تحية العلم

هل من الوطنية التفريط غير مجبرين في حصتنا من مياه النيل ؟ هل من الوطنية التنازل الطوعي عن أرضا ؟! هل من الوطنية التفريط في حقوقنا في مياهنا الإقليمية؟!

تابعنا مع بداية العام الدراسي واقعة تحدث لأول مرة في الجامعات المصرية ألا وهى تحية العلم .

ابتداءً ينبغي أن نكون ممن يفسر كل ما يفعله السيسي و جوقته ليس على أنه تفاهة أو ضربات عشوائية بل كل ما يفعله يكون مرتبا و مخططا له لهدف ما إلا أن الله في الأغلب للآن لا يكتب له التوفيق .

إذا لماذا تحية العلم في الجامعات ؟ ربما أكثر من سبب محتمل لذلك فقد يكون رغبة في زرع الانتماء و الوطنية في جيل يري حكامه أنه لديه إشكالية في الانتماء و الوطنية، وربما لكى تؤكد السلطات أنها سلطة وطنية.

هل النتائج في هذه القضايا يمكن أن يتحصل إليها بهذه الطريقة ؟ قبل أن ندلف في تحليلنا للأمر علينا أن نضع هذه الواقعة في ذات سياق هتاف السيسي الذى دأب السيسي و مؤيدوه على أن يزيلوا به كلماتهم وهو (تحيا مصر .. تحيا مصر .. تحيا مصر ).

ماذا يريد السيسي بتحية العلم و بهذا الهتاف؟ هل يريد أن يؤكد على وطنيته؟ لكن منذ متى و إثبات الوطنية يكون بالشعارات و الكلمات حتى وإن كانت تحية العلم؟! فهل الجواسيس الذين تقلدوا مناصب في دول ما و كانوا يعملون لحساب الأعداء كانوا يمتنعون عن تحية علم بلادهم التي يخونونها؟!

وفي المقابل هل من الوطنية التفريط غير مجبرين في حصتنا من مياه النيل ؟ هل من الوطنية التنازل الطوعي عن أرض نمارس عليها سيادتنا دون ظرف قاهر يجبرنا على ذلك؟! هل من الوطنية التفريط في حقوقنا في مياهنا الإقليمية عبر ما يسمى باتفاقيات إعادة ترسيم الحدود؟!

إن الدول التي تفعل ذلك لا تفعله بإرادتها إذا كانت تحكمها أنظمة حكم وطنية و إنما تفعله مرغمة بعد خسارة حرب أو في أدنى تقدير عبر التحكيم الدولي، أما أن تعطى بنفسها أرضا ومياها وبترولا وتسارع في ذلك و تشرعنه عبر برلمانها وساحات قضائها فهذا لعمرى ما لا يفعله نظام وطني أبدا؟

ثم هل يشفع للسيسي عند الشباب لإثبات وطنيته أن يجمعهم في ساحات الجامعات لتحية العلم ليهتفوا كما يهتف هو تحيا مصر … تحيا مصر … تحيا مصر !
إن هذا الشباب وفي ذات الأماكن التي تم جمعه فيها لتحية العلم، شهد العام الماضي إلقاء القبض على زملاء له لأنهم رفضوا إنزال ذات العلم عن جزيرتى تيران وصنافير، وربما بعضهم ما زال قيد الحبس حتى الآن.

إن الذى أنزل العلم عن بقعة أرض كانت تحت السيادة المصرية، وعلى حدودها لا أقول لا يصح له أن يرفع ذات العلم بل لا يحق له أن يرفع رأسه أبد الدهر.

هذا الشباب فقد زملاء وأساتذة له في كل كلية من كليات الجامعات المصرية وهم يحلمون بغد أفضل لهذا الوطن.

هذا الشباب اغتصبت زميلاته في المدرعات على بعد أمتار من المكان الذى يقف فيه لتحية العلم و تكتمل المفارقة إذا كان المغتصب لزميلاته أو الغاصب لحكم الوطن هو من يطلب من الشباب أن يرددوا تحية العلم وراءه أو هو من يزعم أنه يحميهم وهم يؤدونها.

يحدث هذا في جامعات أخرجها هذا النظام الذى يجعل يده مغلولة إلى عنقه عند الإنفاق على التعليم وما يتطلبه تحصيل الشباب له ثم إذا به يبسطها كل البسط فيقعد الشباب ملوما محصورا.

هذا الشباب المتهم بضعف انتمائه سُرق حلمه بالحرية والعدالة الاجتماعية من قبل هذه السلطة التي قتلت منه الآلاف و قمعت الملايين في ساحات الجامعات ومدرجات الكره وجمعيات العمل الطوعي ثم إذا به يطلب دواءً لأخيه عبر خوض غمار البحر المتوسط أو يلقى حتفه في رحلة البحث عن باب رزق عبر الصحارى التي يموت فيها عطشا أو البحار الذى يفارق فيها حياته غرقا حتى بات هذا الجيل بسبب سياسات هذا النظام هو الجيل الأكثر إقداما على الانتحار كمخرج من الحياة تحت سطوة نظام فشل في أن يوفر له أدنى متطلبات الحياه.

إننا لم نسمع من قبل من يخرج علينا يوميا ليخبرنا أن الأرض كروية أو أن الشمس تطلع من الشرق ذاك لان الحقائق لا تحتاج لبرهان، أما السيسي فما زال في حاجة ليبلغنا ببرهان وطنيته بهتاف و تحية علم و ما هو بمبلغنا فلسان الحال أبلغ من لسان المقال.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها