ثقافة الاسترزاق بالوطن

تراهم يجسدون كل أنواع العبودية في الولاء والطاعة، ورسم وتنفيذ المؤامرات والفتن الخارجية، كما تراهم ينبحون وينهقون خلف بعض شاشات التلفزيونات.

هم أناس مستعدون بكل الطرق والأساليب الخبيثة، للمتاجرة في الغالي والنفيس. من أجل المزيد من المال والجاه والسلطة، لا يهمهم مصير الأرض والعرض والشرف والوطن.

ترسخت في أذهانهم ثقافة الاسترزاق بالوطن، وتقديم الولاء والطاعة لكل العملات الأجنبية والرقمية، يقضون أوقاتهم في البحث عن منافذ من أجل الهجرة إلى خارج أرض الوطن، والارتماء في أحضان خصوم المغرب وأعدائه، يظهرون في صور مختلفة من أجل إرضاء أولياء نعمتهم، اختاروا التخلي عن كل ما يجسد الإنسانية في ذواتهم، من عفة وشرف وأصالة مغربية.

تراهم تارة يجسدون كل أنواع العبودية في الولاء والطاعة، ورسم وتنفيذ المؤامرات والفتن الخارجية، كما تراهم  ينبحون وينهقون خلف بعض شاشات التلفزيونات الغربية، يسارعون الأحداث بتلفيق التهم وإطلاق الإشاعات على بلدهم وشعبهم ومحاولة إسقاط مخططاتهم، يدعون بكل وقاحة وبهتان، المعرفة في كل شيء، والقدرة على تأكيد كل ما أطلقوه من خزعبلات، هؤلاء ثمرات فاسدة سقطت من نخيلنا المهمل بالطرق والشوارع، ثمرات زاد فسدها بعد أن تركت لتتعفن، وتلوث بيئتنا.  

لم تعد أخطار الفشل التعليمي والانحطاط الثقافي والفني والانحلال الأخلاقي، جاثمة فقط على كل مسالك التنمية البشرية ومظاهر الحياة، بل إن تلك الأخطار بدأت تفرز كائنات بشرية، تعشق وتهوى السلبية والعدمية، وتكن العداء للأب والأم والقريب والجار، كائنات حذفت من قاموسها اللغوي  كل ما يمكن اشتقاقه من كلمة الوطن، من  قبيل (مواطن، وطني،..).

الحديث هنا لا يقف عند مدمني حبوب الهلوسة والمخدرات وخمر(الماحيا)، هؤلاء المرضى ضحايا عبث وعفن المجتمع، وقصور أداء الحكومات التي تعاقبت على تدبير شؤون البلاد والعباد. الذين يرتكبون جرائم القتل، ضد الأصول وضد أنفسهم، ولكن الحديث عن المصنفين في خانات المثقفين والسياسيين والإعلاميين، الذين لا يترددون في المتاجرة في أرض وعرض وسمعة وشرف البلاد، هؤلاء الذين يساومون من أجل الاحتفاظ بـ(وطنيتهم) و(جنسيتهم) وولائهم لوطنهم. يتقمصون أدوار الحقوقيين والإعلاميين والسياسيين والفقهاء والمرشدين، يخالطون الشرفاء منهم،  لكسب الدعم والتضامن، و يتصيدون الأوقات والأمكنة والمناسبات لترويج خطاباتهم الانفصالية، وزرع مشاتل الكره والحقد على الوطن، بدعوى تعرضهم لأذى أو عنف أو مظلمة من مسؤول أو جهاز ما.                             

ما جدوى برامج ومخططات وزارات التربية الوطنية والثقافة والاتصال والشؤون الإسلامية، وغيرها من القطاعات المفروض في مسؤوليها ترسيخ ثقافة الحب والاعتزاز بالوطن والمغربة القحة في نفوس وعقول كل المغاربة؟ وما جدوى المدارس والكتاتيب والمساجد والمعاهد والكليات، ودور الشباب والثقافة والمراكز الاجتماعية، إن لم تفضِ إلى إفراز أطفال وشباب ورجالات ونساء يعشقون وطنهم، ويؤمنون بإمكانية التغيير والنماء وتحقيق الأفضل بطاقات وكفاءات وبرامج  ومخططات مغربية، من داخل المغرب؟ لم تكن يوما تلك المخططات والبرامج المستوردة من (العم سام) و(الخالة فرنسا)، والأصهار الجدد (تركيا، الصين،..)، كفيلة بتحقيق أهدافها، وتقديم أية إصلاحات للمغاربة. برامج ومخططات أعدت لشعوب أخرى، بناء على تشخيصات ودراسات داخل بلدانها، لا علاقة لها بالواقع والحياة المغربية..  

لم تعد قصيدة الشاعر التونسي مازن الشريف (خذوا المناصب و المكاسب لكن خلولي الوطن) تلهمنا، ولم يعد الفنان التونسي لطفي بوشناق يطربنا بصوته ولحنه لها، بعد “ثورة الوهم” و”الربيع العربي المصطنع”.

لأن جشع وطمع هؤلاء الذين أخذوا المناصب المكاسب، أنساهم مصالح الوطن والمواطنين، ولم يعد هناك من يفكر في تنقية وتطهير مسارات أطفالنا وتقويم اعوجاجاتهم وترسيخ مبادئ الوطنية والغيرة الأكيدة على بلدهم الأم، وبات من الواجب الرجوع إلى حيث أبرع شاعر الخضراء التونسي الراحل أبي القاسم الشابي، في قصيدته الشهيرة:

إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلابد أن يستجيب القدر، والتي تغنت بها عدة أجيال مغربية بحرقة وتمنٍ.  

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها