الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وكذلك التنسيق الأمني.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها