تقرير طمس الحقائق

مع نهاية عام 2012 فوجئنا بتقرير اللجنة التي شكلها المجلس العسكري الحاكم في مصر لتقصى الحقائق عن أحداث ثورة يناير وما رافقها من قتل وخطف واعتقال خصوصا ما وقع منها في ميدان التحرير، وللعلم إن المجلس العسكري الحاكم وقتئذ لم يستجب بتشكيل تلك اللجنة إلا تحت ضغط ثوري وكمطلب شعبي.

المفاجأة في التقرير أنه خلص الى عدم وجود أدلة على القاتل (المجهول) الذي قتل أكثر من ألف نفس رغم وجود عشرات حالات القتل والدهس والقنص، وكما ذكر التقرير أنه لا توجد أدلة مادية ولا شهود خصوصا بعد اتلاف كاميرات المراقبة عند المتحف المصري وماسبيروا وغيرهما من الأماكن.

ورغم أن تلك الأحداث وتحديدا التي وقعت في ميدان التحرير ومحيطه كانت نُقلت على الهواء أو في تقارير مصورة وشاهدها العالم كله وقت حدوثها، بالإضافة لآلاف الفيديوهات التي يزخر بها موقع اليوتيوب وغيره عن تلك الأحداث، فضلا عن تقارير حقوقية عدة محلية ودولية رصدت عمليات القتل والقنص والدهس معتمدة على شهادات لمصابين ومختطفين ومعتقلين جراء تلك الوقائع.

كان المجلس العسكري شكل تلك اللجنة لكن امتد عملها وصدر تقريرها في عهد الرئيس محمد مرسى، وما إن صدر التقرير بمحتواه الصادم حتى اشتعلت المطالب الشعبية وخصوصا من ذوي القتلى والشهداء والمصابين بإعادة التحقيق في تلك الأحداث مجددا، وتحت ضغط ثوري وحقوقي استجاب الرئيس محمد مرسى وشكل لجنة جديدة لتقصى الحقائق عن تلك الأحداث.

تلافيا لصدمتنا من نتائج اللجنة السابقة ونفيا لمزاعم عدم وجود شهادات لتلك الأحداث توجهت مع رفيقىّ الثورة والنضال (لم استئذنهما في ذكر اسميهما) وكان ذلك قبل الانقلاب بشهور، ذهبنا الى اللجنة الجديدة في مقرها بوزارة العدل وقدِمنا الى مستشار عضو اللجنة الذى صافحنا ورحب بنا وبعد حديث قصير أحالنا الى أحد القضاة الشباب لأخذ افاداتنا، والتى كانت تتركز حول الأربعاء الثاني من فبراير 2011 خصوصا موقعة الجمل وتسليم بلطجيتها الذين وقعوا في أسر قوات الجيش، وكذلك هجوم البلطجية ليلا على الميدان من عدة مداخل  بقصد اخلاءه بالقوة، وحالات القنص عند المتحف المصري، والذى أختفى عند حدوث كل تلك الوقائع كل قوات الجيش التي رابطت لأيام على مداخل ميدان التحرير بدعوى حمايته، فاختفت المدرعات والقوات التي كانت تغلق مداخل ميدان التحرير خصوصا عند مدخل عبدالمنعم رياض والمتحف المصري ومدخل قصر النيل، تلك الأحداث التي عاينها عشرات الآلاف في الميدان ورآها الملايين عبر شاشات الفضائيات ووثقتها الصحف والتقارير الحقوقية.

استمع القاضي الشاب لإفاداتنا ودونها بنفسه وعلق باسما “انتوا كده بتوجبوا مع الجيش” فرددنا أن هذا ما شهدناه وما حدث بالفعل، في نهاية حديثنا وقبل أن يودعنا الرجل بترحاب كما استقبلنا سابقا عضو اللجنة بترحاب أيضا طلب منا بدعوة مزيد من الشهود واحضار فيديوهات للأحداث ان أمكن أو دعوة من يمتلكها الى اللجنة وقال ” احنا معندناش أي حاجة”.

اعتقدنا أن دورنا انتهى في تقديم الشهادة عند هذا الحد وأن شكوكنا حول اللجنة السابقة ذهبت مع تشكيل اللجنة الجديدة خصوصا لما لمسناه من القائمين على اللجنة الجديدة من اهتمام وجدية، مرت الأيام وتقلبت الأحداث وعصف الانقلاب العسكري في يوليو 2013 بمصر كلها وانشغلنا بالوقائع الجديدة وتوابعها وحتى الأن لم يصدر التقرير المنتظر من هذه اللجنة رغم مرور أربع سنوات على هذه الواقعة.

لأن نزال نتساءل عن مصير هذا التقرير، وهل صدر ولم يعلن عنه أم لم يصدر من الأساس، نريد للرأي العام أن يعرف الحقيقة، وهذ حقه وحقنا، ونرجو ألا يذهب هذا التقرير إلى الأدراج كغيره من تقارير كثيرة طمست الحقائق وشوهتها بدلا من الكشف عنها وكان هذا الطمس وإخفاء الحقيقة ثمنا لتبوء مسئوليها مناصب أعلى ولتحصيل مزايا ومكافآت وإكراميات.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها